ثاني أيام انقلاب عدن: التحالف ينحاز للانفصاليين

ثاني أيام انقلاب عدن: التحالف ينحاز للانفصاليين

30 يناير 2018
الحكومة: قوات الحزام الأمني خارجة على القانون(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

انحاز التحالف العربي، الذي تقوده السعودية والإمارات، إلى الانفصاليين في عدن، مع مطالبته الحكومة الشرعية للجلوس مع الانفصاليين، والنظر في مطالبهم، فيما يبدو أن الوضع العسكري يتجه إلى التصعيد على الأرض، مع مطالبة الرئاسة اليمنية، بعد اجتماع الرئيس عبدربه منصور هادي مع هيئته الاستشارية، الوحدات العسكرية بتحمل مسؤوليتها في الحفاظ على الأمن، واصفاً ما يحصل في "العاصمة المؤقتة" بأنه عمل انقلابي مرفوض. في هذا الوقت، تواصلت المعارك الضارية بين قوات الحكومة الشرعية وأخرى موالية لما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المطالب بالانفصال والمدعوم إماراتياً في مدينة عدن، جنوبي اليمن. وأدت المعارك، التي استخدمت فيها الدبابات والمدفعية الثقيلة، أمس الإثنين، إلى سقوط تسعة قتلى.

وبعد يوم من الأحداث المتسارعة التي شهدتها مدينة عدن، جنوبي اليمن، بدا المشهد مفتوحاً على سيناريوهات متعددة لاحتواء الأزمة والتصعيد، في انتظار ما سيقر في أروقة دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، في وقت يبدو فيه أن القيادة الشرعية اليمنية أمام خيارات صعبة، بين القبول بتغيير الحكومة أو السماح للأوضاع أن تأخذ منحى تصعيدياً بعد أن بدا أول من أمس أنها وصلت إلى مرحلة اللاعودة، وأن القادم سيكون مختلفاً سواء باستمرار التصعيد، أو بالاتفاق على معادلة شراكة تعترف بالانفصاليين، وهو ما لمّح له التحالف أمس. ودعا المتحدث باسم التحالف العقيد الركن، تركي المالكي، في مؤتمر صحافي في الرياض، الانفصاليين إلى الجلوس مع الحكومة، والحكومة إلى النظر في مطالب الحركة الانفصالية التي باتت تسيطر على نصف مدينة عدن. وقال "هناك دعوة من التحالف لأبناء عدن للجلوس مع الحكومة الشرعية، وكذلك (للحكومة) النظر في مطالبات المكون السياسي والاجتماعي" في إشارة إلى "المجلس الانتقالي الجنوبي". وأضاف "هناك بعض الخلل الموجود (في عدن) وهناك مطالبة شعبية. طلبنا من المكون السياسي (الانتقالي) الاجتماع وضبط النفس، وكذلك تغليب الحكمة والتباحث مع الحكومة الشرعية".

واتهم اجتماع رئاسي، في بيان أعقب اجتماع عقد في العاصمة السعودية الرياض  للمرة الأولى بعد أحداث عدن، وضم هادي بمستشاريه وقادة الأحزاب والقوى السياسية، ونائبه علي محسن صالح الأحمر، بالإضافة إلى نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية عبد الملك المخلافي، "ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي بالتمرد المسلح باستهداف معسكرات واقتحام مؤسسات الدولة والانتشار في الشوارع والأحياء" في عدن. واعتبر الاجتماع أن "ما يجري في عدن عمل انقلابي مرفوض". وأشار إلى أن "تلك الأعمال ليست عفوية وتضع أكثر من علامة استفهام حول الجهة المستفيدة منها". وقال المجتمعون إن "القضاء على مشروع إيران هو معركة اليمنيين ومن خلفهم التحالف، بقيادة السعودية، وإن أي حرف لمسار هذه المعركة سيواجه بحزم وقوة ولن يتم التهاون مع أي محاولات وتحت أي غطاء كانت، حتى تحرير كل شبر في الوطن من سيطرة مليشيا الحوثي الإيرانية ومن يقف خلفهم". وقال هادي، خلال الاجتماع، "لا يمكن القبول بأي احتكام للسلاح لتنفيذ مشاريع سياسية وأي تعد على الشرعية أو مؤسساتها هو انقلاب حقيقي سيقاومه شعبنا اليمني في كل مكان". وجه هادي "الوحدات العسكرية والأمنية بتحمل مسؤولياتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار في العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المحررة". وفي وقت يطالب "المجلس الانتقالي الجنوبي" بإقالة حكومة أحمد عبيد بن دغر، بدت الحكومة مصممة على المواجهة في اجتماع مصغر عقدته في مكان غير محدد في عدن مساء أول من أمس، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء "سبأ" التابعة للشرعية. وقالت الحكومة، في بيان عقب الاجتماع برئاسة بن دغر، إن "الأعمال التخريبية" في المدينة تستهدف "الشرعية" ممثلة بهادي، معتبرة أن قوات "الحزام الأمني" أصبحت "عناصر خارجة على النظام والقانون والمجلس الانتقالي الجنوبي هو مجلس انقلابي".

وبعد يوم من التطورات التي قسمت السيطرة على مناطق مدينة عدن، بين قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية وبين الموالين لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، تصاعدت حدة المعارك  بين الطرفين، مع استخدام الدبابات والمدفعية الثقيلة، ما أدى إلى مقتل خمسة من مقاتلي القوات المؤيدة للانفصاليين وأربعة من قوات الحكومة الشرعية، وذلك بعد يوم من مقتل 12 شخصاً وإصابة العشرات. واندلعت اشتباكات خارج معسكرات لقوات الشرعية في منطقتي خور مكسر ودار سعد شمال عدن.

وبدا واضحاً أن عدن ما بعد 28 يناير/كانون الثاني، ليست كما قبله، وأن التطورات مفتوحة على جميع الاحتمالات، على نحو قد لا تمثل أي خطوة فيه البداية نحو احتواء الأزمة، بقدر ما تدشن لمرحلة جديدة، من العلاقة بين الشرعية والانفصاليين في الجنوب. وأول السيناريوهات، التي بدا أن الوضع يتجه إليها، تجاوب الرئيس اليمني، مع الضغوط التي يبدو أنها مدعومة من السعودية والإمارات، بإجراء تغيير في الحكومة، سواء عبر تشكيل حكومة جديدة بدلاً من حكومة بن دغر، أو القيام بتعديل وزاري وإصدار قرارات بتعيينات رفيعة المستوى، من شأنها أن تهدئ احتجاجات الانفصاليين، كتعيين نائب إضافي للرئيس إلى جانب النائب الحالي، علي محسن الأحمر، أو على مستوى تعيينات لمحافظين، بما في ذلك، تعيين محافظ لعدن، التي لا يزال منصب المحافظ فيها شاغراً منذ استقالة المحافظ السابق، عبد العزيز المفلحي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، علماً أنه لم يتمكن من استلام مقر عمله في السلطة المحلية، منذ تعيينه في إبريل/نيسان الماضي، بسبب رفض حلفاء أبو ظبي تسليمه المقر.

وفيما تبدو إقالة بن دغر أو استقالته، أقرب السيناريوهات المحتملة، لتهدئة الأزمة في عدن، إلا أن مسؤولين في الشرعية، يرون ان إقالة الحكومة تحت ضغط "الانفصاليين"، المدعومين إماراتياً، يعد بمثابة رضوخ للأمر الواقع، ويفتح الطريق أمام مزيد من التنازلات المطلوبة من الشرعية، على غرار ما جرى في سبتمبر/أيلول 2014، عندما أقال الرئيس اليمني حكومة رئيس الوزراء الأسبق، محمد سالم باسندوة، تحت ضغط سيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) على صنعاء. وهناك من يرى أن التصعيد، المدعوم من أبو ظبي، في عدن، لا يستهدف الحكومة لذاتها، بقدر ما يسعى لإحداث تغيير في موازين السيطرة على عدن، وإضعاف قوات "الحماية الرئاسية" الموالية للرئيس اليمني، والتي فشلت أبو ظبي في احتوائها.

إلى ذلك، فإن تغيير رئيس الوزراء بضغط من "المجلس الانتقالي" الذي يتبنى الانفصال، يتطلب تعيين شخصية جديدة، تنال رضى "المجلس". ومن المؤكد أن تعيين أي شخصية تنتمي إلى المحافظات الشمالية لن ينال رضى "المجلس"، ولن يمكنها من العودة إلى عدن. وعلى اعتبار أن بن دغر، شخصية حضرمية  محسوبة على الجنوب، فمن المرجح أن يكون البديل جنوبياً. ولكنه وإن نال رضى "المجلس الانتقالي"، سيكون أبعد عن هادي والشرعية، وبالتالي فإن التوافق على تسمية رئيس جديد للحكومة أمر في غاية التعقيد، ما لم يكن هناك اسم جاهز يدعمه التحالف لتولي المنصب، على غرار رئيس الحكومة السابق، خالد بحاح، القريب من الإماراتيين، وهو على خلاف كبير مع هادي.

في هذه الاثناء، يبرز السيناريو الآخر، والمتمثل، بإصدار الرئيس اليمني لقرارات أو تسمية رئيس وزراء، لا يجد قبولاً لدى "الانفصاليين"، وبالتالي يستكمل المجلس خطواته بالانقلاب، ومحاولة فرض الأمر الواقع عبر السيطرة على عدن، وإعلان الاعتراف بالشرعية، كما يؤكد المجلس في خطاباته وتصريحات قياداته، باعتبار "الشرعية"، كإطار، مصلحة للتحالف وغطاء لتدخله في اليمن، يجب الحفاظ عليها، وإن بصورة شكلية، من دون أن يكون لها فاعلية على الأرض. والأمر ذاته قد يحدث مع إجراء تعيينات لصالح "المجلس الانتقالي" تحقق رغبات أبوظبي، بإزاحة العوائق التي ما تزال تقف في طريق نفوذها في عدن.

ومن زاوية أخرى، يبدو واضحاً أن "المجلس الانتقالي الجنوبي"، يقتفي آثار الحوثيين، من حيث خطوات السيطرة على عدن، على غرار الخطوات التي اتخذتها الجماعة الحوثية أثناء السيطرة على صنعاء. وتظهر مختلف الخطوات أن "المجلس"، الذي تأسس كخطوة انقلابية على الشرعية في عدن، وبدعم وثيق من الإمارات، يمضي باتجاه فرض وجوده كقوة عسكرية تحت مسمى "قوات المقاومة الجنوبية"، وبالتالي فإن الحد الأدنى للقبول بوقف التصعيد سيتطلب تمكينه من مناصب حكومية وتعيين رئيس حكومة، إن لم يكن من "المجلس"، فهو لا يصطدم معه على الأقل. وبالتالي، فإن عدن ستؤول بطريقة أو بأخرى إلى "المجلس الانتقالي"، سواء كان ذلك تحت غطاء القبول بـ"الشرعية" أو فرض الأمر الواقع بالقوة. ويبرز سيناريو ثالث، يتمثل برفض هادي الخضوع لمطالب الانفصاليين وضغوط التحالف، الأمر الذي يعتمد بصورة أساسية على موقف التحالف، والسعودية خصوصاً، إذ إنه من شبه المؤكد أن أي موقف للرئيس اليمني يرفض الخضوع، يحتاج إلى دعم سعودي، وبالتالي، سيكون واضحاً حينها، عامل الخلافات السعودية الإماراتية، في الصراع الدائر في عدن. وفي حال مضى هذا السيناريو، فإنه يحتمل إما أن تتم التهدئة في عدن، ويبقى الوضع على حاله (كل طرف يمسك بمناطق سيطرته ونفوذه)، أو تنتقل المواجهة إلى مرحلة أوسع، حتى يتمكن أحد الأطراف من فرض الأمر الواقع، وهو سيناريو ضعيف، بالنظر إلى ما يمكن أن يترتب على ذلك، في حال سمح التحالف السعودي والإماراتي بحرب أهلية في مدينة عدن، التي تُوصف بأنها "العاصمة المؤقتة".

في غضون ذلك، لا يمكن فصل التطورات في عدن، ومسارها المحتمل للمرحلة المقبلة، من دون الإشارة إلى أن صاحب القرار الأول بالتصعيد أو عدمه، والتغيير الحكومي أو عدمه، هو التحالف، ممثلاً بالرياض وأبو ظبي، سواء اختلفتا أو اتفقتا. ومن الأهمية بمكان، في السياق، الإشارة إلى عنوان، روج له مقربون من الإمارات، في شهور سابقة، ويتمثل بالحاجة إلى "هندسة الشرعية"، كما عبر عن ذلك، خالد بحاح، وبالتالي فإن الأزمة في عدن، قد تفضي إلى تغييرات واسعة في صفوف الشرعية وشكلها وتحالفاتها أو أبرز القوى المؤثرة فيها، بحيث يتم إشراك "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وحزب المؤتمر الشعبي العام- جناح علي عبدالله صالح، على حساب قوى أخرى، وليس بالضرورة كبديل عنها، مثل التجمع اليمني للإصلاح. إلى ذلك، يمكن الإشارة إلى سيناريو آخر، يمكن أن يكون خليطاً من مجمل المعطيات المشار إليها سابقاً، لكن الفارق في أن النتيجة قد تقود إلى تطبيع الوضع، مع بقاء الشرعية رمزياً. ويبقى، بحسب هذا السيناريو، الحوثيون يسيطرون على صنعاء، وتسلم عدن إلى "المجلس الانتقالي"، فيما القوى المؤيدة للشرعية، تحافظ على مناطق سيطرتها في مأرب والمناطق الأخرى، مع بقاء هادي في الرياض، إلى حين تطرأ تغييرات جذرية في المشهد اليمني، أو تصل الأطراف إلى تسوية تؤدي للتوافق على قيادة جديدة. وفي كل الأحوال، فإن الشرعية باتت أضعف من أي وقت مضى، وهي تواجه تمرداً في عدن، سواء خضعت لمطالبه بتقديم التنازلات أو استمر الوضع كما هو عليه.