عندما يتهاوى السياسي

عندما يتهاوى السياسي

28 يناير 2018
سقطة ياسين إبراهيم الأخيرة كانت مدوّية (فرانس برس)
+ الخط -
إلى حدود أسابيع قليلة ماضية، كان التونسيون يعرفون أن حزب "آفاق تونس" هو حزب ليبيرالي ديمقراطي حداثي يضم كفاءات تونسية كثيرة وشباباً مفعماً بالحيوية، وكان يمكن أن يراهن على شيء إن أحسن تسويق برامجه وعدّل خياراته السياسية. ولكننا اليوم لسنا بصدد الحديث عن الحزب، وإنما سنتحدّث عن رئيسه، ياسين إبراهيم، الذي كان على امتداد سنوات يدافع عن الديمقراطية والليبيرالية ويحثّ على تحالفات سياسية مدنية تجمع الأحزاب المتشابهة، التي تدافع عمّا يسميه "المشروع المجتمعي" المخالف لحركة "النهضة"، ويدعوها إلى البقاء في المعارضة لسنوات، إلى أن يتم اختبار وتمحيص تحولها إلى حزب مدني ديمقراطي مثله!

وقد يكون لإبراهيم الحقّ في أن يقول ما يشاء عن النهضة وغيرها، ولكن قيادات كثيرة في الحزب خرجت منذ أسابيع تتهم رئيسها بالتفرّد بالرأي والسيطرة على الحزب بدافع أجندات وأحلام شخصية، وقد جمّد أعضاء انتماءهم للحزب واستقال آخرون، ليدخل "آفاق تونس" في أزمة حادة لا أحد يعرف كيف ستنتهي.

ولكن سقطة إبراهيم الديمقراطي، الأخيرة، كانت مدويّة، أذهلت كل من استمع إليه في حوار على قناة "التاسعة"، حيث سُئل عن موقفه مما يحدث في الانتخابات الرئاسية في مصر، فراح يبحث عن جمل من هنا وهناك ليتفادى وصف الواقع، وإذا به يقول جملاً متقطعة من نوع أنه "يتفهّم ما يحصل في مصر" و"هناك ديمقراطية في البرلمان المصري" و"لكل بلد خصوصيته" و"هناك نجاحات اقتصادية عدة في الفترة الأخيرة"، و"لعل هناك مرشحاً آخر سيتقدّم في الأيام المقبلة"، ماراً بسرعة على أن هذا لا يبرر ما يحدث.

وكان إبراهيم الديمقراطي متلعثماً ومحرجاً ويبحث بكل الوسائل عن تبرير المشهد المصري، ما دفع الزملاء الصحافيين والمعلّقين السياسيين الحاضرين في البرنامج إلى تذكيره بأن الانتخابات الرئاسية في تونس في 2014 شهدت في البداية تقدّم نحو 100 مرشح، وأنّ النجاح الاقتصادي، إذا كان موجوداً أصلاً، لا يبرر الدكتاتورية، ووصف معلّقون آخرون موقفه بـ"العمى السياسي".

وسقط إبراهيم بهذا الموقف في حفرة لا قاع لها، من دون أن يسأل نفسه هل يقبل بهذا في تونس؟ وإذا كان لا يرضاه لنفسه، فلماذا يتفهمه للآخرين؟ وهل يمكن وضع هذه التغيرات المفاجئة لإبراهيم في خانة ما يروّج عن لقائه بدحلان؟

المساهمون