سو تشي... زعيمة ميانمار التي انقلبت على "نوبل" للسلام

أونغ سان سو تشي... زعيمة ميانمار التي انقلبت على "نوبل" للسلام

07 سبتمبر 2017
رفضت سو تشي وصف اضطهاد الروهينغا بالتطهير العرقي(لورين ديسيكا/Getty)
+ الخط -
قبل نحو عامين، كانت الآمال كبيرة على المعارِضة الفائزة بجائزة نوبل للسلام، أونغ سان سو تشي، بأن تقود ميانمار (بورما سابقاً) للسلام وتعيد الديمقراطية إلى هذا البلد الآسيوي، الذي عانى طويلاً من قبضة الحكم العسكري ومن مشاكل كبيرة بين إثنياته وديانتي أبنائه، بين بوذيين ومسلمين. إلا أن تجربتها في السلطة أسقطت كل الطموحات التي رُسمت حول زعيمة ميانمار الحالية، خصوصاً مع سكوتها تجاه المجازر التي يتعرض لها مسلمو الروهينغا في إقليم راخين، لتطاولها اتهامات بالتعاون مع الجيش والقومية البوذية.

مسيرة من النضال
بعد ربع قرن من النضال، وصلت زعيمة المعارضة البورمية أونغ سان سو تشي (72 عاماً)، أواخر العام 2015 إلى سدة الحكم، في بلد مزقته الخلافات بين أبنائه ونحو خمسين عاماً من الحكم العسكري. دخول سو تشي المعترك السياسي لم يكن مبرمجاً، وهي ابنة أحد أبطال الاستقلال في ميانمار الجنرال أونغ سان، الذي اغتيل خلال العملية الانتقالية نحو الاستقلال في يوليو/ تموز من عام 1947، أي قبل الاستقلال بستة أشهر، عندما كانت ابنته في عامها الثاني. غادرت سو تشي إلى الهند عام 1960 مع أمها داو خين كيا، التي عُيّنت سفيرة لبلادها في نيودلهي. بعد ذلك بأربعة أعوام انضمت سو تشي إلى جامعة أكسفورد البريطانية، حيث درست الفلسفة والسياسة والاقتصاد، وهناك التقت بزوجها، مايكل إيرس. في البداية، عاشت ربة منزل ووالدة لصبيين صغيرين.

لدى توجهها إلى بورما (ميانمار حالياً)، في إبريل/ نيسان 1988، للاهتمام بوالدتها المريضة، وصلت في خضم الانتفاضة على المجلس العسكري التي قُمعت بقسوة، وقررت الانخراط في الحياة السياسية. وقالت في أول خطاب ألقته في في 1988: "لا أستطيع، بصفتي ابنة أبي، أن أبقى لا مبالية حيال كل ما يجري".
سُمح لها بأن تؤسس "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية"، لكنها سرعان ما وُضعت تحت الإقامة الجبرية. وشهدت من بعيد فوز حزبها في انتخابات العام 1990 التي رفض المجلس العسكري الاعتراف بنتائجها. أمضت سنوات الإقامة الجبرية في منزلها وسط رانغون، وسُمح لعدد قليل جداً من الأشخاص بزيارتها، وأحياناً لابنيها اللذين بقيا يعيشان في بريطانيا مع والدهما. توفي زوجها بمرض السرطان، من دون أن تتمكن من الذهاب إلى بريطانيا لوداعه، خشية ألا يُسمَح لها بالعودة إلى بورما.

في مقابلة نادرة معها عام 2007، وخلال الانتفاضة التي قُمعت، قالت سو تشي إن الديمقراطية "لم تمت" في ميانمار. وأضافت أنه "مهما كانت قوة نظام الحكم، في النهاية لن يتمكنوا من إيقاف الشعب، لا يمكنهم الوقوف في وجه الحرية، وسيأتي وقتنا". في العام 2010، أُفرج عنها بعد نحو 15 عاماً في الإقامة الجبرية، أمضت سبعة منها بصورة متواصلة. ومنذ ذلك التاريخ، بدأت ميانمار تدخل في عملية تحوّل تدريجي، عندما وافق الجيش على تسليم السلطة لحكومة يرأسها الجنرال الذي اعتُبر إصلاحياً، ثين سين. وفي العام 2012، دخلت سو تشي البرلمان عبر انتخابات جزئية.

التحوّل الأكبر كان خلال انتخابات عام 2015، التي نجح فيها حزبها "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" في تحقيق فوز تاريخي بحصوله على الغالبية المطلقة في البرلمان. لكن سو تشي لم تتمكّن من تولي الرئاسة في البلاد، بسبب الدستور الذي أعده المجلس العسكري السابق ويحظّر على أي شخص لديه أولاد أجانب أو متزوج من أجنبي من الترشح للرئاسة. إلا أن المعارضة السابقة كانت لديها خطة بالنسبة لهذه المسألة، وأعلنت أنها ستكون "أعلى من الرئيس". وهذا ما حصل، فبعد اختيار هتين كياو، القريب منها، رئيساً للبلاد، تم تعيينها وزيرة خارجية، قبل أن يوقّع الرئيس قانوناً منحها دوراً جديداً كمستشارة دولة، بما عزز نفوذها في كل فروع الدولة. وبموجب القانون الجديد، حظيت سو تشي بالنفوذ على البرلمان والحكومة بصفتها "مستشار الدولة".


سقوط الآمال بالتغيير

كُلل نضال سو تشي بعدد كبير من الجوائز العالمية، فهي حصلت على جائزة سخاروف لحرية الفكر سنة 1990، وعلى جائزة نوبل للسلام عام 1991 من أجل دعمها للنضال اللاعنفوي. وفي عام 1992 مُنحت جائزة جواهر نهرو من الحكومة الهندية. كما حصلت على عدد من الجوائز العالمية في مجال حرية الفكر، وقرر مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع منحها ميدالية الكونغرس الذهبية، وهي أرفع تكريم مدني في الولايات المتحدة، مصدقاً قراراً كان قد اتخذه مجلس النواب بهذا الخصوص.
ترافق فوز سو تشي وحزبها بانتخابات العام 2015 بتوقعات كبيرة بأن تنجح المعارضة السابقة بإعادة الديمقراطية إلى البلاد، وإنهاء التأثير الكبير للنخبة العسكرية على القرار في ميانمار، وتحسين الوضع الاقتصادي في بلد يعيش ثلث سكانه تحت عتبة الفقر، إضافة إلى حل مشاكل الأقليات، لا سيما الروهينغا.

إلا أن النشوة التي أحاطت بالفوز الانتخابي الكبير للمعارضة السابقة، قد تلاشت في وقت قصير، وأخذ عليها البعض في حزبها ميولها الاستبدادية أيضاً، والحد من الفرص المتاحة للشبان. حتى أنها اعترفت في وقت لاحق ببطء وتيرة الإصلاحات والتنمية، لكنها أكدت أن أولويتها القصوى هي إنهاء الصراعات العرقية، لتأتي المجازر الأخيرة بحق الروهينغا وصمتها تجاهها وتبريرها لها لتُسقط الآمال الموضوعة عليها.

قبيل وصولها إلى الحكم، كانت سو تشي قد وعدت "بحماية كل الذين يعيشون في هذا البلد" طبقاً لحقوق الإنسان، إلا أنها دعت إلى "عدم المبالغة" في توصيف المأساة التي يتعرض لها الروهينغا، قائلة إن "البلد برمته في وضع خطير وليس ولاية راخين وحدها". ومع مرور المزيد من الوقت على وجودها في السلطة، تزايد الاستياء من سو تشي، خصوصاً في المناطق التي تسكنها أقليات إثنية، إذ اعتبر كثيرون أنها تتعاون بشكل وثيق مع العسكريين الذين حكموا البلاد طوال خمسين عاماً.

ومع تصاعد الانتهاكات بحق ما يزيد عن مليون مسلم من أقلية الروهينغا في إقليم راخين، المحرومين من حق المواطنة وتعتبرهم ميانمار الرسمية حتى الآن لاجئين غير مرغوب بهم من بنغلادش، رفضت سو تشي وصف ما يجري هناك بالتطهير العرقي، وهو موقف كررته مجدداً في أكثر من مرة وقوبل بانتقادات كبيرة. ومع بداية موجة العنف الأخيرة في 25 أغسطس/ آب الماضي في راخين، لم توجّه زعيمة ميانمار أي اعتراض على طريقة معاملة الروهينغا ولم تتخذ أي إجراء حيال الاتهامات للجيش بارتكاب انتهاكات. حتى أن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، طالبت قبل أيام لجنة جائزة "نوبل" بسحب جائزتها للسلام بشكل فوري من سو تشي. وقالت المنظمة، في بيان، إن "ما تقوم به سلطات ميانمار من جرائم بشعة ضد أقلية الروهينغا المسلمة، بمعرفة رئيسة وزرائها وتأييدها، عمل يتناقض مع أهداف جائزة نوبل، ومع القانون الدولي وحقوق الإنسان".

على الرغم من ذلك، عادت سو تشي لتتهم، أمس الأربعاء، "الإرهابيين" بأنهم وراء "جبل جليدي ضخم من التضليل" بشأن العنف في ولاية راخين، ملتزمة الصمت إزاء فرار نحو 140 ألفاً من مسلمي الروهينغا عبر الحدود إلى بنغلادش منذ 25 أغسطس الماضي. وفي بيان نشره مكتبها، قالت سو تشي إن هناك "كمية هائلة من المعلومات المضللة" التي تشوّه حقيقة أزمة الروهينغا، مضيفة أن الحكومة "بدأت بالفعل في الدفاع عن جميع الناس في راخين بأفضل طريقة ممكنة"، محذرة من أن التضليل قد يفسد العلاقات مع دول أخرى. ويقول محللون إن تصلّبها في هذا الموقف على الرغم من سنوات من الضغط من قبل منظمات حقوقية، هو لاسترضاء الجيش الذي لا يزال قوياً، والقومية البوذية المتصاعدة في الدولة الواقعة بجنوب شرق آسيا.

المساهمون