تعديلات ماي للحكومة البريطانية: محدودة ودون التوقعات

تعديلات ماي للحكومة البريطانية: محدودة ودون التوقعات

10 يناير 2018
للتعديل الوزاري لماي ثلاثة أهداف معلنة(Getty)
+ الخط -
جاءت التعديلات الوزارية التي قامت بها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي على حكومتها يوم أمس الثلاثاء، دون التوقعات التي دارت حولها خلال الأسبوعين الماضيين.

وبعد تنبؤات بأن يكون التعديل الوزاري واسعاً وجذرياً يؤكد سلطة رئيسة الوزراء ويضخ الدماء الشابة فيها، حمل الواقع الجديد غير المجدد روح التشاؤم بمدى قدرة ماي على الخروج من هيمنة حزبها والتقدم بسياسات يمكن أن تعالج المشاكل التي تعاني منها بريطانيا.

وكان لهذا التعديل الوزاري ثلاثة أهداف معلنة: ضم جيل جديد من المواهب المحافظة الشابة إلى المناصب القيادية، تغيير صورة الحزب لدى الناخبين البريطانيين بعد خسارة حزب المحافظين للأغلبية البرلمانية في الانتخابات العامة الماضية، وتأكيد سلطة ماي وقدرتها على التحكم بحكومتها ومواجهة التحديات الداخلية التي غطت عليها مفاوضات بريكست خلال العام الماضي.

ولم تكن فاتحة التعديلات الوزارية خيراً على ماي، فبعد أن هنأ موقع حزب المحافظين كريس غرايلنغ رسمياً على تعيينه مديراً للحزب، تم سحب هذا الإعلان فوراً وحذف الخبر، قبل أن يتم منح المنصب لبراندون لويس، وزير الهجرة، بعد ساعة من الزمن، إضافة إلى عدد من النواب من الجيل الثاني من أوجه الحزب.

وقامت تيريزا ماي باستدعاء الوزراء واحداً تلو الآخر لتطلعهم على قراراتها الخاصة بهم وبوزاراتهم. وسرعان ما اصطدمت رغباتها بحقيقة ضعف سيطرتها على حزبها. فلم تستطع ماي إقناع وزير الصحة، جيريمي هانت، بالانتقال إلى وزارة الأعمال، مكان غريغ كلارك، بل تمكن هانت من إقناعها بمنحه المزيد من الصلاحيات ليصبح وزير الصحة والرعاية الاجتماعية، وليبقى كلارك في منصبه.

أما المناصب الوزارية الرئيسية الأخرى فلم تشهد أي تغيير يذكر، حيث لم تستطع ماي نقل بوريس جونسون من وزارة الخارجية أو آمبر رود من وزارة الداخلية، كما حافظ فيليب هاموند على وزارة المالية.

وكانت إقالة وزيرة التعليم، جستين غريننغ، أهم حدث في هذا التغيير الحكومي، حيث رفضت غريننغ نقلها إلى وزارة العمل والتقاعد، وأصرت على بقائها في منصبها والعمل مع اليافعين.

 وتتمتع غريننغ بخلفية تختلف عن الصورة النمطية لسياسيي حزب المحافظين، حيث إنها تأتي من إحدى ضواحي لندن، وتتمتع بعلاقة جيدة مع اتحادات المدرسين، وتمكنت من كسب الدائرة الانتخابية من حزب العمال، إضافة إلى أنها كانت قد أتمت تعليمها الثانوي في المدارس الحكومية.

بل إن غريننغ من مناصري البقاء في الاتحاد الأوروبي، وإقالتها ستدفعها حتماً إلى الصفوف الخلفية في الحزب لتنضم إلى المتمردين من نواب الحزب في مجلس العموم. هؤلاء المتمردون كانوا قد ألحقوا هزيمة بماي خلال التصويت على مشروع قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي مع نهاية العام الماضي، ويضمون بين صفوفهم وزراء سابقين شملتهم التعديلات الوزارية التي قامت بها ماي عام 2016.

كما أن إقالة غريننغ، التي تخالف رغبات ماي في الإصلاحات التعليمية، والإبقاء على جونسون في منصبه، وهو المنافس والعقبة الأكبر في وجه ماي، وترقية هانت، الذي تعيش الخدمات الصحية تحت إدارته أسوأ أزماتها إنما ترسل رسالة تناقض رغبة ماي في أن يرسم التعديل الحكومي صورة حكومة قادرة على التعامل مع الأزمات الداخلية.

أما التعديلات الحكومية في يومها الثاني فكانت على مستوى الوزارات الأقل أهمية، في مسعى لتحقيق الهدف الثالث من التعديل الحكومي، حيث ستقوم ماي بتعيين أوجه جديدة من الشباب والأقليات من الجيل الثاني من القيادات في حزب المحافظين، بهدف ضخ الدماء اليافعة في صفوف حزب متوسط أعمار زعاماته في الستينات، وقاعدته الشعبية بين من تجاوزوا الخمسين عاماً.

وترى ماي أن حكومتها الآن تعكس شكل البلد الذي تديره، بعد تخلصها من عدد من الوزراء الذكور المتقدمين في السن، وإدخال عد من النواب اليافعين والنساء ومن الأقليات العرقية إلى الحكومة.

إلا أن دراسة ترى أن الحكومة الحالية تأتي من خلفية أكثر ثراء ووصولاً من سابقتها، حيث إن ثلث أعضائها حصلوا على تعليم خاص، وهو خمسة أضعاف النسبة على المستوى الوطني، إضافة إلى أن نصفهم ارتاد جامعتي أكسفورد وكامبردج. إلا أن التمثيل النسائي في الحكومة ارتفع إلى 30 في المائة بزيادة 5 في المائة.

وفي ظل أسوأ أزمة شتوية تعيشها الخدمات الصحية الوطنية خلال العقدين الماضيين، وأزمة السكن الخانقة والارتفاع الجنوني في أسعار العقارات وإيجاراتها، تصاعد التأييد لحزب العمال في استطلاعات الرأي.

 ولا تمتلك ماي في جعبتها سوى نجاحها في الوصول إلى اتفاق حول المرحلة الأولى من مفاوضات بريكست، وتنتظرها جولة أشد صعوبة في المرحلة الثانية من المفاوضات التي سترسم العلاقة النهائية مع الاتحاد الأوروبي، وسيجب التصويت عليها في البرلمان البريطاني مع نهاية العام الحالي.

وفي وجه هذه التحديات التي سترسم مستقبل بريطانيا تولد الحكومة البريطانية الجديدة القديمة ضعيفة، ويبقى مصير ماي غير مؤكد رغم مرور سبعة أشهر على تثبيتها في منصبها كرئيسة للوزراء، بل إن إيان دنكان سميث، الزعيم السابق للحزب، تنبأ بأن تقوم ماي بتغيير حكومي جديد مع نهاية 2018.