دائرة السيسي تؤجل فتح نوافذ "التنفيس" حتى تعديل الدستور

دائرة السيسي تؤجل فتح نوافذ "التنفيس" حتى تعديل الدستور

02 أكتوبر 2018
لا يوجود مخصصات مالية تكفي لإجراء استفتاء دستوري واسع(Getty)
+ الخط -
تتواصل النقاشات بين أجهزة النظام المصري حول طبيعة التعديلات الدستورية المحتمل عرضها على مجلس النواب في الدورة البرلمانية الجديدة التي ستبدأ الأسبوع المقبل، في ظل مطالبة بعض الشخصيات الإعلامية المقربة من دائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، مدعومة بآراء من داخل جهازي المخابرات العامة والأمن الوطني، بضرورة تغيير المشهد الإعلامي المختنق حالياً، وإتاحة مساحة "محسوبة" من الحرية للصحف ووسائل الإعلام، بعد الانتهاء من تعديل الدستور بما يضمن مدّ الفترة الرئاسية الثانية للسيسي، التي مضى منها 6 أشهر فقط، عامين إضافيين على الأقل، لتنتهي في 2024 بدلاً من 2022.
وقالت مصادر سياسية مطلعة إن النظام لا يزال يبحث مدى ضرورة الإسراع في إجراء الاستفتاء العام المقبل 2019 أو العام الذي يليه بحد أقصى في وجود التشكيل الحالي لمجلس النواب، أو الانتظار وإجراء الاستفتاء متزامناً مع انتخابات مجلس النواب نهاية 2020، أو الانتظار لفترة أطول وإجراء الاستفتاء قبيل حلول الموعد الدستوري لنهاية الفترة الحالية.



واعتبرت المصادر، التي تنتمي لأحزاب مؤيدة للسيسي، أن التحركات الأخيرة لإبعاد جميع مقدمي البرامج السياسية، حتى المعروفين بتأييدهم غير المشروط للنظام، وزيادة التضييق على وسائل الإعلام وإصدار تعليمات مباشرة لها والرقابة على الصحف والمطبوعات بدون إعلان، جميعها دلائل عملية على أفضلية تطبيق رؤية مدير مكتب السيسي السابق، مدير المخابرات الحالي عباس كامل، بوجوب الإسراع باستغلال التشكيلة الحالية للبرلمان وتبعيته المطلقة للسيسي، وإجراء تعديل واسع للدستور، بدون ترك مساحات للمعارضة أو القوى الغربية للتدخل ومحاولة الضغط لوقف الاستفتاء.

وأوضحت المصادر أن هناك مسودات كتبت بالفعل برعاية عباس كامل لتعديل الدستور، من بينها مسودة أعدها محامي السيسي محمد بهاء أبوشقة وعدد من مستشاري مجلس الوزراء، لكنها لم تخضع حتى الآن لدراسة عليا، بحيث لم تعرض بشكل رسمي على السيسي وكامل. كما تم تنبيه الأحزاب المؤيدة، ومنها "الوفد، ومستقبل وطن" والأكثرية النيابية "دعم مصر" المُراد تحويلها لحزب سياسي لإطلاق حملات  تواصل مجتمعي لحثّ المواطنين على المشاركة السياسية تمهيداً لتحقيق مشاركة كثيفة في الاستفتاء في أيّ وقت كان موعده.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن المطالبات بتحسين مناخ حرية الصحافة وتخفيف الضغوط والقيود على وسائل الإعلام، وعودة البرامج السياسية إلى القنوات الفضائية التي أصبحت جميعها مملوكة للنظام، تصدر من صحافيين وإعلاميين مقربين لدائرة السيسي الشخصية، بعضهم يتولى مناصب قيادية في مؤسسات ونقابات، حذروا من خطورة استمرار الانغلاق بعدما وصلت معدلات بيع الصحف الورقية والدخول على المواقع الإلكترونية التابعة للمؤسسات المؤيدة للسيسي إلى أدنى مستوياتها منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
ودعمت هذه الرؤية إحصائيات أجرتها المخابرات العامة أخيراً أكدت زيادة مطردة في أعداد مشاهدي ومتابعي القنوات والمواقع المعارضة للنظام، بما في ذلك المواقع المحجوبة التي أصبح الوصول إليها أسهل عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي، لا سيما أن بعضها أصبح يراهن على نجاح الوصول إلى القارئ المصري عبر صفحات فيسبوك وتويتر مباشرة لبث الأخبار والرسائل، بدون الحاجة لأدوات كسر الحجب عن المواقع الأصلية.

وأرجع محذرو السيسي تراجع متابعة الإعلام المصري إلى تطابق المواد المنشورة في جميع الصحف، وعدم السماح لأي أصوات معارضة بالتنفيس عن غضب المواطنين ومناقشة مشاكلهم اليومية حتى في القطاعات الخدمية التي كان مسموحاً الهجوم على وزرائها بضراوة في عهد مبارك، وحتى في العام الأول بعد انقلاب يوليو/ تموز 2013. ونبّه هؤلاء إلى خطورة لجوء المواطنين إلى الإعلام المعارض للدولة في ظل فشل سياسات الحجب ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي التي سُن من أجلها قانونا مكافحة الجريمة الإلكترونية وتنظيم الإعلام منذ شهرين.
ويتفق رأي المحذرين مع تقارير مخابراتية بضرورة الإسراع في إجراء الاستفتاء وإتباعه بإجراءات لفتح المجال العام لتحقيق أكثر من هدف بينها كسب ثقة الدول التي تلاحق النظام بالملاحظات والتساؤلات المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ورسم صورة جديدة للنظام تغاير ما كرسته ممارسات السنوات الخمس الماضية، من خلال الإجراءات "الانفتاحية" التي ستتبع الاستفتاء، وفق رؤية هذا الفريق.

وتواجه النظام مشاكل عدة ربما تؤدي لتأجيل الاستفتاء عاماً أو اثنين أو إجرائه بالتزامن مع انتخابات البرلمان، منها عدم وجود مخصصات مالية تكفي لإجراء استفتاء دستوري واسع قبل انتخابات مجلس النواب 2020 التي من المتوقع أن تكون الأكثر تكلفة في تاريخ مصر، نظرا لأنها أول انتخابات تشريعية تجرى بعد تحرير سعر الجنيه المصري في خريف 2016. ولا تزال الدولة تستورد معظم خامات الانتخابات من أحبار وأوراق وصناديق بلاستيكية، فضلاً عن أن تصنيع هذه الأدوات بالداخل لن يوفر الكثير، إلى جانب زيادة عدد الناخبين وما سيتطلبه من زيادة عدد اللجان والمشرفين القضائيين.

وهناك فريق داخل النظام يقترح تأجيل الاستفتاء لما قبل انتهاء الفترة الرئاسية مباشرة. وبرأيهم فإن الانتظار سيأتي بنتائج أكبر في الصندوق الانتخابي، ويسمح للسيسي بالحصول على دعم شعبي قياسي، وربما يمكنه التمهيد الإعلامي من تغيير الخطة وإزالة قيد عدم تولي المنصب لأكثر من فترتين، فتزيد مدة الفترة الواحدة، ويتمكن أيضاً من تحرير نفسه من القيد الذي لم يكن مفروضا على الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي استفاد من التعديل الدستوري الذي أدخله سلفه أنور السادات عام 1980 ليتمكن من البقاء في الحكم للأبد.

وكانت قد ظهرت دعوات إلى التوقيع الجماعي على استمارات للمطالبة بتعديل الدستور بما يسمح بإعادة انتخاب السيسي مرة أخرى على الأقل بعد نهاية ولايته الثانية عام 2022، بإلغاء القيد الدستوري على الترشح لولاية رئاسية ثالثة، وعدم زيادة مدة الفترة الرئاسية الواحدة على 4 سنوات. وتركز ظهور الدعوات في شهري يوليو/ تموز وأغسطس آب/ الماضيين في بعض المصالح الحكومية بمحافظات الوجه البحري بمصر. وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً مختلفة لتلك الاستمارات، تختلف عن بعضها في التصميم الخارجي، لكنها تتفق في المضمون، ما يعكس تحريك هذه المبادرة –حسب وصف بعض الصفحات المؤيدة للسيسي- بواسطة إدارة موحدة تهدف لإحداث حراك سياسي في اتجاه تأييد السيسي وزيادة شعبيته بعد القرارات الاقتصادية الصعبة التي استهل بها ولايته الثانية، وكذلك لحث السلطة التشريعية على دراسة مشروع تعديل الدستور المجمد منذ عام تقريباً، قبل نهاية الفصل التشريعي الحالي عام 2020.

وكانت مصادر في وزارة العدل قد كشفت لـ"العربي الجديد" في يوليو/ تموز الماضي أن قطاع التشريع بالوزارة، بالتعاون مع وزارة الشؤون النيابية، يعكف على إعداد تصور بالمواد الدستورية المرشحة للتعديل، بناء على مطالبات النواب المؤيدين للسيسي من ناحية، وبناء على الصعوبات التي ظهرت للسلطة التنفيذية عند تطبيق بعض المواد من ناحية أخرى.
ولن يقتصر أي تعديل دستوري على مد فترة الرئاسة، بل سيمتد أيضاً لإزالة أي عوائق تحول دون ممارسته سلطة مباشرة على جميع سلطات ومرافق الدولة، وأبرزها السلطة القضائية، فضلاً عن حذف بعض الضمانات التي يمنحها الدستور الحالي لوسائل الإعلام والصحافيين، وإعادة صياغة المواد المنظمة لميزانية الدولة بما يزيل شروط زيادة نصيب التعليم والصحة منها.

دلالات