مقتلة النيران الصديقة في الأنبار تفجّر ملف الوجود الأميركي

مقتلة النيران الصديقة في الأنبار تفجّر ملف الوجود الأميركي

28 يناير 2018
مطالبات بوضع حد للوجود الأميركي بالعراق (توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -

فتحت حادثة مقتل وإصابة نحو 30 عراقياً بقصف أميركي في محافظة الأنبار غرب العراق، أمس السبت، ملف الوجود الأميركي في البلد. ففي الوقت الذي طالب فيه مسؤولون محليون بالتحقيق في أسباب القصف، دعا زعماء قبليون إلى وضع حد لوجود القوات الأميركية في العراق، لا سيما بعد انتهاء الحرب على تنظيم "داعش". كذلك طالب المرجع الديني العراقي، جواد الخالصي، الحكومة باتخاذ موقف حازم مما وصفه بـ"الغطرسة الإرهابية الحمقاء" للأميركيين.

القصة بدأت حين اشتبكت مروحيات أميركية مع قوة أمنية خلال عملية دهم في بلدة البغدادي غرب الأنبار، أمس السبت، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة 20. وقال مسؤول محلي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قوات مشتركة من القوات الأمنية العراقية والأميركية حاولت اعتقال أحد المتهمين بالانتماء إلى داعش في بلدة البغدادي"، مؤكداً أن قوات من الشرطة والعشائر في المنطقة أطلقت النار على القوة المداهمة، بعدما اعتقدت أنّها عناصر من "داعش". وأوضح أنّ "القوتين اشتبكتا، وأنّ المروحيات الأميركية أطلقت النار، ما أسفر عن مقتل تسعة منتسبين في الشرطة ومقاتلين عشائريين، وإصابة 20 آخرين، بينهم مدير شرطة البغدادي، العقيد سلام العبيدي، ومدير البلدة شرحبيل العبيدي، وامرأة وطفل".

ودعا عضو مجلس محافظة الأنبار، يحيى المحمدي، إلى الإسراع بتشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات الحادث، موضحاً، لـ"العربي الجديد"، أن هذه اللجنة ستتولى مهمة معرفة الأسباب الحقيقية لما جرى في بلدة البغدادي ومحاسبة المقصرين. وطالب عضو مجلس محافظة الأنبار، أركان الطرموز، أيضاً رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بفتح تحقيق عاجل بحادثة البغدادي، ومحاسبة القوات المقصرة، مؤكداً، في تصريح صحافي، أن الحكومة المحلية في الأنبار تستنكر الحادث المؤسف الذي تسبب بسقوط مجموعة من القتلى والجرحى.

سقوط قتلى وجرحى من القوات الأمنية والعشائر أمر لا يمكن السكوت عنه، بحسب عضو مجلس أعيان الأنبار، مخلف العبيدي، الذي أكد، لـ"العربي الجديد"، أن ما حدث جريمة ينبغي ألا تمر من دون عقاب للمتسببين فيها. ودعا الحكومة العراقية والبرلمان إلى وضع حد لوجود القوات الأميركية في العراق، لا سيما بعد انتهاء الحرب على تنظيم "داعش"، متسائلاً عن سبب اشتراك قوة أميركية في عملية أمنية لاعتقال شخص واحد. وأشار إلى احتمال وجود مؤامرة تستهدف نشر الفوضى في محافظة الأنبار قبيل موعد الانتخابات، منتقداً صمت الجهات الرسمية عن هذه الجريمة التي حدثت أمام مرأى ومسمع الجميع.


لكن "خلية الإعلام الحربي" التابعة للقوات العراقية المشتركة كانت لها رواية بعيدة عن نظرية المؤامرة، حين أكدت أن ما حصل في البغدادي جاء بناءً على معلومات استخبارية دقيقة بشأن وجود إحدى القيادات الإرهابية، المدعو كريم عفات السمرمد، في أحد منازل البلدة، للاجتماع بعناصر خلية إرهابية تستعد لتنفيذ عمليات ضد القوات الأمنية والمواطنين. وأضافت "استناداً إلى تلك المعلومات كلفت على الفور قوة من الجيش، وبإسناد من طرف التحالف الدولي لغرض مداهمة المكان واعتقال الإرهابي المطلوب للقضاء"، موضحة، في بيان، أن العملية تمت بنجاح قبل أن تتعرض القوة إلى هجوم بقنبلة يدوية من أحد المنازل المجاورة، ما استدعى الرد عليها ثم انسحبت القوة. وتابعت "في طريق العودة لوحظ تجمع مسلحين من دون التنسيق مع القوة المكلفة بالواجب، حيث استهدفتهم الطائرات المساندة للقوة". وقال المتحدث باسم قوات التحالف الدولي، الكولونيل رايان ديلون، لوكالة "فرانس برس"، إن "كل ما نفعله في العراق هو لدعم القوات العراقية". وأكد أن "السلطات العراقية طلبت منا تقديم الدعم للعملية، وقمنا بالإسناد". وأضاف أن "القوات العراقية قد أعلنت فتح تحقيق، وهم من يشرف على هذا التحقيق، وإذا ما كانت أي ادعاءات، خصوصاً ما يتعلق بضحايا مدنيين، فسنقوم نحن بفتح تحقيق".

تداعيات القصف الأميركي لم تقتصر على محافظة الأنبار، إذ طالب المرجع الديني العراقي، جواد الخالصي، الحكومة العراقية باتخاذ موقف حازم. وقال إن "العدوان الأميركي الأخير على البغدادي، والجريمة التي اقترفتها طائراته الباغية، كشف عن حقيقة المشروع الأميركي في المرحلة الحالية، التي تضمنت موجة جديدة من الانفجارات الإرهابية الكبيرة في مناطق مختلفة من العراق، كان آخرها تفجير الطوز" في محافظة صلاح الدين. وأوضح، في بيان، أن هذا الترابط بين أساليب نشر الفوضى والجرائم والاتفاقات الخفية يؤكد استمرار مخطط الاحتلال الأميركي في نشر الفوضى التدميرية التي جاءوا بها إلى العراق، التي بقيت تداعياتها حتى بعد الانسحاب الظاهري لقواتهم. وتابع "إننا إذ ندين هذه الجريمة ندعو لاستنكار جميع الممارسات الوحشية والتدخلات العلنية والسرية في شؤون العراق، السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية"، مطالباً الحكومة العراقية إصدار استنكار قاطع واتخاذ موقف حازم تجاه ما وصفها بـ"الغطرسة الإرهابية الحمقاء" للأميركيين.

واعتبرت لجنة الأمن في البرلمان العراقي، على لسان رئيسها النائب حاكم الزاملي، ما حدث استهتاراً وتجاوزاً فاضحاً للسيادة العراقية، مطالباً الحكومة العراقية بوضع حد لوجود القوات الأميركية في القواعد الجوية العراقية. وأشار إلى أن ما قام به طيران الاحتلال الأميركي باستهداف الأبرياء في بلدة البغدادي يمثل استهتاراً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، معبراً، في بيان، عن استغرابه من قتل الرجال والنساء والأطفال بدم بارد. وشدد على ضرورة محاسبة الطيار الذي نفذ عملية القصف وفقاً للقانون العراقي وتعويض القتلى والجرحى، داعياً إلى تحديد حركة الطائرات العسكرية، وألا يتم الاقلاع والهبوط إلا بعلم العمليات العراقية المشتركة. وانتقد زعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، الحادث. وقال، في تغريدة، "مرة أخرى يثبت الاحتلال الاميركي طغيانه وعنجهيته، بل وتعديه السافر على حكومة العراق واستقلاليتها وسيادتها، وذلك بالقصف العشوائي الظالم لناحية البغدادي". واعتبر زعيم "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، في تغريدة، أن "حادثة قيام مروحيات أميركية بقصف ناحية البغدادي تطرح تساؤلات مهمة وخطيرة حول الوجود العسكري الأميركي في العراق، والدور الذي يريد القيام به ومبررات وجوده بعد انتهاء داعش عسكرياً".

المساهمون