قضية خاشقجي بعيون روسية: انحياز للسعودية وتعويل على مكاسب

قضية خاشقجي بعيون روسية: انحياز للسعودية وتعويل على مكاسب

23 أكتوبر 2018
بوتين وبن سلمان في موسكو خلال العام الحالي (Getty)
+ الخط -
تركزت القراءات الروسية الرسمية أو شبه الرسمية لاعتراف السعودية باغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، داخل قنصليتها في إسطنبول على إبراز ما تسميه موسكو المعايير المزدوجة التي يتعامل بها الغرب مع الدول الحليفة وغير الحليفة في مثل هذه القضايا، في إطار تبرير انحياز روسيا لحكام المملكة الذي ظهر منذ اليوم الأول لاختفاء خاشقجي. وبينما كان العالم كله يطالب بمعرفة مصير خاشقجي صمت الروس قبل أن يخرج الرئيس فلاديمير بوتين مستغرباً مطالبة بلاده باتخاذ موقف يدين الرياض. كما حمّل بوتين، في الأسبوع الماضي، الولايات المتحدة جزءاً من المسؤولية عن ما تعرض له خاشقجي كونه مقيماً في الولايات المتحدة، ومطالباً بتقديم أدلة على اغتياله.

وتناولت الصحافة الروسية الاختلاف بين سعي البيت الأبيض للإبقاء على عقود تسليح السعودية وبين فرض عقوبات على روسيا في قضية تسميم العميل المزدوج الروسي، سيرغي سكريبال، في مدينة سولزبري البريطانية في مارس/آذار الماضي، وكيفية استفادة روسيا من هذه الازدواجية.

وفي مقال بعنوان "هدية لبوتين: كيف يؤثر اغتيال الصحافي السعودي على استيعاب قضية سكريبال؟"، ذكر الصحافي الروسي المعارض، أوليغ كاشين، أنه منذ ضم شبه جزيرة القرم وتفاقم الأزمة الأوكرانية عام 2014، "كانت موسكو الرسمية تفتقد إلى نموذج كبير وواضح لنفاق الغرب ومعاييره المزدوجة". وأشار كاتب المقال الذي نُشر بصحيفة "ريبابليك" الإلكترونية أمس الإثنين، إلى أن "العام الذي مرّ تحت علامة سكريبال ينتهي بفاجعة جمال خاشقجي، أي توجد عمليتا إعدام غير مشروعتين بالخارج، فاشلة وناجحة، وفضيحتان دوليتان ومجموعتان من التداعيات". وذكّر بأنه من وجهة النظر القانونية البحتة لم يتم إثبات الضلوع الروسي في عملية تسميم سكريبال، بينما اعترفت السعودية بواقعة اغتيال خاشقجي بشكل رسمي.
وأضاف كاشين أنه "عند مقارنة الجريمتين، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن عملية الإعدام الفاشلة تمت بواسطة السم، بينما نفذت العملية الناجحة بأساليب القرون الوسطى وقطع الرأس". وتساءل "أي من الجريمتين أكثر بشاعة وتستحق عقاباً أكبر من وجهة نظر الغرب الحديث؟" قبل أن يجيب "نعم، عملية التسميم الفاشلة أكثر بشاعة، لأن هذه روسيا، ولا مغفرة لروسيا".
من جهته، توقع الخبير في شؤون الشرق الأوسط، دميتري فرولوفسكي، أن تسعى روسيا، إلى جانب فضح المعايير الغربية المزدوجة، لاستغلال الفتور المرتقب في العلاقات السعودية الغربية على خلفية واقعة اغتيال خاشقجي، للدفع بعلاقاتها مع السعودية ونيل دعمها في إعادة إعمار سورية.
وقال فرولوفسكي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن روسيا "قد تستفيد من الواقعة بعض الشيء في بحثها عن الاستثمارات السعودية في سورية ما بعد النزاع، وتخلي الرياض عن دعم الفصائل المسلحة وتخفيف موقفها من الرئيس بشار الأسد". وحول فرص روسيا في إبرام عقود توريد أسلحة إلى السعودية، أضاف "لا أعتقد أن هناك مثل هذه الإمكانية، لأن السعودية هي شريك استراتيجي للولايات المتحدة في هذا المجال. قد يكون الرد الأوروبي على اغتيال خاشقجي حازماً، لكن واشنطن تتعامل مع الرياض على أنها حليف، وحتى إذا طرح الكونغرس أي مشروع عقوبات بحقها، فإن ترامب سيغض الطرف عن الواقعة".
من جهتها، وجهت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" انتقادات لاذعة إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ملخصة الرواية السعودية بشأن كيفية مقتل خاشقجي بطريقة ساخرة قائلة: "اقتحم (خاشقجي) البعثة الدبلوماسية السعودية، حيث كان 15 فرداً من الأجهزة الخاصة السعودية يتناولون القهوة، فنظم شجاراً وأغرق مكتب القنصل بدمائه".
وفي مقال بعنوان "الأمير الصغير عرّض ترامب للضربة"، ذكر المحلل السياسي الروسي، إيغور بونكراتينكو، أن فكرة الرواية الرسمية السعودية تكمن في "تبييض صفحة ولي العهد محمد بن سلمان وتحميل مسؤولين مقالين المسؤولية عن الفاجعة، وهما المستشار بالديوان الملكي، سعود القحطاني، ونائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري". ولفت إلى أنه في أي حزب "هناك قاعدة مفادها أن فشل المنفذ هو فشله هو، والنجاح هو إنجاز الشخصية الأولى وحدها". وأشار إلى أن الرواية تناسب واشنطن في ظل اعتمادها على الرياض في مواجهة طهران فضلاً عن وجود عقود قطاع التصنيع العسكري الأميركي.

وأوضح بونكراتينكو أن اغتيال خاشقجي ليس أول عبء سياسي تضطر واشنطن لتحمله بسبب طموحات بن سلمان، مذكراً بـ"مغامرة "الأمير الصغير" في اليمن، وانقسام مجلس التعاون الخليجي بسبب الخلاف مع قطر، وعدم الوفاء بوعود "الصفقة الكبرى" بين العالم العربي وإسرائيل وغيرها، في إشارة إلى ما يُسمى بـ"صفقة القرن". وخلص إلى أنه بعد قضية خاشقجي، فإن ترامب قد يفكر في أن شخصاً آخر في محل "الأمير الصغير" قد يكون أكثر نفعاً لواشنطن.
وعلى عكس الصحافة الليبرالية المكتوبة، فإن الإعلام الرسمي الروسي كان موقفه مهادناً ليبدو أقرب إلى موقف الرياض. وتضمن برنامج "فيستي نيديلي" (أخبار الأسبوع) الذي يقدمه الإعلامي الموالي للكرملين، دميتري كيسيليوف، يوم الأحد الماضي، تقريراً معلوماتياً حول مختلف روايات الواقعة بدون الانحياز إلى إحداها، باستثناء الفقرة النهائية للتقرير التي خلصت إلى أن "خاشقجي مواطن سعودي قُتل في مبنى القنصلية، أي على الأراضي السعودية وعلى أيدي سعوديين آخرين، ووفقاً لكافة المعايير الدولية، فإن السعودية نفسها هي التي يجب أن تتولى التحقيقات في القضية".