ما بعد مؤتمر سوتشي: المعارضة أمام تحدي إسقاط مخرجاته

ما بعد مؤتمر سوتشي: المعارضة أمام تحدي إسقاط مخرجاته

01 فبراير 2018
حضور دي ميستورا خفف بعض تبعات الفشل السياسي للمؤتمر(Getty)
+ الخط -


لم تتردد المعارضة السورية في تأكيد أن ما تمخض عن مؤتمر "الحوار الوطني السوري" الذي اختُتم مساء الثلاثاء في منتجع سوتشي جنوب روسيا، غير ملزم لها، مشددة على تمسكها بمسار جنيف التفاوضي الذي ترعاه الأمم المتحدة وفق مرجعيات دولية واضحة، خصوصاً لجهة تحقيق انتقال سياسي يحاول النظام السوري وحلفاؤه التهرب منه من خلال مسارات بديلة، غايتها إغراق القضية بالتفاصيل وخلق حلول تثبت النظام، وترسخ الوجودين الروسي والإيراني في سورية. ومن المتوقع أن تخوض المعارضة  معركة من نوع آخر في الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف، وهي معركة رفض مخرجات سوتشي التي أكدت سعي النظام وحلفائه لإغراق التفاوض بالتفاصيل لتمييعه وشراء الوقت لتغيير كل المعادلات السياسية والعسكرية.

وانتهى المؤتمر الذي اصطلح على تسميته بـ"مؤتمر سوتشي"، من دون حدوث مفاجآت أو إحراز أي تقدّم فعلي في تسوية الصراع السوري، خصوصاً أنه تجاهل تماماً القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية وتحديداً بيان جنيف1، والقرارين 2118 و2254، التي تنص على انتقال سياسي قائم على هيئة حكم تقود مرحلة انتقالية، تنتهي بانتخابات وفق دستور جديد.
وفي ختام المؤتمر، ألقى المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، بياناً مقتضباً أكد فيه اتخاذ المشاركين قراراً بتشكيل لجنة دستورية، واستمرار عملية جنيف، مضيفاً: "آخذ بعين الاعتبار أن الحاضرين في هذا المؤتمر يقرّون بضرورة تشكيل اللجنة الدستورية التي ستكون مكونة من قوى تمثل الحكومة، والمعارضة". وتابع: "باسم الأمم المتحدة والأمين العام، أنطونيو غوتيريس، أريد أن أقول إنكم أشرتم إلى مبادئ التسوية في جنيف في بيانكم الذي يصف الرؤية للسوريين والمستقبل السلمي لجميع السوريين". وأشار دي ميستورا إلى أن اللجنة ستضم ممثلين من وفد المعارضة المشاركة في مفاوضات جنيف، في إشارة إلى الهيئة العليا للتفاوض التي رفضت المشاركة في مؤتمر سوتشي، وهو ما أفقده أي قيمة سياسية. وأوضح المبعوث الأممي أن المشاركين تبنّوا 12 مبدأ أقرت في عملية جنيف، في إشارة إلى أسئلة وجّهها المبعوث الأممي إلى وفدي المعارضة والنظام في الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، تتعلق بمستقبل سورية السياسي، أجابت عليها المعارضة فيما رفضها وفد النظام. ويبدو أن موسكو سعت لإرضاء الموفد الأممي من خلال إقرار المبادئ الـ12، خصوصاً أن حضور دي ميستورا خفف بعض تبعات الفشل السياسي على موسكو.

ونصّ البيان الختامي للمؤتمر على تشكيل لجنة دستورية تتكون من وفد للنظام السوري، ووفد معارض واسع التمثيل، "بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254".

وأكد نائب رئيس الهيئة العليا للتفاوض، جمال سليمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مخرجات سوتشي "غير ملزمة لا لنا ولا للأمم المتحدة". ومن المنتظر أن يعقد رئيس الهيئة نصر الحريري مؤتمراً صحافياً في مدينة إسطنبول التركية للتعقيب على مؤتمر سوتشي ومخرجاته.

وفي السياق، بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال اتصال بينهما أمس، العلاقات الثنائية وآخر التطورات السورية، وفي مقدمتها مؤتمر سوتشي. ونقلت وكالة "الأناضول" عن مصادر في الرئاسة التركية لـ"الأناضول"، أن أردوغان وبوتين اعتبرا نتيجة المؤتمر "مكسباً كبيراً رغم العقبات، كما اعتبرا الخطوات المتخذة في ما يتعلق بتشكيل لجنة دستورية أهم نتيجة حققها المؤتمر". وشدد الرئيسان على أن النتيجة التي تم تحقيقها في المؤتمر "تشكل قيمة مضافة على مساري أستانة وجنيف والقرار 2254". كذلك بحث وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أمس ملف مؤتمر سوتشي، في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون. ومن المتوقع أن تحاول موسكو الضغط على المعارضة من أجل "تمرير" مخرجات المؤتمر، وهو ما أعلنت المعارضة رفضه طالما يتناقض مع قرارات دولية حددت مسار الحل السياسي في سورية.

وعلى الرغم من إجماع المراقبين على فشل مؤتمر سوتشي، إلا أن إعلام النظام السوري احتفى بالمؤتمر ونتائجه، معتبراً إياها "على قدر التوقعات، ووفق المأمول"، بحسب تعبير صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، زاعمة أن البيان الختامي للمؤتمر "خرج حاملاً بذور نجاح حوار سوري-سوري مستقبلي على أسس واقعية بعيدة عن التدخلات وطموحات الطامعين". وأضافت: "سوتشي ستكون بلا شك نقطة الانطلاق الحقيقية لرسم ملامح السلام المنتظر، وستشكل الدافع الجدير بالثقة لإعادة إحياء مسار جنيف المتوقف". ونقلت الصحيفة عن مصادر في النظام أن مهمة اللجنة الدستورية التي انبثقت من سوتشي "مناقشة الدستور الحالي"، في إشارة إلى استمرار رفض النظام وضع دستور جديد للبلاد، معتبراً الدستور الحالي الذي وضعه في عام 2012 على مقاس بشار الأسد "من أحدث الدساتير في العالم". وأشارت "الوطن" إلى أن اللجنة ستكون مؤلفة من 150 عضواً يقوم النظام بتسمية 100 منهم، وتحدد اللجنة برنامج نشاطها ومدة الاجتماعات وطريقة عملها وتتخذ استنتاجاتها بأغلبية ثلثي عدد أعضائها، وفق الصحيفة.


ولم يتطرق المؤتمر إلى مصير بشار الأسد، ما يرسخ مخاوف المعارضة من سعي روسي إيراني لإعادة تثبيت "منظومة الاستبداد" في البلاد التي يمثلها نظام الأسد، ويؤكد أن مؤتمر سوتشي خطوة في هذا الاتجاه وهو ما يُبقي باب الأزمة السورية على كل الاحتمالات بما فيها سيناريو تقسيم البلاد على أساس مناطق النفوذ الإقليمية والدولية الراهنة. وكان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرينتييف، قد رجّح أن "يندم" نصر الحريري على "استجابته للضغوط" وعدم مشاركة الهيئة في المؤتمر، في مؤشر على أن موسكو ماضية في فرض حلها بعيداً عن مسار جنيف التفاوضي الذي ترعاه الأمم المتحدة، عبر الضغط العسكري وارتكاب المجازر بحق المدنيين. كذلك أعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، خلال مؤتمر صحافي أمس الأربعاء، عن "الأسف لموقف أولئك المعارضين السوريين الذين قرروا لأسباب مختلفة، وقبل كل شيء بسبب ضغوط القوى الخارجية، الامتناع عن المشاركة في المؤتمر"، مضيفة: "نحن على قناعة بأن هذا خطأ سياسي".

من جهته، قال المتحدث السابق باسم هيئة التفاوض، رياض نعسان آغا، لـ"العربي الجديد"، إن مخرجات مؤتمر سوتشي  "تجاهلت موضوع الانتقال السياسي، وقفزت فوق بيان جنيف والقرارات الدولية"، مضيفاً: "بدت الإشارات لها مجرد تعمية". وأكد نعسان آغا أن دي ميستورا "لا يستطيع" فرض نتائج مؤتمر سوتشي على المعارضة.

ويجهد المسؤولون الروس في تأكيد أن مؤتمر سوتشي ليس بديلاً عن مسار جنيف في محاولات تبدو فاشلة لتبديد مخاوف المعارضة، خصوصاً أن موسكو لم تعط إشارة واحدة تؤكد تمسكها بحل وفق قرارات دولية صادقت عليها في مجلس الأمن الدولي. ونقلت وسائل إعلام روسية عن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشيف، تأكيده أن "صيغة سوتشي" لا تحل محل جنيف وليست بديلاً عنها، مشيراً إلى أن "نتائج مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي مشجعة جداً". وأضاف: "استطاعت فعل الشيء الرئيسي... توفير محادثات ملزمة واضحة في سوتشي لعملية جنيف - ليس أقلها بفضل مشاركة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، في الحدث السياسي في سوتشي، الذي بارك المؤتمر نيابة عن الأمم المتحدة وأيد قراراته التي ستنفذ بالفعل في محادثات جنيف".

المساهمون