لبنان: تفاؤل قياسي بولادة حكومة رغم "حرب الإلغاء" المسيحية

لبنان: تفاؤل قياسي بولادة حكومة رغم "حرب الإلغاء" المسيحية

17 أكتوبر 2018
أيد جعجع انتخاب عون رئيساً للجمهورية (ألدو أيوب)
+ الخط -
لم يحل وصول الاشتباك السياسي الكلامي بين أكبر حزبين طائفيين مسيحيين في لبنان، "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية"، دون تقدم كبير لحظوظ تأليف الحكومة اللبنانية المعلقة منذ انتخابات 6 مايو/ أيار الماضي، إذ تشير جميع المعطيات إلى أن الأيام القليلة المقبلة قد تشهد بالفعل ولادة فريق حكومي فقط في لبنان ستتمثل فيه كل أطراف الطبقة السياسية الطائفية من دون بقاء أي طرف رئيسي في صفوف المعارضة، وفقاً للنظرية اللبنانية المعادية للديمقراطية، وعنوانها "الديمقراطية التوافقية". ولم يكد لقاء الرئيس اللبناني ميشال عون، مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ينتهي الأسبوع الماضي في أرمينيا، حتى بدا أن الداخل اللبناني يغرد بعيداً عن أولويات المجتمع الدولي، وأولويات إنقاذ لبنان من الانهيار الموعود، خصوصاً أن التصعيد الأخير حكومياً، جاء بعد ساعات من الكلام الفرنسي الواضح الذي سمعه عون لجهة ضرورة تأليف الحكومة فوراً، وضرورة إطلاق عجلة الإصلاحات التي تتطلبها بنود مؤتمر "سيدر" الاقتصادي.

عملياً لم تكن العلاقة بين "القوات" و"التيار" يوماً بخير، فهي بدأت بـ"حرب إلغاء" في 1989. وبعد تقارب نسبي في مرحلة معارضة الوصاية السورية على لبنان، عندما كان عون في المنفى الباريسي، ورئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع في السجن، أقدم الطرفان على توقيع وثيقة طال انتظارها، أقفل معها ملف الحرب الأهلية، وصراع كان على الدوام يعتبر مفتتاً للمسيحيين ودورهم. عملياً أنهى اتفاق معراب، الموقّع في 18 يناير/ كانون الثاني 2016، صراع عون ــ جعجع، وأدى إلى انتخاب الأول رئيساً للجمهورية، في صفقة ظن البعض أنها ستفتح الباب أمام تحالف مسيحي – مسيحي، يكرر تجربة الثنائية الشيعية، حركة "أمل" و"حزب الله"، لكن شيئاً من هذا لم يحصل.

وتقوم الثنائية الشيعية على توزيع واضح للأدوار بينهما، إذ يقف "حزب الله"، حتى الآن، على عتبة الدولة، على الرغم من سيطرته الفعلية على البلد، فيما يلعب رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، دور ممثل الشيعة في لعبة المحاصصة الطائفية وفي لعبة التعيينات وتقاسم المواقع المخصصة للطائفة في الدولة. يشار إلى أن سلاح "حزب الله" ودوره فرض هذا التوازن، فبات بري حاجة لـ"حزب الله"، سياسياً وحتى دبلوماسياً، كما حصل في الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو/ تموز 2006. ربما المقارنة تنفع جيداً لتبيان أصل الاتفاق والخلاف بين "القوات" و"التيار"، إذ إن كليهما دخل حديثاً إلى السلطة في لبنان، وتحديداً بعد العام 2005 إثر اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وانسحاب الجيش السوري من لبنان. ومنذ عودة عون من المنفى الباريسي، وخروج جعجع من السجن، حاولا البحث عن موطئ قدم في المعادلة اللبنانية. نجحا نسبياً، لكن مفصلية الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فرضت تواصلاً بينهما وتحالفاً يمهد لعودة القرار المسيحي في عملية تعيين رئيس للجمهورية من قبل النواب. وتنازلت "القوات" في اتفاق معراب، وأيدت انتخاب عون لرئاسة الجمهورية، ورضيت بدور المقرر، في لحظة سياسية تدرك أنها لا تسمح بأكثر من ذلك، لكنها في المقابل طلبت شراكة فعلية في القرار، وأن تكون حزباً محسوباً على العهد، وأن تتقاسم و"التيار" الحصة المسيحية في الدولة، وفق ما تشير مصادر سياسية مطلعة لـ"العربي الجديد".

ما بعد الانتخابات الرئاسية في 31 أكتوبر/ تشرين الأول العام 2016 ليس كما قبله، فقد بات وزير الخارجية والمغتربين، جبران باسيل، وهو زوج ابنة عون، رئيساً لـ"التيار الوطني الحر"، وطامحاً للوصول يوماً إلى رئاسة الجمهورية. قد يصح القول إن مرحلة الحرب بين عون وجعجع انتهت فعلياً، لكن حرباً جديدة أطلت برأسها اليوم بين جعجع وباسيل، عنوانها الطرف المسيحي الأقوى، والحزب الأكبر، ومن يصل يوماً إلى القصر الجمهوري، وعرضياً المناصب في إدارات الدولة، ضمنها الوزارات، خصوصاً أن الانتخابات النيابية في 6 مايو/ أيار 2018 قضت على زمن الأحادية الحزبية على الساحة المسيحية، بعدما احتكر "التيار الوطني الحر"، منذ العام 2005، التمثيل الأكبر في المعادلة، قبل أن تدخل "القوات" كشريك في الانتخابات الأخيرة.

وفق ذلك لن ترضى "القوات" بأي طرح حكومي لا يوازن بينها وبين "التيار"، فيما لن يقبل "التيار الحر" أن يشاركه حكومياً أي تيار مسيحي آخر، لأن ذلك يعني اعترافاً بأن المعادلات بينهما متقاربة أو متوازنة، ولعل هذا تحديداً ما تعتبره "القوات اللبنانية" خروجاً عن اتفاق معراب، فيما يعتبره "التيار" منطقاً للتوازن بحسب الأوزان النيابية. وبعيداً عن حسابات الأطراف المسيحية وخلافاتها، يبدو أن الساعات الأخيرة فرضت عودة العلاقة بينهما إلى نقطة الصفر، ونسفت معها أي مساعٍ لإعادة إحياء اتفاق معراب، لكنها في المقابل لم تنسف، بحسب المصادر السياسية، مساعي تأليف الحكومة، على الرغم من انتهاء مهلة الأيام العشرة التي حددها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري للتأليف. وتضع المصادر كلام باسيل الأخير، الذي تصفه بأنه "نبش للقبور"، خصوصاً اتهامه لـ"القوات" بالإجرام والعمالة لإسرائيل و"محاولة قتل العهد"، ورد جعجع عليه بأنه محاولة لرفع سقف التفاوض، في الربع ساعة الأخير، إذ إن التأليف بات قاب قوسين أو أدنى، خصوصاً بعد مواقف ماكرون الأخيرة، وسحب حجة الأوضاع الإقليمية. لكن الحرب الكلامية التي تنعكس دوماً توتراً في الشارع اللبناني، سرعان ما هدأت في الساعات الماضية، مع "الأمر" الذي أصدره جبران باسيل لأنصاره على الـ"سوشال ميديا" بوقف السجال العنيف مع "القوات".

عملياً تتوقع أوساط مطلعة على مساعي تأليف الحكومة، أن تنشط، خلال الساعات المقبلة، الاتصالات والمشاورات، وخصوصاً أن الأسبوع الماضي شهد، على الرغم من التوتر المسيحي، تسريب أكثر من نسخة للحكومة المرتقبة، تقول المصادر إن الهدف منها كان جس النبض على صعيد الأسماء، وكذلك على صعيد توزيع الحقائب بين الأطراف السياسية، مشيرة إلى أن الملاحظات على هذه النسخ وصلت إلى من يعنيه الأمر، بانتظار التواصل بين عون والحريري الذي سيرسم الشكل النهائي للحكومة، والذي يقال إنه سيكون خلال الساعات المقبلة. لكن هذا التفاؤل دونه الكثير من العقبات، خصوصاً أن "القوات اللبنانية" لا تزال عند موقفها، الذي يعتبر أن نوعية الحقائب، التي يتردد أنها ستكون من نصيبها، لا تتلاءم مع حجمها السياسي، قبل أن تسرب أوساط محسوبة على التيار العوني موافقة ضمنية على إعطاء "القوات" منصب نائب رئيس حكومة فضلاً عن 3 وزارات. كما أن "التيار الوطني الحر" لا يزال عند مربع المطالبة بحقيبة وزارة الأشغال العامة، التي يصر تيار "المردة" (تيار مسيحي شمالي مؤيد للنظام السوري ولحزب الله ومعارض لعون)، برئاسة سليمان فرنجية، عليها، فيما العقدة الدرزية عادت إلى الواجهة مع تصريحات النائب طلال أرسلان، حليف "التيار الوطني"، والتي أكد فيها أن العقدة لم تحل بعد، رغم اجتماعه يوم الاثنين مع سعد الحريري.

ساعات أو أيام وسيتبين ما إذا كانت الحكومة ستبصر النور قبل نهاية الشهر الحالي، أم أن المحاصصة باتت تكبل مصير البلد، خصوصاً أن لبنان سمع، خلال الأيام الأخيرة، تهديدات دولية واضحة لجهة تراجع الدول المانحة في مؤتمر "سيدر" عن تعهداتها، بما أنه لم ينفذ تعهداته، كما أن الوضع الداخلي بات قاب قوسين أو أدنى من الانفجار، على أكثر من صعيد، لا سيما اقتصادياً، مع تهديد الهيئات الاقتصادية بالإضراب، بالشراكة مع قوى الإنتاج في حال لم تشكل الحكومة قبل نهاية أكتوبر الحالي.

المساهمون