تداعيات جريمة خاشقجي تمهد لترتيبات إقليمية جديدة

تداعيات جريمة خاشقجي تمهد لترتيبات إقليمية جديدة

25 أكتوبر 2018
مصدر: أيام محمد بن سلمان في القصر باتت معدودة(Getty)
+ الخط -
يبدو واضحاً من التطورات الأخيرة المرتبطة بقضية تصفية الكاتب الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، أن التداعيات لن تتوقّف عند حدّ معاقبة من كان وراءها فقط، أو عند "كلفة مالية" يحكى أن الرياض ستتحمّلها. وأكدت مصادر دبلوماسية مصرية وعربية تحدّثت إليها "العربي الجديد"، أن الأمر سيخيّم بظلاله على عدد من القضايا الإقليمية، وسط توقعات بأن تسهم التداعيات في إعادة رسم العديد من المواقف الإقليمية للسعودية وحلفائها خلال الفترة المقبلة.

وقالت مصادر مقربة من دوائر الحكم في مصر إنّ "حجم الاتصالات والاجتماعات غير المعلنة التي جرت على مدار الأسبوع الماضي لم تشهدها دول الرباعي، السعودية ومصر والإمارات والبحرين، حتى خلال أزمة حصار قطر"، مضيفةً أنّ "المنطقة في الوقت الراهن تتأهّب لتحالفات وأوضاع جديدة، بسبب تداعيات أزمة مقتل خاشقجي".

وبحسب المصادر، فإنّ "الاجتماعات والاتصالات الأخيرة التي تمّت بين كبار المسؤولين في مصر والإمارات والسعودية بعد العودة لمسؤولين بارزين في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ناقشت مستقبل المنطقة والمستقبل السياسي لعدد من المسؤولين".

وفي السياق، قال مسؤول رسمي مصري بارز في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "أيام محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، في القصر باتت معدودة، وجميع حلفاء السعودية بدأوا الاستعداد للمرحلة التي ستلي تركه لموقعه، وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة". ورجّح أن تكون الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية المصري سامح شكري، مساء الاثنين، إلى العاصمة السعودية، "في إطار تبادل الرؤى الخاصة بترتيب الأوضاع، حال اضطرّت المملكة رسمياً للتخلي عن ولي العهد".

وفي الإطار نفسه، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" التي كان خاشقجي أحد كتابها، في مقال تحت عنوان "دول عربية تخشى أن تؤدي قضية خاشقجي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي"، أنّ "ما يقلق بعض الدول العربية، وفقاً لمسؤولين وخبراء إقليميين، هو ما تعتبره خطراً على استقرارها وأمنها في حال تقويض وضع السعودية وعلاقتها الوثيقة بالولايات المتحدة". ووصفت الصحيفة الأزمة التي تواجهها الرياض الآن بأنها "أخطر تهديد لنفوذ المملكة واستقرارها خلال جيل واحد".

ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤول كبير في إحدى الدول الخليجية، والذي تحدّث بشرط عدم الكشف عن اسمه، قوله إنّ "الوضع الحالي للرياض يشكّل أزمة للمنطقة بسبب عدم التيقّن من تأثيره على العلاقة مع الولايات المتحدة على المدى الطويل"، مضيفاً أنّه إذا ما قرّرت الإدارة الأميركية، أو بضغط من الكونغرس والرأي العام، أن تتخذ خطوات جدية للتراجع عن تحالفها مع الرياض، فإنّ "أمننا سيكون في خطر، وقد ترى إيران في ذلك فرصة أخرى لزعزعة استقرار المنطقة".


وكان النائب العام السعودي قد أعلن رسمياً، السبت الماضي، وفاة خاشقجي داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، موضحاً في بيان له، أنّ "المناقشات التي تمت بين خاشقجي والأشخاص الذين قابلوه أثناء وجوده في القنصلية، أدّت إلى حدوث شجار واشتباك بالأيدي، ما أدى إلى وفاته". ولفت البيان إلى أنّ النيابة العامة في السعودية "باشرت تحقيقاتها مع 18 سعودياً موقوفاً"، مشدداً على "محاسبة جميع المتورطين في هذه القضية وتقديمهم للعدالة".

بدوره، أعلن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، إعفاء كل من أحمد العسيري من منصبه كنائب لرئيس جهاز الاستخبارات السعودية، وثلاثة من كبار الضباط بالجهاز، إضافة إلى المستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني.

وقوبل البيان الرسمي السعودي بموجة رفض عالمي لروايته، مع مطالبات دولية بإعلان الحقائق كاملة، وعدم التستّر على أي شخصية شاركت أو وجّهت عملية قتْل الصحافي البارز.

وأكد مجلس الوزراء السعودي الذي عُقد بقصر اليمامة، ظهر الثلاثاء، أنّ الرياض "ستحاسب المقصرين أياً من كانوا في قضية خاشقجي، بل وستعتمد إجراءات تصحيحية"، وهو ما اعتبرته مصادر دبلوماسية عربية بأنه يمهد لتغييرات في رأس المملكة قريباً.

من جهتها، أكّدت المصادر الدبلوماسية المصرية التي تحدّثت لـ"العربي الجديد"، أنّه سواء تم إعفاء بن سلمان من منصبه أم لا على خلفية قضية خاشقجي، فإنّ الأوضاع في المنطقة ستتغيّر، قائلةً "السعودية قبل قضية خاشقجي غير السعودية بعدها... هناك أمور كثيرة ستتغيّر على مستوى القضايا الإقليمية التي كان بن سلمان اللاعب الأساسي فيها، من خلال تحالفه مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد".

وأوضحت المصادر أنّ أبرز التحرّكات التي ستتأثّر بالتطورات الجديدة، هي قضية إنشاء تحالف في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي لضمان السيطرة على تلك المنطقة ومدّ النفوذ السعودي الإماراتي إليها، ومحاصرة النفوذ التركي والقطري، والذي أخذ في التنامي هناك من خلال أنشطة اقتصادية واستثمارية. وأكّدت المصادر أنّ مسألة تشكيل قوة عسكرية تضم قوات من السعودية والإمارات ومصر وإثيوبيا وإريتريا والسودان، ستؤجّل إلى مدى غير قصير، وربما أزيحت من مباحثات الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الخميس، مشددةً على أنّ العلاقات التركية السعودية، ربما تشهد تغيّراً ملموساً خلال الفترة المقبلة، خصوصاً أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استطاع سحْب الملك سلمان إلى منطقة نفوذه. وبالتالي، سيكون العاهل السعودي حريصاً على عدم إثارة أي مشكلات مع أنقرة مجدداً، لا سيما أنّ الهدف الرئيسي لتشكيل تلك القوة كان يركّز بالأساس على محاصرة تركيا في تلك المنطقة.

ولفتت المصادر إلى أنّ أبرز ما سيعاد ترتيبه وهيكلته خلال الفترة المقبلة بالنسبة للسعودية، هو التحالف مع الإمارات، والذي ترى فيه رموز بارزة وأمراء داخل العائلة الحاكمة في السعودية أنه كان سبباً أساسياً في التنكيل بهم، وسرقة ممتلكاتهم بعدما أُجبروا على التنازل عنها عقب القبض عليهم من جانب بن سلمان واحتجازهم في فندق "ريتز كارلتون" في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي.

وأوضحت المصادر أنّ "دوائر واسعة في العائلة الحاكمة في المملكة ترى أنّ ما آلت إليه الأوضاع في السعودية كان سببه الأساسي هو تحالف بن سلمان مع بن زايد، وسيطرة الأخير على مقاليد الأمور في المملكة، عبْر الأمير الشاب، وتصفية حسابات قديمة بين حكام الإمارات وأفرع من العائلة الحاكمة في السعودية، في ظلّ تركُّز السلطات كافة في يد نجل الملك، وتغييب العاهل السعودي عن المشهد طوال الفترة الماضية".

ورجّحت المصادر أن تكون هناك "تحرّكات وخطوات تمهيدية لإنهاء الخلاف الخليجي بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى"، لافتةً إلى أنّ "السعودية ستكون أكثر استجابة للضغوط الدولية والأميركية التي تهدف لإعادة الوحدة والاستقرار لمنطقة الخليج". وأشارت المصادر إلى أنّ الأمر "ربما لا يعود سريعاً إلى طبيعته، ولكن قريباً ستبدأ إجراءات وتصريحات تمهيدية لذلك".

إلى ذلك، لم تستبعد مصادر دبلوماسية مصرية بدء السعودية في إعادة النظر بشأن استمرار المعارك العسكرية في اليمن، ضمن ترتيبات إقليمية جديدة، قائلةً "خلال الأيام المقبلة سيتضح ما الذي أُجبرت السعودية على الاستجابة له ضمن تسويات قضية مقتل خاشقجي، لإنقاذ رأس ولي العهد".