زيارة إيمانويل ماكرون إلى بريطانيا: تعاون وثيق رغم "بريكست"

زيارة إيمانويل ماكرون إلى بريطانيا: تعاون وثيق رغم "بريكست"

18 يناير 2018
تعاون عسكري واستخباراتي مستمر بين باريس ولندن (تيري شيزنوت/Getty)
+ الخط -

"محور باريس- لندن" يجب ألّا يخرج خاسرا من "بريكست". هذا ما تحاول أن تبرهن عليه زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اليوم الخميس، يرافقه سبعة وزراء مهمين (الدفاع والداخلية والشؤون الخارجية والقضايا الأوروبية والثقافة والبيئة والاقتصاد)، إلى بريطانيا، لعقد اللقاء الثنائي الخامس والثلاثين في تاريخ البلدين الجارين. 

ولا يخفي الفرنسيون، وخاصة دوائر الإليزيه، رغبة ماكرون في تعزيز العلاقات الودية مع رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، على الرغم من اتهامات كثيرة أطلقها مسؤولون بريطانيون بشأن ضغوط فرنسية على بريطانيا وعن "وضع تفاوضي بريطاني ضعيف".

ولم يكن صدفة أن يرتبط الاتهام الأول بـ"الخضوع البريطاني للإملاءات الفرنسية بخصوص قضية لاجئي كاليه"، التي حظيت قبل أيام بزيارة رئاسية فرنسية لدراسة الأوضاع في المدينة وللإعلان عن النوايا الفرنسية، خاصة الرافضة لأي تشكّل معسكر جديد للاجئين غير بعيد عن الأراضي البريطانية.

ويتحدث بريطانيون غاضبون عن تنازلات بريطانية في هذه القضية، خاصة ما يتعلق بمساعدة البريطانيين المالية لفرنسا في تحمل أعباء مخيم كاليه، إذ قبلت تقديم 50 مليون يورو إضافية للطرف الفرنسي، فضلا عن إطلاق مبادرات إنسانية إضافية فيما يخص القاصرين الراغبين في الالتحاق ببريطانيا، حيث يتواجد بعض أقاربهم. 

وكان سياسيون فرنسيون من كل الحساسيات السياسية، من بينهم رجل جهة الشمال اليميني القوي، كزافيي بيرتران، قد طالبوا لندن بـ"تقاسم الخسائر والتضحيات مع فرنسا"، لاسيما أن المستفيد، في نهاية الأمر، هي بريطانيا، إذ "تلعب فرنسا دور الحامي من تدفق المهاجرين واللاجئين على الضفة الأخرى من نهر المانش".

وسيتمخض عن القمة الفرنسية- البريطانية توقيع اتفاق جديد بين البلدين فيما يخص الهجرة غير الشرعية، يعوّض "معاهدة توكي"، التي تعود إلى 2003، والتي اعتبرها، في حينه، فرنسيون كثيرون تنازلا فرنسيا كبيرا دون مقابل من طرف البريطانيين. 

وسيشمل اتفاق اليوم بنودا فيما يخص استقبال بريطانيا للعديد من القاصرين المعزولين، سواء تعلق الأمر ببادرات إنسانية، أم في إطار لمّ شمل العائلات، وأيضا خلق لجنة مشتركة للتعجيل بدراسة ملفات اللجوء في بريطانيا.

وإذا كانت "بريكست" تفرض على بريطانيا نوعا من الابتعاد عن جيرانها الأوروبيين، فإن فرنسا ستحاول، في هذه الزيارة، الحفاظ على "مصالح أمن قومي حيويّة مشتركة"، وهو ما يعني أن "على الجار البريطاني أن يحافظ على شراكته مع الطرف الفرنسي"، وهو تحديدا ما عبّرت عنه رئيسة الوزراء البريطانية، في إعرابها عن أملها في "تعاون أمني مع أوروبا رغم بريكست"، ورغم تقشف حادّ تعرفه وزارة الدفاع البريطانية (خفض القوات من 80 ألف جندي إلى 50 ألف جندي) وفي ظل برودة العلاقات مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي ألغى زيارته للندن. 

وسيحاول الرئيس الفرنسي، الذي حرص دائما ومنذ توليه رئاسة الجمهورية، على الحديث عن علاقة وثيقة مع البريطانيين رغم بريكست ورغم التقشف الذي يعرفه الجيشان البريطاني والفرنسي، إقناع البريطانيين بالمشاركة في "المبادرة الأوروبية للتدخل"، التي تحدّث عنها ماكرون لأول مرة في شهر أيلول/سبتمبر الماضي في جامعة السوربون. 

وسيحرص البريطانيون، رغم انسحابهم من كثير من الشؤون الأوروبية بعد البريكست، على إعلان دعمهم للانتشار الفرنسي في دول الساحل وهو ما ترجمه الفرنسيون بالقول: "كل المناطق التي تَنْشَط فيها قوات أحد الطرفين تهمّ الطرف الثاني"، ما يعني "تنسيقا وتعاونا بين الطرفين في مجالات تصنيع صواريخ (MBDA) وطائرة المستقبل (FCAS) وطائرات بلا طيار بحرية ضد الألغام".

وفي ما يخص التواجد الفرنسي المزمع في دول الساحل والصحراء، أعلنت بريطانيا عن دعم هام لفرنسا في إطار "عملية برخان" والذي سيترجم إلى أن بريطانيا "ستعزز من مكافحتها للإرهاب"، ويعني عمليا إعارة ثلاث طائرات هيلوكبتر بريطانية من طراز شينوك للقوات الفرنسية في الساحل، في إطار مساعدة كبيرة بعد أن كانت المشاركة البريطانية تقتصر على طائرة نقل استراتيجية سي-17، كما أعلنت عن مساعدة إنسانية للسكان في دول الساحل، تقدر بـ56 مليون يورو. 

وحرصا على المبدأ الفرنسي أن "كل المناطق التي تَنْشَط فيها قوات أحد الطرفين تهمّ الطرف الثاني" لا يخفي الفرنسيون نيتهم في تعزيز القوات البريطانية المتواجدة في جمهورية إستونيا، سنة 2019، في إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على الرغم من أن البريطانيين لا يفكرون، لحد الساعة، في إرسال قوات إلى دول الساحل لنجدة الفرنسيين.

كما أن الفرنسيين والبريطانيين سيعززون، خلال هذه الزيارة الهامة، العلاقات الثنائية فيما يخص العمل الاستخباراتي، وخصوصاً مكافحة الإرهاب. 


المساهمون