من المهزوم؟

من المهزوم؟

04 سبتمبر 2017
من قصف النظام السوري لدرعا بمايو الماضي(محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -
المنطقة حبلى بالانتصارات. هكذا توحي معظم التصريحات الصادرة عن أطراف النزاع في اليمن وليبيا وسورية والعراق ولبنان. في اليمن يُسجل كل صاروخ يُطلق على الأراضي السعودية كانتصار حاسم للحوثيين وخلفهم إيران. وفي المقابل تضع وسائل الإعلام السعودية كل عمليات قوات الشرعية اليمنية تحت إطار "العمليات النوعية". وفي ذلك انتصار حتمي أيضاً لـ"عاصفة الحزم" وخلفها السعودية.

لا يهم أن يصبح اليمن على قائمة الدول المُهددة بالكوليرا، أو أن تنهار مؤسساته الرسمية ويتحول الموظفون الرسميون إلى جيش من العاطلين من العمل. صوت الانتصارات في اليمن أقوى من صورة الطفلة، بثينة، التي أغلقت إحدى عينيها في غارة قتلت أفراد عائلتها.

وفي ليبيا، توّجت الحرب بعضاً من رجالات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، على قائمة المطلوبين للعدالة الدولية. هكذا هو التقدم الليبي في زمن الحرب: مزيد من القتلة المدعومين إقليمياً ودولياً بما يمنع عنهم الملاحقة أو المحاسبة. وفي المشهد الدبلوماسي، يرجو المبعوث الأممي إلى البلاد، غسان سلامة، المُتبرعين بالوساطات إلى أخذ استراحة، لأن العروضات بلغت حد التناقض. الجميع يبحث عن انتصار في ليبيا، حتى الدبلوماسيون.

وفي العراق يمضي رئيس الوزراء، حيدر العبادي، باللباس العسكري الأسود ومعه عشرات المسلحين بين ركام المحافظات العراقية. تبدو تلك البزة السوداء معادلة للسترة الرياضية الأنيقة التي يرتديها رؤساء الولايات المتحدة الأميركية. تكرر المشهد على مر الأشهر، وتلطخت بذلة العبادي بغبار كل المعارك التي خيضت ضد "داعش"، وبقي الانتصار الحاسم مفقوداً. ليس في لغة المنتصرين أبلغ من دخول الموصل، ولكن النصر لا يزال بعيداً. وكل الخلفيات التي دفعت بـ"داعش" إلى مقدمة اللاعبين على المسرحين العراقي والسوري لا تزال حاضرة.

تليق كلمة المسرح بسورية اليوم كثيراً. يصوغ الجميع تفاهمات موضعية ويسمونها انتصارات. انتهى ملف الطيار العسكري المأسور لدى المعارضة علي الحلو بمفاوضات أدت لإطلاقه مقابل أسرى لدى النظام. أدرك كثير من أطراف النزاع أن القتل لم يعد مُجدياً، وأن التفاوض يسمح بتحقيق انتصارات صغيرة تضمن للجميع صبر البيئات الشعبية والسياسية الحاضنة للمقاتلين حتى يستمروا ولو لمعارك قليلة إضافية بانتظار التسوية الكبرى. وعلى الحدود السورية-اللبنانية انتهى ملف "داعش" بتسوية سماها الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، "تحريراً ثانياً" بعد تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000. من الغرب إلى الشرق انتقل قاتلو العسكريين اللبنانيين المخطوفين، كما يُبدل الممثلون أماكنهم بين فصول المسرحية.

لكثرة الانتصارات، أصبح البحث عن المهزوم صعباً بصعوبة جمع رفات العسكريين اللبنانيين أو المدنيين العراقيين والليبيين واليمنيين، وسهلاً بسهولة تصديق جمهور أطراف النزاع لأخبار الانتصارات.