سلطة العشائر تخترق مؤسسات الدولة العراقية

سلطة العشائر تخترق مؤسسات الدولة العراقية

15 يناير 2018
العشائر بدأت تتدخّل بتفاصيل الحياة كافة (فرانس برس)
+ الخط -
لم تقف سطوة العشائر العراقية عند حدودها المجتمعية في العراق، بعدما ضعفت سلطة الدولة بشكل واضح بعد عام 2003 وحتى اليوم، إذ لم يحدّ العشائر أي قانون، حتى باتت تفرض إرادتها بالقوة على مؤسسات الدولة كافة، ولم تستثن منها حتى المؤسسات الرياضية، الأمر الذي يفرض واقعاً مأساوياً في البلاد يتمثّل بتحكّم العشائر بمراكز صنع القرارات الإدارية في البلاد.

وفي هذا السياق، قال مسؤول في اللجنة الأولمبية العراقية لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأمين العام للجنة، حيدر الجميلي، تلقّى تهديداً عشائرياً على خلفية اتخاذه قراراً إدارياً بحقّ أحد الموظفين في اللجنة"، موضحاً أنّ "الموظف استعان بعشيرته لردّ ما اعتبره حقاً سلبه إياه الجميلي". وأوضح المصدر أنّ "شيوخ ووجهاء عشيرة الموظّف، أرسلوا تهديدات إلى الجميلي، عن طريق الهاتف، وعن طريق وسطاء بينهما، بأنّ عليه التراجع عن قراره بأسرع وقت، وإلا فسيكون مطلوباً عشائرياً وسيدفع ثمن فعلته"، مشيراً إلى أنّ "الجميلي يحاول حسم الموضوع وفقاً للطرق القانونية، لكنّ الأخيرة لا يمكن لها التعامل مع قضايا العشائر، الأمر الذي أوقع اللجنة في مأزق يتطلّب تدخلاً حكومياً للخروج منه".

ولفت المصدر إلى أنّ "وسطاء من داخل اللجنة، تحرّكوا لاحتواء الموقف، والتقوا بشيوخ عشيرة الموظّف، لكنهم رفضوا التنازل، وأمهلوا الجميلي فرصة أخيرة للتراجع عن قراره". من جهته، أكد سعد العجيلي، وهو رئيس قسم في اللجنة، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الرياضة بعيدة كل البعد عن العشائرية، لكن للأسف اليوم العشائر بدأت تتدخّل بتفاصيل الحياة كافة، وبعمل المؤسسات الحكومية، لتفرض أجندتها بالقوة عليها"، موضحاً أنّه "تمّ تشكيل لجنة للتحقيق بالقرار الذي اتخذته بحقّ الموظف، ووجدت أنّه قرار لم يتجاوز الأطر القانونية في اتخاذه".

وأضاف العجيلي أنّه "تمّت كتابة محضر بذلك، لكن عشيرة الموظف لا تتعامل بمنطق القانون، وتصرّ على التراجع عن القرار"، موضحاً أنّ "العشيرة أكّدت بأنّها لن تتنازل عما أسمته حقّ الموظف". وأكّد أنّ "الموضوع لا يمكن السكوت عليه، والتدخلات العشائرية أمر مرفوض، وهي ستفتح الباب أمام جميع الموظفين لإدخال عشائرهم وإملائها على مديريهم ما تريده، مما يعني خلق حالة من الفوضى الكبيرة، في مفاصل اللجنة كافة وحتى في المؤسسات الأخرى، وهي خطوة لقيادة المؤسسات عشائرياً وليس إدارياً".

ودعا العجيلي الحكومة والبرلمان العراقي إلى "وضع حدّ لتدخّل العشائر في العمل المؤسساتي، ووضع حدود لها لا تتجاوزها، والحفاظ على قدسية العمل الإداري، الذي يجب أن يكون بمعزل عن أي تداخلات أخرى لا تمت للعمل الإداري بصلة".

ونشطت سلطة العشائر في العراق، منذ دخول القوات الأميركية عام 2003، وما تبعها من ضعف كبير في سلطة الدولة وقواتها الأمنية، ما تسبب بقوة عشائرية كبيرة، بدأ المواطنون يحتمون بها، بعدما فقدوا الثقة بقدرة القوات الأمنية على توفير الحماية لهم.

ويدعو مسؤولون عراقيون إلى وضع حدّ لتلك التدخّلات العشائرية، وإضعاف دورها مقابل تقوية مؤسسات الدولة. وقال القيادي في التحالف المدني العراقي، بسّام العلي، في هذا الإطار، إنّ "هناك جهات سياسية نافذة في الحكومة، تجامل العشائر وتحاول التنسيق معها ومدّ الحبل لها، لتحقيق غايات ومكاسب انتخابية". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "الرئاسات العراقية الثلاث لم تقم اليوم بمسؤولياتها الكاملة لتثبيت دعائم سلطة الدولة في البلاد، إذ إنّ الأحزاب تستغلّ أصواتها في البرلمان لتمرير القرارات التي تخدمها، وفي الوقت ذاته تعترض على أي قرار لا يخدم أجندتها الخاصة، ما انعكس سلباً على أداء السلطة التشريعية"، مؤكداً أنّ "تلك الأحزاب نفسها تستغل نفوذها في الحكومة والقضاء وأجهزة الدولة الأخرى، لفرض أجنداتها على حساب مصالح الشعب".

وتابع العلي أنّ "كل ذلك تسبب بضعف سلطة الدولة وتقوية نفوذ العشائر والمليشيات والجماعات الخارجة عن القانون"، منتقداً "الجهات السياسية والحزبية التي تدفع اليوم باتجاه إقرار قانون العشائر في البرلمان، والذي ينطوي على فقرات خطيرة جداً تجعل البلاد أسيرة للأعراف القبلية". يشار إلى أنّ جهات حزبية تعمل اليوم على تشريع قانون العشائر في البرلمان، والذي يعدّ من القوانين التي توفّر الدعم وتزيد من سلطة ودور العشائر في البلاد. ويحذّر مراقبون من خطورة هذا القانون الذي "سيقود المجتمع نحو التخلف والجهل".