خفض التمويل الأميركي… بداية لخنق "الأونروا"

خفض التمويل الأميركي… بداية لخنق "الأونروا"

17 يناير 2018
خطوة أولى لقطع شريان الحياة عن "الأونروا"(محمد عابد/فرانس برس)
+ الخط -
ترجمت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديدها وقطعت بالفعل أكثر من خمسين بالمئة (65 مليون دولار من أصل 125 مليون) من التزامها بموازنة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). زعمت بأنها اتخذت هذا الإجراء بدافعين: حمل الوكالة على "القيام بإصلاحات" في جهازها وأدائها. ثانياً، حث بلدان أخرى، خاصة العربية الغنية، على المساهمة بحصة أكبر في هذه الموازنة، إذ "لا يصح" أن يبقى العبء الأكبر على أميركا، كما قالت المتحدثة الرسمية في وزارة الخارجية، هيذر نويرت.

لكن هذا التسويغ مفضوح وغير قادر على حجب الطابع السياسي لهذه الخطوة. فالسياق الذي حكمها، يضعها في هذه الخانة. ولم يكن أمرًا عرضيًا أن يسارع السفير الإسرائيلي في واشنطن، رون ديرمر، إلى الترحيب بقرار الإدارة، ولو أنّه يمثّل نصف خطوة.

الموافقة على تسديد نصف المبلغ، تمّت بعد تدخل وزيري الخارجية، ريكس تيلرسون، والدفاع، جيمس ماتيس، وإقناع الرئيس بالإبقاء على شيء من التمويل للوكالة، خلافاً لما توعّدت به السفيرة في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، التي كادت أن تجزم، قبل أيام، بالوقف الكامل للتمويل. فهي في مواقفها المتعلقة بالفلسطينيين تعاكس تيلرسون، وتحاكي مواقف السفير الأميركي في إسرائيل، دافيد فريدمان. وبهذا بدا وكأن وزير الخارجية، وبدعم من ماتيس، كسب هذه الجولة ضد هيلي، واستعاد بعض المبادرة لتأكيد حضوره ودوره في ساحة السياسة الخارجية.

لكن في الحقيقة لم تكن هناك جولة. فالرئيس اضطر إلى أن يصغي للوزير لأنه "بحاجة الآن إلى تيلرسون" للاهتمام بالملفات الخارجية، حسب مصدر مطلع. فالبيت الأبيض في موقع دفاعي خانق على أكثر من جبهة داخلية.

التحقيقات الروسية صارت على أسوار البيت الأبيض، والعاصفة التي أثارتها ملاحظة الرئيس العنصرية  لم تهدأ بعد، فضلاً عن احتمال توقف العمل في الدوائر الرسمية مع حلول منتصف يوم الجمعة القادم إذا رفض الكونغرس الموافقة على الشق المستحق من الموازنة، ما يقطع التمويل عن كافة الأجهزة الحكومية.


ثقل هذه المتاعب، ساهم في تعزيز وضع تيلرسون. وتبدّى ذلك في دوره مع ماتيس والآخرين في حمل الرئيس، قبل أيام، على التراجع بشأن النووي الإيراني.

لكن تراجعات الرئيس ترامب اضطرارية ومؤقتة، وفي أحسن أحوالها معلّقة، وبالذات في موضوع "الأونروا". فهو تعامل مع هذا الملف لتحقيق هدف استراتيجي إسرائيلي: شطب قضية اللاجئين من خريطة الصراع؛ لأنها تنطوي على تذكير دائم باقتلاع شعب وابتلاع أرضه. مطلب إسرائيلي تبرعت الإدارة بوضعه موضع التنفيذ. الرئيس ترامب قالها من دون مواربة في إحدى تغريداته: "ندفع لهم الملايين –أي للفلسطينيين– وهم يرفضون الدخول في مفاوضات سلام مع إسرائيل. فلماذا نستمر في الدفع؟". وقف الدفع بالنهاية يتحقق في تغييب "الأونروا" بالموت البطيء، عن طريق اعتماد سياسة التمويل بالقطارة المتناقصة، وبما يكفل تذويب وتجويف دورها.

تقول الخارجية إن الإدارة "جمّدت" النصف، لغاية أن يتبيّن لها مدى جدية الوكالة في "إصلاح أوضاعها". لكنها في الواقع قطعت المبلغ وإلى غير رجعة. فهي لم تذكر أي شيء عن مثل هذا الإصلاح، ولا هي أفصحت عن مآخذها في هذا المجال، أو تقدمت إلى "الأونروا" بقائمة للجوانب المطلوب إصلاحها، وعليه فإن الحديث عن تجميد المبلغ لا يستقيم في غياب شروط مربوطة به، الأمر الذي يكشف عن عدم وجود نية لتسديده لاحقاً، وبحيث يكون الخطوة الأولى في عملية قطع شريان الحياة عن "الأونروا" تمامًا.

"99 % من قصة اللاجئين مزيفة"، يقول دانيال بايبس، أحد عتاة المتحدثين بلسان إسرائيل في أميركا. ويضيف : "أقترح على الرئيس ترامب العمل مع القدس -يعني إسرائيل– لتقديم العون للفلسطينيين؛ بشرط أن تقر الغالبية العظمى منهم بأنهم ليسوا الآن ولم يكونوا يوماً لاجئين". هذا هو بيت القصيد.