حل المجلس التشريعي: مشروع قديم لتخلص السلطة من "حماس"

التوصية بحل المجلس التشريعي الفلسطيني: مشروع قديم لتخلص السلطة من "حماس"

17 أكتوبر 2018
حل المجلس التشريعي يستدعي حل مؤسسة الرئاسة(عباس مومني/فرانس برس)
+ الخط -
أثارت توصية المجلس الثوري لحركة "فتح" التي أصدرها مساء الأحد الماضي، ووجّهها للمجلس المركزي، بحل المجلس التشريعي الفلسطيني، والدعوة لانتخابات عامة خلال عام من تاريخه، موجة جديدة من المناكفات السياسية بين طرفي الانقسام على الساحة الفلسطينية، "فتح" و"حماس"، وصلت هذه المرة إلى مرحلة متقدّمة باتجاه استخدام المجلس المركزي لتصفية الحسابات السياسية بين الطرفين بشكل علني. وفي حين اعتبر بعض المراقبين السياسيين وقادة الفصائل أن هذه التوصية لا تخرج عن كونها "مناكفة سياسية" تتخذ من المجلس المركزي ساحة لها، يرى البعض الآخر أن جذور هذه المطالبة وُلدت في الاجتماع الماضي للمجلس المركزي الذي عُقد في أغسطس/آب الماضي، وكان هناك صوت أو اثنان من قيادات "فتح" شددا على ذات التوصية لإخراج "حماس" من النظام السياسي الفلسطيني بشكل كامل، وعزلها سياسياً.

وبرزت هذه الفكرة منذ عام 2007 الذي شهد الانقسام الفلسطيني، فطالبت قيادات فتحاوية حينها بحل المجلس التشريعي وإعلان قطاع غزة إقليماً متمرداً، الأمر الذي يجعل هذه الفكرة القديمة الجديدة تعود للواجهة مرة ثانية، لكن بعد تشكيل وعقد المجلس الوطني ثم المجلس المركزي بصيغته الحالية أخيراً، بعد عشرين عاماً من الانقطاع.
ويبدو أن الإصرار الفتحاوي أكبر هذه المرة، وهو ما تبيّن من حصول التوصية بحل المجلس التشريعي على إجماع أعضاء المجلس الثوري، بعد الخروج بخلاصة أن كل جهود إنهاء الانقسام وصلت إلى طريق مسدود.

يقول أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح"، ماجد الفتياني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المجلس الثوري ليس جهة تشريعية للشعب الفلسطيني، بل جهة تشريعية لفتح، وبالتالي لا يملك المجلس الثوري قرار حل المجلس التشريعي، وفتح مكوّن أساسي من مكوّنات منظمة التحرير الفلسطينية، والتوصية هي لبرلمان الحركة".
وحول دوافع هذه التوصية، يقول الفتياني "إن رؤية المجلس الثوري بعد إجرائه مراجعة شاملة منذ الانقسام عام 2007 حتى الآن، مروراً بكل اللقاءات والحوارات والاتفاقيات التي وُقّعت بين منظمة التحرير وحركة حماس، واستمرار الأخيرة باستخدام المجلس التشريعي كمنبر للإساءة للشعب الفلسطيني والشرعيات الفلسطينية، ولمنظمة التحرير وحركة فتح، ولكل ذلك خلص المجلس الثوري إلى أنه لم يبقَ أي دور للمجلس التشريعي سوى المناكفة، ولم يعد يخدم الهدف الذي أسس من أجله".

ويضيف الفتياني أن "المجلس الثوري استند إلى قرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي الذي أقر في دورته السابقة أن المرحلة الانتقالية قد انتهت ولم تعد قائمة في ظل إدارة إسرائيل الظهر لكل الاتفاقيات التي وُقّعت بينها وبين منظمة التحرير، وكذلك الإجراءات التي أقدمت عليها دولة الاحتلال من خلال تشريع قانون القومية اليهودية الذي ينفي حق الشعب الفلسطيني بالوجود".
ويخلص إلى القول: "نحن أمام حقيقة على الأرض أن هذه المؤسسة التي تسمى المجلس التشريعي لم يعد لها دور ولم يعد لها مكان، وبالتالي على المجلس المركزي وهو الحلقة الوسط ما بين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وما بين المجلس الوطني، أن يقف أمام مسؤولياته"، مضيفاً "هذا التباكي في الأيام الأخيرة من قياديي حماس حول هذه التوصية التي أثارت حفيظتهم حتى باتوا فجأة يتمسكون بمخرجات اتفاق أوسلو ويحتكمون له، ليست مفهومة وليس لها أي واقع في تاريخنا النضالي اليومي". ويتابع: "في كل اتفاق مع حماس كان هناك بند يتحدث عن الذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية خلال ثلاثة أشهر أو ستة أشهر، وكانت حماس توافق، فلماذا هذا التباكي اليوم عندما يخرج المجلس الثوري بتوصية تؤكد جزئية كان يتم التوافق عليه مع حماس التي أدارت ظهرها لكل الاتفاقيات؟".

في المقابل، يشدد النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة، على أن لا أحد يمتلك قرار حل المجلس التشريعي، فالمجلس سيّد نفسه، وهو بإمكانه أن يحل الآخرين وليس العكس، مشيراً إلى أن حل المجلس يعني إنهاء ولاية الرئيس محمود عباس وصلاحياته.
ويقول خريشة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "حسب القانون الأساسي لا يمتلك أحد قرار حل المجلس التشريعي، وهذا جزء من مناكفات سياسية لا أكثر، أو محاولة رد على تصريحات من أعضاء في حماس أخيراً ضد الرئيس محمود عباس". ويرى أنه "إذا كان المجلس الوطني تنازل طواعية عن دوره لصالح المجلس المركزي، أعتقد أنه لا يمكن للمجلس التشريعي المنتخب أن يتنازل عن دوره لمجلس مركزي غير منتخب". تخوّفات خريشة من توصية برلمان "فتح"، تكمن في أن "حل المجلس التشريعي سيؤدي إلى انفصال كامل لقطاع غزة، لأن أغلبية أعضاء المجلس التشريعي يتبعون حركة حماس، وهناك قوة لا يستهان بها من أعضاء المجلس يتبعون للقيادي الفتحاوي المطرود محمد دحلان، وبالتالي هؤلاء أغلبية، يُخشى أن يعقدوا اجتماعات لوحدهم، وبالتالي نكون قد دخلنا في دوامة انفصال حقيقي".


وجهة النظر القانونية والتشريعية تجاه هذه التوصية، تستبعد تنفيذها بسبب النتائج المترتبة عليها، من حل مؤسسة الرئاسة أي منصب الرئيس، وبالتالي حل اتفاق أوسلو الذي ليس لدى عباس نيّة حقيقية في إنهائه حتى الآن، كما يرى الكاتب والخبير في الشؤون البرلمانية جهاد حرب.
ويقول حرب لـ"العربي الجديد"، إن "المجلس المركزي يمتلك حق حل السلطة الفلسطينية وليس أجزاء منها، لأن مسألة المجلس التشريعي مرتبطة باتفاق أوسلو، وبالتالي المؤسسات الناتجة عن الاتفاق، فإما أن تبقى كما هي، أو يتم حلها كلها، مع التنويه إلى أن القانون الأساسي الفلسطيني لا يمنح أحداً حق حل المجلس التشريعي الفلسطيني". ويختم حرب: "هذه توصية سياسية تُلزم أعضاء فتح، ولا تلزم النظام السياسي، وقد يتبنّى المجلس المركزي هذه التوصية لكن تنفيذها سيكون أمراً بالغ التعقيد والصعوبة". يُذكر أن المجلس المركزي الفلسطيني، كان قد قرر في اجتماعه عام 1993 إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية.

لكن المخاوف من انفراد المجلس المركزي بتنفيذ توصية حركة "فتح" ربما تعود إلى أن الحركة قد هندست تشكيل المجلس الوطني في إبريل/نيسان الماضي، والمجلس المركزي بعده بأربعة أشهر، بطريقة تمنح "فتح" ثقلاً كبيراً وتفرداً في القرار السياسي، مع التنويه إلى أن المجلس الوطني قرر في جلسته نقل صلاحياته للمجلس المركزي الذي تم تعيين المستقلين فيه من قبل حركة "فتح" وبأغلبية فتحاوية كاسحة سواء من أعضائه الحاليين من فصائل أو نقابات أو مستقلين.

من جهة أخرى، تبدو هذه المرحلة الفلسطينية الأكثر انتهاكاً للقانون وإيجاد قوانين جديدة تخدم ما تريده حركة "فتح" التي تهيمن على النظام السياسي، بشكل دفع العديد من الفصائل الفلسطينية لمقاطعة المجلس الوطني، كما فعلت "الجبهة الشعبية"، ومقاطعة المجلس المركزي لاحقاً كما فعلت "الجبهة الشعبية"، و"الجبهة الديمقراطية"، و"حركة المبادرة الفلسطينية"، و"الصاعقة"، و"القيادة العامة"، فضلاً عن مقاطعة حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" اللتين لا تنضويان أصلاً تحت مظلمة منظمة التحرير.

وتقول القيادية في "الجبهة الديمقراطية"، ماجدة المصري، لـ"العربي الجديد": "نحن ضد هذه التوصية السلبية، والجبهة مع إجراء الانتخابات، لأن إجراءها يُنهي ولاية المجلس التشريعي حسب القانون الأساسي، ونعتقد أن هذه خطوة مبكرة ويمكن أن تضر بكل الحالة السياسية الفلسطينية التي نأمل أن تتقدّم وتتعافى بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة".
وحول دعوة المجلس الثوري لـ"الجبهة الديمقراطية" إلى المشاركة في اجتماع المجلس المركزي نهاية الشهر الحالي، تشير المصري إلى أن "هناك العديد من الأسباب التي قاطعت الجبهة بناء عليها اجتماع المجلس المركزي الأخير، وعلى ضوء معالجة هذه الأسباب والقضايا وتحديداً ما له علاقة بتطبيق قرارات المجلس الوطني، ستقرر الجبهة الديمقراطية مشاركتها من عدمها في الاجتماع المقبل". وتؤكد أن "الجبهة الديمقراطية تراقب التطورات السياسية، وستضغط باتجاه تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في المجلس الوطني ولم ينفذ حتى الآن، وبالتالي فإن قرار مشاركة الجبهة في اجتماع المجلس المركزي نهاية الشهر الحالي لم يؤخذ بعد".

أما القيادي في "الجبهة الشعبية" عمر شحادة، فيستبعد مشاركة حزبه في اجتماع المجلس المركزي المقبل، مؤكداً أن "توصيات المجلس الثوري لحركة فتح، لا يمكن أن تمنح شرعية لأي جهة أو مؤسسة، وبالتالي ما صدر سيبقى يدور في دائرة الانقسام". ويتابع شحادة في حديث لـ"العربي الجديد": "نحن مبدئياً أعلنا سابقاً عدم المشاركة في المجلس المركزي، وأستبعد أن تكون هناك مشاركة للجبهة الشعبية نهاية الشهر الحالي، لأنه استمرار للسياسة نفسها التي عُقد على أساسها المجلس الوطني، والجبهة قاطعته مع عدد من التنظيمات مثل الجبهة الديمقراطية والصاعقة والقيادة العامة والمبادرة، والسبب يعود إلى أن المجلسين الوطني والمركزي بات لا يعوّل عليهما في اتخاذ أي قرارات أو اقتراح حلول جدية، لأنهما يعكسان وجهة نظر واحدة أقرب للموقف الرسمي لحركة فتح وأشبه بنظام حكم الحزب الواحد".