17 عاماً على هبّة أكتوبر: نضال فلسطينيي الداخل محاصر

17 عاماً على هبّة القدس والأقصى: نضال فلسطينيي الداخل محاصر

01 أكتوبر 2017
من إحياء ذكرى الهبّة في وقت سابق (العربي الجديد)
+ الخط -
مع إحيائهم الذكرى السابعة عشرة لهبة القدس والأقصى، والتي جرت أحداثها في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2000، واستشهد خلالها 13 شاباً من أبناء الداخل الفلسطيني بنيران الاحتلال الإسرائيلي وجُرح المئات، يعود فلسطينيو 48 اليوم الأحد للتأكيد مجدداً أن لا غفران للجرائم التي ارتكبتها أذرع المؤسسة الاسرائيلية في تلك الأيام، خصوصاً أن ذات عقلية القمع والاستبداد والتمييز العنصري ما تزال هي المسيطرة.

وعلى الرغم من محاولات تعبئة الجماهير والتحشيد لهذه المناسبة، إلا أنها تأتي في وقت تستشري فيه الجريمة وحوادث القتل الجنائية في المجتمع الفلسطيني، والذي ينزف دماً، فأكثر من 53 شخصاً قُتلوا منذ مطلع العام، في مجتمع صغير نسبياً، ووقعت جرائم عدة في الآونة الأخيرة، باتت تحتل العناوين على حساب النشاطات الوطنية، وكأنها سحبت البساط من تحتها، وفق ما يراه بعضهم، وسط تحذير القيادات والمؤسسات العربية الفاعلة في الداخل من استفحال الوضع أكثر، "وتقديم خدمة للمؤسسة الإسرائيلية بتفكيك المجتمع والهائه عن قضاياه الجوهرية". كذلك فإن اختلاف القراءات للسياسات الإسرائيلية يحدّ من الخطوات العملية لدى فلسطينيي 48 في مواجهتها.

وفي ظل التحديات الكثيرة التي يواجهها فلسطينيو الداخل، تتعدى عناوين الذكرى موضوع المسجد الأقصى ومن سقطوا نصرة له، وفي هذا الصدد، اعتبرت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية أنه "على مر السنين، لا ترى جماهير شعبنا الصامدة في وطنها إلا تصعيداً في هجوم المؤسسة الحاكمة بكافة أذرعها، عليها، من خلال سياسة التمييز العنصري التي تشتد، ويتم إسنادها بسلسلة طويلة لا تتوقف من القوانين العنصرية والاضطهادية، لقمع الحريات، وتجريم النضال الشرعي ضد سياسات الحرب والاحتلال، والتمييز العنصري". وأضافت اللجنة: "نحن الآن في مواجهة قوانين أشد شراسة، تضاف إلى ما هو قائم، من بينها ما سمي بقانون كامينيتس، الهادف لوضع آليات وتسريع تدمير آلاف البيوت العربية، في موازاة استمرار مخططات الاقتلاع في النقب. كذلك، قانون "القومية"، والذي يهدف إلى إلغاء شرعية وجودنا قانونياً، وإلغاء اللغة العربية كلغة رسمية، على الرغم من عدم تعامل المؤسسة مع لغتنا أصلاً، إلا أن هذا البند يرمز إلى جوهر القانون الذي ينفي وجودنا كأصحاب وطن". كذلك أشارت اللجنة إلى "قانون ما يسمى "مكافحة الإرهاب"، والذي هو بحد ذاته قانون ترهيبي قمعي ضد شرعية نضالنا السياسي، وهذا ينعكس في اتساع الملاحقات السياسية والاعتقالات والمحاكمات الجائرة، ومن ضمنها استمرار اعتقال الشيخ رائد صلاح". ومنذ عام 2009 حتى اليوم جرى الاعتداء على 53 مكاناً مقدساً للمسلمين والمسيحيين، مع استهداف خاص للمساجد والكنائس، خصوصاً في منطقة القدس.


عداوة واعتقالات إدارية

يتحدث رئيس حزب "الوفاء والإصلاح" في الداخل الفلسطيني، الشيخ حسام أبو ليل، لـ"العربي الجديد"، عن الظروف التي تحل فيها الذكرى السابعة عشرة لهبة القدس والأقصى، مشيراً إلى أن "المؤسسة الإسرائيلية تزداد تطرفاً ضدنا، لا تعرف مواثيق دولية ولا حقوق مواطنة، وتتعامل معنا كأعداء في هذه الدولة"، مضيفاً: "حكومة متطرفة تجمع حولها المتطرفين، وكل فترة نسمع عن قوانين عنصرية جديدة مفصّلة ضد العرب في الداخل الفلسطيني، فضلاً عن الملاحقات السياسية، فقد خرجوا علينا هذه الفترة بإجراء جديدة هو الاعتقال الإداري".

ويرى أبو ليل أن "هذا النهج يدل على أن المؤسسة الإسرائيلية تعتبرنا أعداء، فلا ننسى استمرار مصادرة الأراضي وهدم البيوت، ودائماً هناك استفزاز للعرب في هذه البلاد، من ملاحقة وضغط"، معتبراً أن "هذا الأمر يزيد الهوّة بين المواطنين العرب والمؤسسة الإسرائيلية، التي تدّعي دائماً أنها ديمقراطية وأن العرب يأخذون حقوقهم فيها، وهذا كذب وتدليس للواقع والحقائق". ويضيف:" نحن نمر في فترة تصعيد، وهذا يحتّم علينا كفلسطينيين في الداخل أن نتكاتف جميعاً ضد هذه المؤسسة وهذه الإجراءات".

رئيس حزب "الوفاء والإصلاح" حسام أبو ليل (العربي الجديد) 

ويؤكد أبو ليل أن "قضية القدس هي قضية عقائدية ووطنية من الدرجة الأولى، ولا مساومة على حقنا في المسجد الأقصى مهما كانت الصعوبات، فهذا حق ثابت في ثوابتنا الوطنية والإسلامية ولا تنازل عنه"، مضيفاً: "عندما نحيي هذه الذكرى فإننا لا نرفع مجرد شعارات، وإنما نؤكد أننا أصحاب الحق الشرعيون في القدس والمسجد الأقصى، كما أننا نحيي أيضاً ذكرى الشهداء، لأن دماءهم سالت من أجل هذا الوطن وهذه المقدسات"، متابعاً: "نريد كذلك أن نحيي الذاكرة، فكثير من شبابنا لا يعرفون شيئاً عن هذه الهبّة وولدوا بعدها، ومن هنا أهمية أن تبقى ذاكرة شعبنا وشبابنا حية دائماً بما يتعلق بأحداث وقعت لشعبنا".

أما على مستوى تفاعل الجماهير العربية مع القضايا الوطنية، فيرى أبو ليل أن "الضغوط على الجماهير العربية كثيرة جداً، والآن نشهد زيادة في العنف والجريمة في مجتمعنا، وذلك لأن المؤسسة الإسرائيلية معنية بأن تذكي نار الفتنة وأن تُدخل السلاح والمخدرات وعائلات الإجرام إلى بلدنا، حتى تلهينا في الخلافات الداخلية"، معرباً عن أسفه "لأننا نجد أيادي عربية في الداخل تتعاون مع عائلات الإجرام ونشر السلاح، وهي أيادٍ طيّعة مع المؤسسة الإسرائيلية المعنية بترويج هذه الأمور، فضلاً عن الضغوط الاقتصادية في مجتمعنا". ويعتبر أن "هذه الأمور مع الضغوط الإقليمية والعالمية وتخلّي العالم العربي والإسلامي عنّا، تؤثر كثيراً على نشاطاتنا، فنجد مداً وجزراً في التفاعل الجماهيري مع مناسباتنا الوطنية وفعالياتها"، مستدركاً: "لكن هذا لا يعني أن الروح والمعنوية في الداخل ميتة، ففي المحصلة شعبنا حيّ ويعرف قيمة الشهداء والقدس والأقصى وقيمة الأرض مهما كانت الضغوط، ولكن شعبنا قد يحتاج إلى توعية أكبر وجهد أكبر لتبقى الذاكرة متقدة وحية بشكل أكبر".



المواطنة لا تحمينا

من جهته، يتفق الأمين العام لـ"التجمّع الوطني الديمقراطي"، امطانس شحادة، مع أبو ليل، بأن "الجريمة المستفحلة في مجتمعنا العربي في الداخل تهدف إلى تفتيته وتفكيكه، وهذا أمر محبط، ويخلق حالة إحباط تؤثر سلباً على النضال الفلسطيني في الداخل"، مشيراً إلى أن "السلطات الإسرائيلية تتعامل مع الجريمة في الوسط العربي بإهمال مقصود وتجاهل".

امطانس شحادة-سياسة-23/9/2016 

ويُعرّج شحادة في حديث لـ"العربي الجديد" على عناوين المناسبة وهذه المرحلة، موضحاً أن "هناك عنواناً أساسياً وهو تعامل الشرطة والمؤسسة الإسرائيلية مع الفلسطينيين في الداخل على أنهم أعداء، بينما المواطنة لا تحميهم من البطش"، لافتاً إلى أن "الملفات والقضايا العينية تزداد، مثل اعتقال الشيخ رائد صلاح، وملاحقة التجمّع، والاعتقال الإداري، والقتل في أم الحيران في النقب، وهدم البيوت العربية وغيرها، وهي كلها تفرض نفسها في هذه المرحلة، ففي كل عام هناك مواضيع جديدة يتم التركيز عليها، هي انعكاس للسياسة الإسرائيلية التي تستهدفنا".

معيقات النضال
على الرغم من كثرة القضايا التي تواجه فلسطينيي الداخل، فإن عثرات تقف بوجه تجديد الأدوات النضالية وتحقيق خطوات عملية. ويعزو شحادة ذلك إلى وجود "تمايز في القراءة الجوهرية للسياسات المتعلقة بالمشروع الصهيوني بين التيارات السياسية في المجتمع الفلسطيني في الداخل"، مضيفاً: "نحن نتفق على مواجهة السياسة العنصرية، لكن لا نتفق بالضرورة على الأهداف بعيدة المدى، فعملياً نعمل معاً في الأمور التي عليها إجماع أو حتى الحد الأدنى من الإجماع بين التيارات، والتي هي عملياً السياسات الحالية، كالعنصرية، العدائية، القتل وغير ذلك، فهذه الأمور تأخذ الجانب الأبرز والأوسع". ويعتبر أن "هذا التمايز يعيق الخطوات العملية في مواجهة المؤسسة، لأن الخطوات ناجمة عن الحد الأدنى من الاتفاق على الأدوات والدوافع والأسباب".

ولكن ثمة أموراً أخرى لها تأثير، وفق شحادة، "منها الأجواء والبيئة من حولنا، الإقليمية والدولية والمحلية والفلسطينية، ففيها أمور كثيرة تحدّ من إمكانات التعامل مع السياسات الإسرائيلية، وتروّض كثيراً من خطواتنا"، مضيفاً: "الأجواء العامة تؤثر كثيراً، لكن هذا لا يعفينا من أن نحاول على الأقل طرح قراءات جديدة للسياسات الإسرائيلية، والأهم الحفاظ على شعلة الاحتجاج، كي لا تكون موسمية وفي المناسبات فقط، لأن هناك سياسة منهجية على مدار الساعة من قبل المؤسسة الإسرائيلية، وهناك حاجة لمراجعة أدوات النضال".

ويوجّه شحادة "رسائل لمجتمعنا الفلسطيني في هذه المناسبة بأن عليه عدم نسيان هذا الحدث، هبة القدس والأقصى، ومعانيه السياسية التي كشفت زيف الديمقراطية الإسرائيلية ووهم الاندماج، وأن الدولة تعامل العرب كأعداء وليس كمواطنين"، مشيراً إلى "أننا بحاجة للإبقاء على هذه الذاكرة وألا ننسى القمع والقتل من قبل المؤسسة، وشهداءنا الذين هم جزء من شهداء الشعب الفلسطيني عامة، ونقول للمؤسسة الإسرائيلية لن ننسى ولن نغفر". ويقول: "رغم أن ملفات التحقيق مع رجال الشرطة الذين قتلوا الشهداء أغلقت، وكذلك كل ملف هبة القدس والأقصى، من قبل الحكومة، لكنها تبنّت كثيراً من توصيات لجنة اور التي أعقبت الأحداث، أبرزها ملاحقة الحركة الإسلامية الشمالية التي تم حظرها، وكذلك ملاحقة التجمّع حتى اليوم والعديد من الناشطين في الداخل، وأيضاً الترويج لما يسمى بالخدمة المدنية وفرضها، حتى طرح الخطة الاقتصادية للعرب ورد في تقرير لجنة أور ولجنة لبيد، وتجرى محاولة لاستغلالها بما يخدم المؤسسة الإسرائيلية".

لن ننسى الشهداء

رأفت خمايسي 

رأفت خمايسي، شقيق شهيد هبة القدس والأقصى محمد خمايسي، من كفركنا، يقول إنه "يجب ألا ننسى أن أبناءنا استشهدوا من أجل القضية الأولى للأمة، قضية القدس والأقصى". ويشدد على ضرورة "الحفاظ على هذه القضية وعدم التفريط فيها وفاء للشهداء"، مستنكراً "الاعتقالات التعسفية التي تطاول كل نصير للمسجد الأقصى". ويؤكد خمايسي أن أُسَر الشهداء في الداخل "تعتز بالانتماء لذوي شهداء شعبنا الفلسطيني البطل الذي ضحّى وما زال لنيل حقوقه وللحفاظ على هويته ووطنه"، معتبراً أنه "يجب تعميق هذه القيم والمفاهيم أكثر لدى شعبنا". ويشدد على أن أهالي الشهداء لم يتنازلوا عن مطلب محاكمة قتلة أبنائهم، على الرغم من قيام المؤسسة الإسرائيلية بإغلاق ملف التحقيق كاملاً"، موضحاً أن "مطلبنا الأساس لا يزال ملاحقة المجرمين الذين قتلوا أبناءنا مهما طال الزمان أو قصر، ولا يضيع حق وراءه مطالب".