الأردن والثورة السورية... خط لم ينقطع يوماً مع النظام

الأردن والثورة السورية... خط لم ينقطع يوماً مع النظام

09 سبتمبر 2017
بات الحديث ينصبّ أكثر على جهود ضمان عودة اللاجئين(Getty)
+ الخط -
تتبادل عمّان مع دمشق عبارات الودِ ورغبات تحسين العلاقات التي تراوحت خلال سنوات الصراع السوري بين البرود والتوتر وتبادل الاتهامات، من دون أن تنزلق إلى حدود القطيعة. منذ انطلاق الثورة السورية، منتصف مارس/ آذار 2011، وجد الأردن نفسه من بين أكثر المتأثرين بالأزمة على الصعيدين الإنساني والأمني، كما خضع لضغوط من حلفائه لتبنّي موقف علني من النظام السوري، خصوصاً بعد تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية وقطع العديد من الدول العلاقات الدبلوماسية مع النظام.

تمكّن الأردن من تطوير صيغته الخاصة في إدارة علاقاته مع سورية، حافظ خلالها على شعرة معاوية مع النظام، فدعا مبكراً لحل سياسي يحفظ وحدة سورية واستقرارها ويوقف إراقة الدماء، من دون أن يمنعه ذلك من الانخراط في سياسات ترضي حلفاءه المتحمسين لإسقاط نظام بشار الأسد، مواصلاً مراقبة توجّهات القوى العظمى من تطورات الأزمة والتكيّف الحذر معها.

وصل اللاجئون السوريون إلى الأردن بعد أيام من اندلاع الثورة، لكن الحكومة الأردنية رفضت أن تطلق عليهم وصف لاجئين، واعتبرتهم ضيوفاً على أقاربهم في شمال الأردن الذي ترتبط عشائره بعلاقات دم وقربى مع عشائر الجنوب السوري. لكن سياسة الإنكار انهارت بعد أشهر قليلة بعدما أصبح اللجوء يأتي على شكل موجات بشرية.

حرص الأردن على عدم إحراج النظام السوري عبر ملف اللجوء، لكنه وجد نفسه بعد نحو عام ونصف العام مضطراً إلى افتتاح مخيم رسمي للاجئين السوريين. وقبل أن يفتتح في 30 يوليو/ تموز 2012 مخيم الزعتري، الذي أصبح "عنوان اللجوء السوري"، أشعر دمشق التي بدأت تتهمه بـ"دحرجة كرة اللجوء" بالأمر، ورد على تمنياتها بعد الإقدام على الخطوة وطلب منها تفهماً.

وسط تضامن دولي وشعبي خلال الأشهر الأولى مع الشعب السوري في وجه المجازر التي يتعرض لها، قال الملك الأردني عبدالله الثاني في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011: "أعتقد أنني لو كنت مكانه (بشار الأسد) لتنحيت". لكن سرعان ما تصدى الديوان الملكي لنزع حدة التصريح، خصوصاً بعدما حاول متظاهرون سوريون اقتحام مقر السفارة الأردنية في دمشق، والانتقادات العنيفة التي أطلقها المسؤولون السوريون تجاه الأردن الذي كان يشهد موجة احتجاجات شعبية مطالبة بالإصلاح.
التصريح الذي جاء بعد يومين من تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية، لم ينعكس على السياسة الرسمية الأردنية التي حافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع سورية، مع غض النظر عن الفعاليات التضامنية مع الشعب السوري والتي أقيمت غالبيتها على مقربة من مقر السفارة السورية في عمّان.


الموقف الأردني المنادي بالحل السياسي، لم يمنع، منتصف عام 2013، من استقبال غرفة "الموك" لدعم فصائل المعارضة السورية المقاتلة في الجهة الجنوبية، وانخراط المملكة في برامج تدريب المعارضة السورية، التي بقيت تدار بسرية حتى الإعلان رسمياً عنها في 23 مارس/ آذار 2015 على اعتبارها برنامجاً لتدريب العشائر السورية على محاربة تنظيم "داعش". وحتى قبل افتتاح غرفة "الموك"، كان الأردن هدفاً للاتهامات السورية المتكررة، بتدريب المعارضة وتسليحها، وتسهيل عبور الإرهابيين عبر حدوده للالتحاق بالجماعات الإرهابية الناشطة في سورية، وهي اتهامات عززها انضمام نحو 3 آلاف أردني إلى تنظيمي "جبهة النصرة" و"داعش"، وهي تهم بقي ينفيها الأردن.


وفي الأول من إبريل/ نيسان 2014 أغلق الأردن معبر جابر الحدودي مع سورية أمام حركة المسافرين ونقل البضائع، في أعقاب اشتباكات بين قوات النظام والمعارضة المسلحة في الجانب السوري من المعبر (نصيب)، انتهت بسيطرة المعارضة على المعبر، لتبقى الحدود البرية مغلقة بين البلدين حتى اللحظة، وسط مساعٍ جديدة لفتحها. حافظت العلاقة الدبلوماسية الأردنية - السورية على إيقاعها المتوتر، إلى أن وصلت إلى حالة من العداء المعلن عندما أعلن الأردن في 26 مايو/ أيار 2014 السفير السوري في عمّان بهجت سليمان "شخصاً غير مرغوب فيه" لإساءته المستمرة للمملكة وقياداتها ورموزها السياسية ومؤسساتها الوطنية، لترد دمشق بطرد القائم بالأعمال في السفارة الأردنية في دمشق. بقيت العلاقات الدبلوماسية قائمة، لكنها أصبح أكثر توتراً، خصوصاً أن السفير المطرود بهجت سليمان لم يتوقف عن الإساءة للأردن عبر صفحته الشخصية على موقع "فيسبوك".

في 10 سبتمبر/ أيلول 2014 أعلن الأردن رسمياً انضمامه للتحالف الدولي للحرب على "داعش"، وشارك سلاح الجو الأردني بقصف الرقة، وفي 24 ديسمبر/ كانون الأول سقطت طائرة مقاتلة أردنية في الرقة وأسر تنظيم "داعش" قائدها الملازم معاذ الكساسبة، وبث في 3 فبراير/ شباط 2015 فيديو لإعدامه حرقاً. بعد ذلك، تكرر القصف الأردني لمواقع تابعة للتنظيم في الداخل السوري، وسط مطالبات من قبل النظام السوري بالتنسيق معه في الحرب على الإرهاب، لكن الأردن بقي ينسق مع روسيا عبر غرفة عمليات عسكرية أقيمت في عمان للتنسيق بين الطرفين بما يحفظ استقرار الجنوب السوري المتاخم للحدود الأردنية، الأمر الذي فُهم حينها انعطافة أردنية في الموقف من الصراع السوري، في حين علّل الأردن تواصله مع الروس الذين ضمنوا له حضور مباحثات أستانة بصفة مراقب، بالحرص على التواصل مع جميع أطراف الأزمة السورية بما يحقق مصالحه. استمر تدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن، حتى 21 يونيو/ حزيران 2016 عندما أعلن الأردن حدوده منطقة عسكرية مغلقة في أعقاب هجوم إرهابي استهدف نقطة عسكرية مقابل مخيم الركبان الحدودي قُتل خلاله 6 عسكريين وأمنيين أردنيين.

الاقتراب الأردني من الروس، اللاعب الأهم في الصراع السوري، جعل السياسة الأردنية أكثر واقعية في التعامل مع ملف الأزمة، وأصبح الحديث ينصبّ أكثر على جهود عودة الاستقرار لضمان عودة اللاجئين السوريين المقيمين في الأردن. وفي 30 ديسمبر/ كانون الأول 2016 خرج رئيس هيئة الأركان الأردنية الفريق الركن محمود فريحات، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية ليكشف عن أن الاتصالات مع النظام السوري لم تنقطع طوال فترة الصراع. وأكثر ما يوجه من انتقادات للأردن، هو الدور الذي يقال إن المخابرات الأردنية أدته في تجميد جبهة الجنوب والضغط لإبقائها خامدة منذ التدخل الروسي في الحرب السورية، نهاية عام 2015، حتى في عز الأوقات التي كانت فيها مناطق قريبة تحتاج إلى عشرات آلاف مقاتلي المنطقة الجنوبية، تحديداً خلال مجازر داريا وحصارها وحروب الغوطة الشرقية لدمشق.

وساهمت السياسة الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما تجاه سورية، في جعل الأردن حذراً من اتخاذ موقف حاسم من الأزمة. وفي عهد الرئيس دونالد ترامب، وبعد أن استشعر الأردن أن الإدارة الأميركية الجديدة توشك على حسم الموقف من نظام الأسد، صرح الملك في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" في 4 إبريل/ نيسان الماضي، أن "المنطق يقتضي بأن شخصاً (بشار الأسد) ارتبط بسفك دماء شعبه من الأرجح أن يخرج من المشهد". هذا التصريح دفع الأسد بعد أقل من ثلاثة أسابيع لتخصيص مقابلة صحافية للهجوم على الأردن والتشكيك في استقلاله، ما فتح السجال لتراشق الاتهامات بين عمّان ودمشق من جديد.

وبعدما أعاد الأردن قراءة الموقف الدولي من الأزمة والنظام، عاد ليبني خياره على تحسين العلاقات مع دمشق، خصوصاً بعد الإعلان في 8 يوليو/ تموز الماضي، عن توصل الأردن والولايات المتحدة وروسيا لاتفاق وقف إطلاق نار في جنوب غرب سورية، لتعقبه في 25 أغسطس/ آب الماضي، تصريحات للمتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، رجح خلالها أن تأخذ العلاقات الأردنية - السورية منحى إيجابياً، ليحسم الأردن موقفه من هذا الصراع بعدما شارف على النهاية.