"مزارع الأسلحة " في صحراء الجزائر: تحالف التهريب والإرهاب

"مزارع الأسلحة " في صحراء الجزائر: تحالف التهريب والإرهاب

02 يناير 2018
خطورة الوضع تدفع قيادة الجيش الجزائري للتنبيه الدائم(فرانس برس)
+ الخط -
تشير البيانات الدورية للجيش الجزائري إلى اكتشاف مستمر لمخابئ أسلحة في مختلف مدن ومناطق الصحراء، خصوصاً في منطقة عين صالح وسط الصحراء، ومنطقة إليزي ومدينة جانت قرب الحدود مع ليبيا والنيجر وتامنراست وبرج باجي مختار قرب الحدود مع مالي وعين قزام قرب الحدود مع النيجر. ويطرح حجم هذه الأسلحة المكتشفة بشكل دوري تساؤلات ملحة عن طبيعتها وحجمها وظروف وجودها، لا سيما أنها توحي بأنّ المجموعات الإرهابية كانت بصدد حرب مفتوحة على الحدود مع الجزائر، أو تحويل هذه المناطق إلى معابر لبيع الأسلحة الآتية من ليبيا إلى مجموعات في دول غرب أفريقيا.

وأعلنت قيادة الجيش الجزائري، قبل أيام، الكشف عن مخبأ للأسلحة الثقيلة في داخله 18 قذيفة صاروخية من نوع RPG-7 و18 حشوة وكمية من الديناميت المعد لصناعة المتفجرات في منطقة برج باجي مختار قرب الحدود المالية. وفي وقت سابق لذلك، أعلنت قيادة الجيش أن وحدة عسكرية كشفت خلال دورية على الشريط الحدودي في المنطقة نفسها مخبأ آخر للأسلحة كان يحوي ست قذائف وخمس حشوات قاذفة. وقبل ذلك بأيام، كشف الجيش في المنطقة نفسها أيضاً عن مخبأ للأسلحة والذخيرة يحتوي على قاذفات صواريخ وأسلحة رشاشة وكمية من الذخيرة وقنابل يدوية. وفي بداية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشف الجيش في منطقة جانت القريبة من الحدود الليبية النيجيرية الجزائرية المشتركة عن مخبأ أسلحة آخر. كذلك، تم الكشف عن مخبأ مماثل في منطقة تيزواتين قرب الحدود مع مالي، يضم رشاشات وذخيرة وقذائف صاروخية. وفي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كشفت وحدة من الجيش في منطقة تندوف الحدودية مخبأ للأسلحة يحتوي رشاشات وذخيرة أيضاً. وبداية نوفمبر، كشف الجيش عن مخبأ في منطقة رقان وسط الصحراء كانت فيه مسدسات ورشاشات وذخيرة.

ويشير توزّع هذه المخابئ المكتشفة على نطاق جغرافي واسع، إلى وجود محاولات سابقة لمجموعات إرهابية لزرع مخابئ أسلحة تستخدمها عند الحاجة في عمليات إرهابية، كما جرى في مهاجمة منشأة الغاز تيقنتورين بعين أميناس في ولاية إلزي جنوبي الجزائر قبل أربع سنوات. كذلك، تؤشّر هذه المخابئ إلى وجود نشاط واسع لشبكات تهريب السلاح، يمتد من الحدود الجزائرية الليبية شرقاً إلى الحدود الجزائرية مع مالي والنيجر جنوباً، لا سيما بعد سقوط نظام معمّر القذافي نهاية عام 2011، إذ بدأت ظاهرة الانتشار اللافت للأسلحة والمعدات العسكرية في منطقة الساحل وعلى تخوم الحدود بين الجزائر وليبيا ومالي. وتمكّنت مجموعات إرهابية مسلحة وحركات الأزواد التي تمثّل الطوارق في شمال مالي وشمال النيجر، من تعزيز ترسانتها العسكرية بكميات مهمة من الأسلحة التي جرى تهريبها من مخابئ الأسلحة الليبية. وزادت حالة الفوضى الأمنية والسياسية التي تلت سقوط نظام القذافي من نجاح شبكات التهريب وتجار السلاح في نقل كميات كبيرة منها إلى شمال مالي وشمال النيجر ودول غرب أفريقيا.


وكانت الجزائر قد حذّرت مراراً من مخاطر انتشار السلاح الليبي في المنطقة الحدودية، ومن إمكانية استفادة المجموعات المسلحة منه، خصوصاً الأسلحة الثقيلة، واستخدامها في مهاجمة دول الساحل، وهو ما حصل فعلاً في الهجوم الاستعراضي الذي تعرّضت له منشأة تيقنتورين النفطية في يناير/ كانون الثاني 2013، وبدا فيه أن المجموعة المهاجمة التي كان يبلغ عدد أفرادها 33 شخصاً، استخدمت أسلحة استقدمت من ليبيا. كذلك، ترجم ذلك في محاولة مجموعات إرهابية استخدام قاذفات صواريخ لاستهداف مطار جانت تيسكا الجزائري القريب من الحدود مع النيجر وليبيا. وأيضاً في الاشتباك الكبير الذي جرى في فبراير/ شباط 2016 في منطقة تين زواتين جنوبي الجزائر بين قوات الجيش ومجموعة إرهابية. وكذلك عند اكتشاف صواريخ "ستينغز" في شهر يونيو/ حزيران 2016 في منطقة وادي سوف جنوبي البلاد، التي اعتبرت أخطر عملية اكتشاف للأسلحة في جنوب الجزائر.

وإذا كان لافتاً أن استخدام المجموعات الإرهابية هذه الكميات الكبيرة من الأسلحة ظلّ محدوداً في الجزائر بالنظر إلى العدد الضئيل للعمليات التي نفذتها المجموعات الإرهابية ضد أهداف جزائرية في مناطق الجنوب وقرب الحدود، فإن ذلك يحيل إلى وجود خطّ لتجارة السلاح يمتد من ليبيا إلى الجزائر ثمّ مالي والنيجر وبعدها إلى دول غرب أفريقيا، خصوصاً أن هذه الشبكات التي تتاجر في الأسلحة تجد لنفسها سوقاً كبيراً في هذه الدول بحكم وجود مجموعات إرهابية مسلحة فيها بحاجة ماسة إلى الأسلحة، كـ"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وتنظيم "أنصار الإسلام" الذي يضم ثلاثة تنظيمات إرهابية مسلحة، وحركة "بوكو حرام و"التوحيد والجهاد"، إضافة إلى حركات متمردة على حكومتها كحركات الطوارق في شمال مالي وشمال النيجر، وحركات أخرى في دول غرب أفريقيا. وتضاف إلى ذلك شبكات تهريب البشر والمخدرات والجريمة المنظمة التي تحتاج هي الأخرى إلى الأسلحة لتأمين ممرات لنشاطها الإجرامي، مستفيدة من الهشاشة الأمنية في المنطقة.

ويؤكّد ذلك ما تحدّثت عنه تقارير أمنية جزائرية وغربية عدة، أكّدت وجود ارتباط وثيق بين شبكات التهريب والمجموعات الإرهابية. ففي العلاقات بين الطرفين، يأتي السلاح كواحدة من أبرز "البضائع" التي توفّرها شبكات التهريب لمصلحة المجموعات المسلحة والحركات المتمرّدة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.

ويرجح العقيد المتقاعد من الجيش الجزائري، رمضان حملات، "أن يكون جزء من كميات السلاح المكتشفة عبارة عن شحنات توفرها شبكات بيع السلاح المهرّب من ليبيا، لمصلحة مجموعات إرهابية أو حركات الطوارق التي تتنازع مع الحكومات المركزية في نيامي أو باماكو على السلطة في مناطق الشمال". وفي هذه الحالة يعتقد أن هذه الشبكات "تضطر إلى العبور عبر الصحراء الجزائرية لإيصال هذه الشحنات لمصلحة طالبيها"، لافتاً إلى أنه "لا يجب الاستهانة بهذه الشبكات كونها توفّر وقود حرب مدمرة للقدرات الاقتصادية وناسفة للاستقرار الأمني والاجتماعي في المنطقة".

ويشير حملات إلى أن "خطورة نشاط تهريب الأسلحة وبيعها في منطقة الصحراء والساحل، هي التي تدفع قيادة الجيش إلى التنبيه الدائم والمستمر إليه، ودعوة الوحدات العسكرية العاملة في الصحراء إلى اليقظة والحذر، واستغلال المعلومات الأمنية كافة، للحدّ من نشاط شبكات التهريب هذه"، لافتاً في هذا السياق إلى أنّ "عمليات الاستسلام من قبل مسلحين من التنظيمات الإرهابية التي حدثت في الفترة الأخيرة، وكذلك عمليات اعتقال وتوقيف مهربين في المناطق الحدودية، تمكّن وحدات الجيش من الاستفادة من معلومات عن نشاط شبكات بيع الأسلحة ومكان وجودها، وهذا أمر مهم جداً".

وتبرر نتائج حصاد الجيش الجزائري في "مزارع" الأسلحة في الصحراء، وحجم الأسلحة المكتشفة دورياً، والتنبيه المستمر من قبل قيادة الجيش، حالة اليقظة التي تفرضها هذه الأوضاع على الوحدات العاملة في مناطق الصحراء والمرابطة على الحدود مع ليبيا ومالي والنيجر، خصوصاً في ظل التقاطع الكبير في النشاط الإجرامي بين المجموعات المسلحة وشبكات بيع وتجارة السلاح وشبكات تهريب البشر والأسلحة وتهريب المخدرات وغيرها، وهو ما تفسره الزيارات المستمرة، خلال السنتين الأخيرتين، لقائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح إلى مناطق الحدود والصحراء.