أكتوبر الجزائري... الإخفاق الديمقراطي

أكتوبر الجزائري... الإخفاق الديمقراطي

23 أكتوبر 2018
فتحت الأزمة في برلمان الجزائر دفتر الإخفاق الديمقراطي(العربي الجديد)
+ الخط -

تفتح الأزمة الطارئة في برلمان الجزائر وتفاصيلها العبثية، دفتر الإخفاق الديمقراطي ورصيد الهزائم التي مني بها مشروع الانتقال من نظام الحزب الواحد والدولة الموازية إلى منظومة ديمقراطية ودولة المؤسسات منذ أكتوبر/تشرين الأول 1988، وتكشف حاجة الجزائر إلى لحظة قطيعة مع السائد وإعادة التأسيس. حققت انتفاضة أكتوبر 1988 في الجزائر، بغض النظر عن ملابساتها، منجز تغيير النص الدستوري المؤسس لمرحلة التعددية السياسية. تغيّر الدستور (فبراير/شباط 1989) وفُتح باب التعدديات على مصراعيه، لكنه لم ينجز التغيير الحقيقي بتحييد المؤسسة الحاكمة في البلاد ولم يعدم أدوات الدولة العميقة، ولم يكن ممكناً أن يصنع حماة الفكر الأحادي الديمقراطية. كان النظام الريعي غارقاً في متاهة سياسية وأزمة اقتصادية واحتقان اجتماعي متصاعد، فاستبق الانفجار بالتحكم في حدوده القصوى، وكان قد جهز البديل لإنشاء ديمقراطية الواجهة التي أنتجت لاحقاً ديمقراطية المواجهة.

لم يكن لأي من القوى الثورية، التي أتاحت لها انتفاضة أكتوبر 1988 البروز في المشهد السياسي، دور في صياغة الوثيقة الدستورية المؤسسة لمرحلة التعدديات والسياسة الاقتصادية والنقابية والثقافية والإعلامية، ولا أي دور في وضع مرتكزات المؤسسة الديمقراطية. انفرد النظام، الذي كان يدير عهد الحزب الواحد، بصياغة النص الدستوري، ووضع قواعد اللعبة في عهد التعددية السياسية وشروطها. والسلطة التي كانت تقول بأن "الاشتراكية خيار لا رجعة فيه" قبل أكتوبر 1988، هي نفسها، بوجوهها الرسمية وتلك التي ظلت خلف ستار الأحداث أيضاً، التي كانت تبشر بالديمقراطية واقتصاد السوق. هذا جزء من المعضلة التي أسست للإخفاق في الانتقال الديمقراطي، والجزء الآخر في قبول القوى الجديدة بالانخراط والشراكة في ديمقراطية عقيمة وغير منتجة للقيمة المضافة على صعيد تعديل منظومة الحكم وتركيز مؤسسات الانتقال الديمقراطي والفصل بين السلطات وتحرير الصحافة والقضاء والمجتمع المدني والشفافية في إدارة الشأن العام.

وبدلاً من أن تتوجه قوى أكتوبر إلى المطلب المركزي، إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، من خلال إطار تأسيسي حداثي (مجلس تأسيسي)، لإعادة صياغة مواثيق الدولة ونصها الدستوري، وتشكيل مجتمع مدني داعم ومساعد للبناء الديمقراطي، كشف كل منها (القوى الثورية) سريعاً عن لائحة مطالبه السياسية والثقافية، وتَلَبّس كل طرف شعارات لم تكن ذات أولوية. واسترد النظام هذه المطالب والشعارات نفسها، ونجح في تبنيها وتحويلها إلى ورقة ابتزاز معاكسة لكل طرف، بل إن النظام الجزائري وجد أن سقف هذه المطالب لم يكن عميقا بالقدر الذي يهدد أسس النظام السياسي الريعي والشمولي، وإذ ذاك كان سهلاً على السلطة أن ترسم حدود الملعب، وتقدر طبيعة اللعبة وقواعدها، حين تلمس الكرة يد المعارضة تصبح خطأ (كرة قدم)، وحين تلمس الكرة يد السلطة تصبح اللعبة كرة يد. لم تكن الديمقراطية وصفة تاريخية قابلة للتنفيذ على الحالة الجزائرية بظروفها تلك، فما بالك إذا كانت أصلاً وصفة مغشوشة يقدمها النظام، وهو صانع الأزمة والمرض في الوقت ذاته. ومع ذلك قدمت قوى أكتوبر فرصة سانحة للنظام لاستعادة النفس. تهور الإسلاميون فقدم النظام نفسه للعلمانيين كبديل وحام للجمهورية، وتطرف العلمانيون فقدم النظام نفسه للإسلاميين كحامٍ للقيم. لم يربح الإسلاميون القيم ولم يكسب العلمانيون الجمهورية. وحده النظام احتكر القيم والجمهورية والمرجعيات التاريخية.

المساهمون