إيران غير معنية بشروط "تخريب" الاتفاق النووي: التصعيد مرتقب

إيران غير معنية بشروط "تخريب" الاتفاق النووي: التصعيد مرتقب

14 يناير 2018
ينتظر الإيرانيون قطف ثمار الاتفاق النووي (فرانس برس)
+ الخط -
يفتح قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعطاء مهلة ثلاثة أشهر لتشديد بنود الاتفاق النووي المجال أمام تصعيد إضافي بين واشنطن وطهران في المرحلة المقبلة، مع الإصرار الإيراني على عدم المساس بالاتفاق ورفض التراجع عن برنامجها الصاروخي، بموازاة تشديد أوروبي على ضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي. وفي هذا السياق، أعلنت روسيا أن الولايات المتحدة سترتكب "خطأ كبيراً" بانسحابها من الاتفاق النووي الإيراني، مضيفة أن موسكو ستعمل بجهد من أجل الإبقاء على الاتفاق. وقال مساعد وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، في مقابلة مع وكالة "انترفاكس"، "إننا نتوصل تدريجياً إلى خلاصة مفادها أن قراراً داخلياً أميركياً اتُخذ بالانسحاب من الاتفاق النووي أو بات على وشك أن يُتخذ"، مضيفاً أن ذلك "سيكون أحد أكبر الأخطاء على صعيد سياسة واشنطن الخارجية، وسوء تقدير كبيراً".

وأعلن ترامب ليل الجمعة-السبت تمديد تجميد العقوبات المفروضة على إيران بموجب الاتفاق النووي، وهو ما يعني تمديداً للاتفاق بطبيعة الحال، إلا أنه كان مشروطاً، فترامب قال صراحة إنها المرة الأخيرة التي يمدد فيها الاتفاق، مطالباً حلفاءه الأوروبيين بإدخال تعديلات على نصه، الأمر الذي قابلته طهران برد فعل شجب "التصرفات العدائية"، على حد وصف مسؤوليها، لا سيما أن قراره الذي سيستمر لـ120 يوماً على أبعد تقدير، ترافق مع الإعلان عن فرض عقوبات جديدة لها علاقة ببرنامج إيران الصاروخي وملف حقوق الإنسان.

الخارجية الإيرانية أصدرت أمس السبت بياناً مفصلاً ومطولاً من عشرة بنود، أكد أن إيران غير معنية بالدخول في جولات تفاوض جديدة، وترفض ربط الملف النووي بقضايا ثانية، ما يعني أنها كررت الإجابة على ما جاء على لسان ترامب سابقاً وأخيراً، حول تأكيده ضرورة وضع قيود على إيران لضبط تطوير صواريخها الباليستية. ورأت الخارجية الإيرانية أن ترامب تعمّد مجدداً تخريب الاتفاق النووي، وهو ما انتهى بالفشل بسبب قوة الاتفاق، ودعم المجتمع الدولي خيار استمراره، وهو ما يؤشر إلى أن طهران تعول كثيراً على الأطراف الداعمة للاتفاق والرافضة سياسات ترامب التصعيدية. ومع ذلك، رأت الخارجية أن ما جاء على لسان الرئيس الأميركي يشكل خرقاً واضحاً لعدة بنود في الاتفاق، فضلاً عن شجبها قرار فرض العقوبات على 14 شخصاً وكياناً من إيران وخارجها، منهم رئيس السلطة القضائية صادق آملي لاريجاني الذي اعتبرته الإدارة الأميركية متورّطاً بملفات انتهاك حقوق الإنسان، فيما أثار هذا امتعاض الساسة في الداخل الإيراني ممن أكدوا أن واشنطن تجاوزت الخطوط الحمر وأنهم سيتقدمون بشكوى دولية.

كذلك كانت للجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني مواقف حادة، وهي الطرف المعني بالإشراف على عملية تطبيق الاتفاق داخلياً، واللجنة القادرة على جر الحكومة للخروج منه. وقال رئيسها علاء الدين بروجردي إن طهران لن تتراجع عن برنامجها الصاروخي قيد أنملة. كذلك أضاف المتحدث الرسمي باسم اللجنة حسين نقوي حسيني أن التهديدات والعقوبات الأميركية غير مجدية، مؤكداً أن طهران لن تتراجع عن خططها العسكرية الدفاعية وستطور برنامجها الصاروخي للدفاع عن نفسها.

من جهته، قال عضو لجنة الأمن القومي محمد إبراهيم رضايي لـ"العربي الجديد" إن طهران على قناعة منذ عقود بأن التصرفات الأميركية تهدف للضغط على بلاده، وتسعى حالياً لإثارة الجدل حول ملفاتها، في محاولة لإقناع إيران أن استمرار الاتفاق يعني أنها ستكون مضطرة للجلوس على طاولات حوار أخرى، وهو ما لن يحدث، حسب قوله.
ورأى رضايي أن القرار الأخير لترامب لا يدلّ على هزيمة أو انتصار، بل هو محاولة واضحة لشد إيران نحو قبول الشروط الأميركية، من خلال التلويح بفرض مزيد من القيود. وعن احتمال خروج واشنطن من الاتفاق خلال ثلاثة أشهر وخيارات طهران في هذه الحالة، قال إن خروجها سيكون مفرحاً جداً لإيران، كون ذلك يعني أنها ستخرق الاتفاق بوضوح أمام المجتمع الدولي برمته. وأكد أنه بحال حصول هذا السيناريو فلدى طهران خيارات عديدة، ولكنها بطبيعة الحال ستخرج من الاتفاق أيضاً، مضيفاً أن إيران تضع مصالحها نصب عينيها، ووجودها في الاتفاق يرمي لتحقيق المكتسبات والمصالح، وإن توقف هذا الأمر فلن تكون بلاده معنية بالاستمرار، حسب رأيه.


ويبدو واضحاً من رد الفعل الإيراني الرسمي أن ملف الصواريخ الذي لا يتعلق بالحكومة وحدها بل يدخل على خطه الحرس الثوري والمؤسسات العسكرية، لن يكون مطروحاً للتفاوض، وهو ما يعني توقعات بالتصعيد بين طهران وواشنطن خلال المرحلة المقبلة، بالتزامن مع فرض مزيد من العقوبات على إيران.
وعن هذا الأمر، قال المحلل السياسي الإيراني، حسن هاني زاده، لـ"العربي الجديد"، إن ما جرى يعني أن ترامب كان مرغماً على تمديد تجميد العقوبات بسبب ضغوط مارستها عليه أطراف دولية، لا سيما تلك الأوروبية، مؤكداً أن العلاقات الوطيدة بين إيران وروسيا والصين بالدرجة الأولى، وبينها وبقية أطراف الاتحاد الأوروبي الموجودة في الاتفاق، ساهمت بشكل أو بآخر في اتخاذ هذا القرار في هذه المرحلة. ورأى هاني زاده أن "التصعيد الحالي يهدف في الأساس لمحاولة الضغط على إيران ومحاصرة دورها الإقليمي، وملف الصواريخ وسيلة لتحقيق ذلك"، قائلاً إن ترامب مهّد للخروج من الاتفاق بعد فترة أقصاها أربعة أشهر، فحديثه عن تعديل الاتفاق وفرض قيود على طهران تتعلق بالصواريخ الباليستية وضبط سياساتها لن يكون سهل المنال إيرانياً.

واعتبر المحلل السياسي أن إيران ترغب في استمرار الاتفاق، لكن هناك أبعاداً كثيرة في هذا الملف لم تعد نووية بعد الآن، إلا أن خروج واشنطن منه سيضعها أمام خيارات صعبة وحقيقية، أولها الانسحاب ووقف الالتزام بالتعهّدات، وإعادة تخصيب اليورانيوم بوتيرة أعلى من السابق، ووقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الطرف المعني بالإشراف على تطبيق الاتفاق تقنياً وفنياً.

كذلك فإن طهران التي تعوّل على الشركاء الأوروبيين والروس والصينيين، المستفيدين اقتصادياً من الاتفاق النووي، ترى أن محاولات ترامب تهدف إلى زعزعة هذه العلاقات أيضاً، وإلى زيادة مخاوف الشركاء الراغبين في الدخول إلى السوق الإيرانية. وعن هذا الأمر، رأى النائب البرلماني حشمت الله فلاحت بيشه، في حوار مع وكالة مهر، أن على وزارة الخارجية الإيرانية أن تبدّل سلوكها الاقتصادي في سياستها الخارجية، من خلال إيجاد خيارات وشركاء جدد في آسيا وأميركا الجنوبية وبعض دول المنطقة، معتبراً أن تهديد ترامب الأخير يرمي إلى تخويف الآخرين من السوق الإيرانية.

يأتي هذا كله وإيران قد خرجت للتو من مرحلة حساسة داخلياً، بعد الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن وحملت مطالب اقتصادية وسياسية. وتصب سياسات ترامب في مصلحة تيار المحافظين في الداخل الرافض الاتفاق النووي والمشكك في نوايا الولايات المتحدة منذ التوصل للاتفاق قبل أكثر من عامين، كما أنها تضع الرئيس المعتدل حسن روحاني أمام تحدٍ جديد، سيجعله يفكر ملياً في اتخاذ الخطوات المقبلة، وسط توقعات باستمرار التصعيد إزاء بلاده سياسياً واقتصادياً.

ولا يتوقف الانتقاد لقرار ترامب على إيران، إذ إن دعوته لتعديل الاتفاق النووي وضعت إدارته أمام تحدٍ دبلوماسي "هائل"، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، التي شككت في إمكان نجاح البيت الأبيض في هذا الأمر. ولفتت الصحيفة إلى أن هذا التحدي كبير بالنسبة لإدارة تضم عدداً كبيراً من المفاوضين ذوي الخبرة، وبالنسبة لترامب الذي ملأ صفوف الأمن الوطني بضباط عسكريين متقاعدين، وسمح للقسم الخارجي بأن يضعف، فإن التحدي أكثر عمقاً، مشيرة إلى أن الأمر لا يقتصر على إيران، فأزمة كوريا الشمالية اتخذت منعطفاً مفاجئاً نحو الدبلوماسية، مع الانفتاح غير المتوقع للمحادثات بين الشمال والجنوب.

ووفق الصحيفة الأميركية، يقول مسؤولون حاليون وسابقون في واشنطن إن إدارة ترامب مضطرة إلى إعادة النظر في الاستراتيجيات التي كانت مدفوعة إلى حد كبير باعتبارات عسكرية، مضيفة أن كثيرين يعتبرون أن البيت الأبيض غير مؤهّل للتعامل مع احتمال انفراج في علاقة الكوريتين، كما مع الاضطرابات السياسية الأخيرة التي شهدتها إيران. وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن مسؤولين عديدين قالوا إن الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران أدت إلى تعقيد حسابات ترامب حول ما إذا كان سيمزق الاتفاق النووي، ففيما جعلت الاضطرابات الرئيس الأميركي أكثر تصميماً على معاقبة القيادة الإيرانية، إلا أنها عززت اقتناع القادة الأوروبيين بضرورة الحفاظ على الصفقة.