ستيفان دي ميستورا... دبلوماسية بخدمة الأقوى

ستيفان دي ميستورا... دبلوماسية بخدمة الأقوى

09 سبتمبر 2017
دي ميستورا في مفاوضات جنيف (فابريس كوفريني/ فرانس برس)
+ الخط -

لم تكن التصريحات الأخيرة المثيرة للجدل التي أطلقها المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، وتضمنت دعوة للمعارضة السورية للإقرار بهزيمتها في الحرب والتوجه إلى بناء السلام على هذا الأساس، هي الأولى من نوعها خلال المهمة السورية للدبلوماسي الإيطالي - السويدي الحافلة بالفشل عموماً.

في هذا السياق، فإن مراجعة التصريحات المتتالية للمبعوث الدولي خلال السنوات الثلاث الماضية منذ تسلّمه منصبه خلفاً للدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، كشفت أنه استمر في محاولاته التأقلم في كل مرة مع مواقف الطرف الأقوى في الصراع السوري، خصوصاً مواقف روسيا التي باتت اللاعب الأول في الساحة السورية منذ تدخلها العسكري في سبتمبر/أيلول 2015. الرجل ليس "صاحب مبادئ" بل "رجل صفقات" وقادر على التخلي عن المرجعيات الدولية الناظمة للحل السياسي في سورية، كلما تعرّض لضغوط من الدول الكبرى، خلافاً للمبعوثين السابقين مثل الأخضر الإبراهيمي وكوفي أنان ممن فضّلوا الاستقالة على الخضوع للضغوط أو دفعهم لسلوك طريق نهايته الفشل المحتوم.

وقد لاقت تصريحات دي ميستورا الأخيرة التي دعا فيها المعارضة "لأن تدرك أنها لم تفز بالحرب"، ناصحاً إياها بـ"التحلي بالواقعية"، قبل انطلاق الجولة الجديدة من مباحثات أستانة في كازاخستان، ردود فعل غاضبة لدى المعارضة السورية. واعتبرها منسّق الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب بمثابة "هزيمة للوساطة الأممية في تسوية القضية السورية"، مضيفاً بأنه "يورّط نفسه من جديد بتصريحات غير مدروسة، تعزز دعوتنا لطرح أممي جديد إزاء القضية السورية".

أما كبير مفاوضي "الهيئة العليا"، محمد صبرا، فقد طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بـ"اتخاذ خطوات إزاء انحياز دي ميستورا"، مشدّداً على أنه "لم يعد مقبولاً كوسيطٍ للمحادثات، لأنه فقد حياده وتحدث كجنرال روسي، لا كوسيط دولي". واعتبر قائد "الفرقة 13" سابقاً، عضو المجلس العسكري في "جيش إدلب الحر"، المقدّم أحمد السعود، أن "دي ميستورا بات مشكلة في حياتنا"، مشيراً في تغريدات له عبر موقع "تويتر" إلى أن "المبعوث الدولي يروّج حتى بعد تقرير الكيماوي الأخير (صدر يوم الأربعاء الماضي)، لبقاء بشار الأسد بعد أن سقط شعبياً وسياسياً وأخلاقياً وأمنياً وعسكرياً".



وجاءت تصريحات دي مستورا قبل أقل من عشرة أيام، من محادثات أستانة التي تسعى فيها الدول الضامنة للدفع باتجاه التوقيع على الوثيقة الروسية حول مناطق "خفض التصعيد" في سورية، وقبل انطلاق جولة جديدة من مباحثات السلام بين وفدي النظام والمعارضة في أكتوبر/تشرين الأول بجنيف، ولم يلطف منها كثيراً الاستدراك الذي صدر عن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، بأن حديث دي ميستورا حول "دعوة المعارضة السورية لإدراك أنها لم تفز بالحرب، قد أُسيء تفسيره".

والواقع أن تصريحات دي ميستورا الأخيرة جاءت في سياق "منطقي" في مسيرة الرجل التراجعية عن المبادئ والنواظم التي حددتها المجموعة الدولية لحل القضية السورية، إذ سبقها تصريحات ومواقف أخرى مشابهة قاسمها المشترك محاولة التأقلم المستمرة مع ما يستجد من مواقف دولية، وما تقتضيه التفاهمات بين القطبين المتنافسين في العالم وفي الساحة السورية، أي الولايات المتحدة وروسيا. وهي محاولات هوت في كل مرة بجزء من مصداقية المبعوث الدولي، فغابت عنده البوصلة، إبان ملاحقته التغييرات المستمرة في المواقف السياسية، حتى إنه تحول في أحد أدواره إلى محلل سياسي، متوقعاً أن "يشهد الشهر الحالي بداية تحوّلات نوعية في القضية السورية"، من دون تحديد طبيعة هذه التغيرات، مضيفاً أن "شهر أكتوبر سيكون شهراً حاسماً في سورية".

ولعلّ السرد الذي قدمه رئيس وفد المعارضة السورية لجنيف، نصر الحريري، لتجربة المعارضة مع الرجل يلخص هذه المسيرة التراجعية. وبرز حرص المبعوث الدولي على "دوام" مهمته بأي ثمن، وبغض النظر عن الحصاد في نهاية المطاف. ووصف رئيس وفد المعارضة السورية لجنيف، نصر الحريري، تصريحات دي ميستورا بأنها "صادمة ومخيبة للآمال، وتتطابق مع الأجندة الروسية". وقال في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إنه "في كل مرة كنا نتوقع أن يقدم دي ميستورا تقريراً واقعياً أمام الأمم المتحدة حول إعاقة العملية من قبل النظام، كان يلتزم الصمت"، معتبراً ذلك أن "أعطى النظام الضوء الأخضر للاستمرار بارتكاب جرائمه".

وأضاف بأنه "لا يحق للمبعوث الدولي أن يتخلى عن القرارات الدولية، فهو عندما يتحدث عن إصلاح دستوري وعن شكل ما من تشارك السلطة، يبتعد كلياً عن جوهر هذه القرارات وعن جوهر هذه المبادئ ويتنافى مع روح بيان جنيف في تحقيق انتقال سياسي عبر هيئة حكم انتقالية"، لافتاً إلى أن "مواقف المبعوث الدولي تتطابق تماماً مع الأجندة الروسية". ولدي ميستورا حليف من يدافع عنه، وهي روسيا، التي قال مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف أليكسي بورودافكين، إن "وساطة دي ميستورا بين النظام السوري والمعارضة يجب أن تستمر". وأضاف أن "الطرف الروسي سبق أن وجّه إلى دي ميستورا انتقادات، لكن من دون المطالبة بتوقف مهمته من أجل تقريب وجهات نظر الحكومة والمعارضة".



ودعا الدبلوماسي الروسي "الهيئة العليا للمفاوضات"، تحديداً "رياض حجاب إلى تكييف موقفه مع الوقائع العسكرية والسياسية الجديدة في سورية والامتناع عن توجيه انتقادات واهية إلى الأمم المتحدة ودي ميستورا شخصياً"، متهماً المعارضة بأنها "تستغل مفاوضات جنيف لتكرار مطالبها غير الواقعية، لا سيما رحيل بشار الأسد، بدلاً من العمل على اتخاذ قرارات مشتركة مع وفد الحكومة وتنسيق المسائل المطروحة على أجندة الحوار".

بدوره، رأى الكاتب، المحلل السياسي السوري غازي دهمان في حديث لـ"العربي الجديد" أن "دور دي ميستورا لا يتعدى أن يكون الحفاظ على زخم شكلي للمفاوضات برعاية الأمم المتحدة، بينما الصفقات الحقيقية تتم تحت الطاولة بين القوى الفاعلة في المشهد السوري وفي مقدمتها روسيا، لذلك يتوارى عن المشهد عندما يحصل صدام بين الدول الكبرى أو تتغير قواعد اللعبة، بانتظار جلاء الموقف ليعيد تموضعه من جديد".

وكانت مصادر دبلوماسية فد ذكرت أن "دي ميستورا كان قد طلب من الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، إعفاءه من منصبه لأسباب شخصية، بعد أن أصيب بالإحباط حيال إمكان تحقيق أي تقدم في المسار السياسي في سورية، وأنه ستعرض إلى ضغوط مستمرة وصلت حد إعلان موقف علني من روسيا، طعناً في صدقيته كمبعوث محايد". وجاء طلب دي ميستورا، بعد يوم من اتهام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف له بأنه "يقوض عقد محادثات بين السوريين من دون شروط مسبقة"، في حين شددت المصادر على أن "الضغوط من روسيا على دي ميستورا كانت قد بدأت منذ مطلع السنة الماضية واستمرت بالتصاعد تدريجاً، وصولاً إلى إعلان خطة الحسم العسكري في حلب".


المساهمون