كيم يتودّد لكوريا الجنوبية ويصدّ أميركا: حوار بروح رياضية؟

كيم يريد كوريا الجنوبية ويصدّ أميركا: حوار بروح رياضية؟

03 يناير 2018
كوريون جنوبيون يتابعون خطاب كيم(جونغ جيون ـ جي/فرانس برس)
+ الخط -
حتى 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، كان أكبر هموم كوريا الجنوبية، يكمن في تمرير دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغتشانغ، بين 9 فبراير/شباط المقبل و25 منه، بسلاسة، في ظلّ خشيتها من تجارب صاروخية للجيران الشماليين. غير أن عبارة سحرية لزعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ ـ أون، بمناسبة حلول العام الجديد، كانت كافية لاستيلاد تسارع إيجابي، يُفترض أن يجعل من البطولة، إحدى أنجح الدورات على الإطلاق. ففي خطابه الذي حذّر فيه الولايات المتحدة، قال كيم: "إننا على استعداد لاتخاذ الخطوات الضرورية لإرسال وفدنا إلى ألعاب بيونغتشانغ". خطوة تُضاف إلى إبداء استعداده للحوار مع كوريا الجنوبية، معتبراً "أننا بحاجة إلى تحسين العلاقات المجمّدة بين الشمال والجنوب، وجعل هذا العام نقطة تحوّل في التاريخ الوطني الكوري". وبمقارنة بين الكلام الإيجابي هذا وتهديد "الزر النووي على الطاولة"، يمكن الخلوص إلى أن كيم يريد كوريا الجنوبية لكنه يرفض الولايات المتحدة.

سريعاً تلقفت كوريا الجنوبية التصريح الشمالي، وعرضت، أمس الثلاثاء، عبر وزير إعادة التوحيد الكوري الجنوبي، شو ميونغ غيون، جلوس "الكوريتين على طاولة المفاوضات في قرية بانمونجوم الحدودية في 9 يناير/كانون الثاني الحالي، لبحث مشاركة وفد كوريا الشمالية بالألعاب الأولمبية الشتوية، بالإضافة إلى القضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك، مثل نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية". ورغم غياب أي رد فعل فوري على عرض سيول، إلا أن بيونغيانغ ستكون منفتحة على مثل هذا الحوار.

في السابق، جمعت الرياضة البلدين، وشاركا بوفدٍ موحّد حمل اسم "كوريا" في بطولة العالم لكرة الطاولة التي جرت في اليابان، في مايو/أيار 1991، ثم شاركا بمنتخب موحّد في كأس العالم لكرة القدم للشباب تحت سن الـ20 عاماً، في البرتغال، في يونيو/حزيران من العام عينه. كما كرّست الدولتان عرفاً، بدءاً من التسعينيات، يقضي بالدخول المشترك تحت علمٍ واحد في افتتاح الدورات الأولمبية الرياضية، الصيفية والشتوية، على أن يخوضا المنافسات بمنتخبين منفصلين.

ومن الطبيعي، في شرق آسيا، أن تُستتبع الخطوات الرياضية بخطوات سياسية، تماماً كما حصل في تسعينيات القرن الماضي، وفي الأعوام الأولى من القرن الحالي. على أن كل ذلك بدأ بمبادرات من الجنوب، خصوصاً الرئيس روه تاي ــ وو، الذي اقترح خطة "نوردبوليتيك" (السياسة الشمالية) عام 1988، تتضمن التحاور مع الحلفاء الأساسيين لكوريا الشمالية، تحديداً الاتحاد السوفييتي السابق والصين. تلك السياسة وصفها روه بأنها "لا تعزل كوريا الشمالية، بل تتيح العمل معاً لتخفيف التوتر العسكري".

نجحت هذه الخطة جزئياً، خصوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ما دفع برئيس كوري جنوبي آخر، وهو كيم داي ـ جونغ، إلى تقديم مبادرة "الشمس المشرقة"، عام 1998، التي قدّم الجنوب فيها مساعدات مالية كبيرة للشمال مع تنفيذ مشاريع اقتصادية في منطقة كايسونغ الصناعية الحدودية، ومنطقة جبل كومغانغ السياحية في الشمال، فضلاً عن لمّ شمل العائلات بين جانبي الحدود. حصل الرئيس الكوري الجنوبي على جائزة نوبل للسلام عام 2000، خصوصاً أنه عقد لقاء قمة مع نظيره الكوري الشمالي، كيم جونغ ـ إيل، بين 13 يونيو/حزيران 2000 و15 منه، في بيونغيانغ، هو الأول من نوعه بين البلدين. وتلاه لقاء قمة آخر، بين 2 أكتوبر/تشرين الأول 2007 و4 منه، بين روه مو ـ هيون، خليفة كيم داي ـ جونغ، وبين كيم جونغ ـ إيل، وأيضاً في بيونغيانغ. شكّلت القمتان محطة أساسية في التطور الطبيعي للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية، حتى أن البلدين باشرا بوضع استراتيجيات جدّية للخروج من تقسيم شبه الجزيرة الكورية، إلى وحدتها، في إطار فيدرالي، يراعي ظروف وطبيعة كلاً من الشمال والجنوب. مع العلم أنه تمّ بحث توحيد شبه الجزيرة في السبعينات، غير أنها لم تكن علنية، ولم تكن على مستوى الرؤساء.



وعلى الرغم من تلك المحطات الإيجابية في العلاقات بين البلدين، إلا أنها مرّت بصدامات عسكرية عدة، منها معركة جزيرة ييونبيونغ الكورية الجنوبية الأولى بين 9 يونيو/حزيران 1999 و15 منه، ومعركة ييونبيونغ الثانية في 29 يونيو 2002، ومعركة جزيرة دايتشونغ في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2009، ثم قصف ييونبيونغ في 23 نوفمبر 2010، وغيرها من الأحداث المتفرقة.

في غضون ذلك، لم يكن الأميركيون بقيادة الرئيس جورج بوش الابن، راضين عن الخطوات الكورية الجنوبية، حتى أن بوش صنّف كوريا الشمالية بأنها "واحدة من دول محور الشرّ"، مع العراق وإيران في عام 2002. الأميركيون كانوا مهتمين أكثر بالمفاوضات السداسية، في سياق معالجة الملف النووي لكوريا الشمالية، وأي حوار ثنائي بين الكوريتين، من شأنه إخراج أحفاد الجنرال الأميركي، دوغلاس ماك آرثر، من شبه الجزيرة الكورية، وإبعادها، عن الحدود مع الصين، وبالتالي عن التأثير المباشر على المسار السياسي في الشرق الآسيوي.

التوتر بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، اتخذ أبعاداً أكثر خطورة، مع وصول كيم جونغ ـ أون، إلى السلطة عام 2011، خلفاً لوالده. اعتمد الابن على تفعيل الطموحات العسكرية لبلاده، مركزاً على اعتبار "الولايات المتحدة عدواً أساسياً له". كما وجد "نصفه الآخر" في الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي بدأ عامه الرئاسي الأول بصدامات كلامية قاسية مع كيم. فرملت العداوة الأميركية ـ الكورية الشمالية، من نموّ العلاقات بين الكوريتين، واستطراداً، نجح الأميركيون في بيع منظومة صواريخ "ثاد" للدفاع الجوي إلى كوريا الجنوبية، في الفترة الأخيرة "خشية من أي تطور عسكري قد يُقدم عليه الشمال".

ومع تحديد كيم مجدداً، الأميركي كعدوٍ أساسي له، هدد بأن "الزرّ النووي بات موجوداً على مكتبي، وأن البرّ الرئيسي الأميركي يقع في مرمى أسلحتنا"، ما دفع الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الأميركية، مايك مولن، للردّ بأن "بلاده باتت على شفا حرب مع ​كوريا الشمالية​ أكثر من أي وقت مضى". مع ذلك بات معلوماً بأن كيم يرغب في علاقة متطورة مع الجنوبيين، لأسباب عدة، منها ارتفاع عدد الهاربين من كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية، وتحوّل الصين وروسيا من حلفاء تقليديين، إلى حلفاء مع شروط محددة، في ظلّ الموافقة الصينية على العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، ومطالبة روسيا المتكررة للكوريين الشماليين بوقف التجارب الصاروخية. ومن الآن حتى 9 يناير/كانون الثاني، موعد اللقاء المشترك بين البلدين، الأول من نوعه مننذ عام 2015، فإن بيونغيانغ، ستدخل، للمرة الأولى إلى مثل هذه المفاوضات أو اللقاءات، بنصف انتصار بعنوان "أصبحت عضواً في النادي النووي".