تضييق الخناق على كردستان: ضغوط سياسية واقتصادية وعسكرية

تضييق الخناق على كردستان: ضغوط سياسية واقتصادية وعسكرية

01 أكتوبر 2017
رفضت إدارة الإقليم تسليم مطاري أربيل والسليمانية (يونس محمد/Getty)
+ الخط -
يضيق الخناق على إقليم كردستان، في ظل اتساع الإجراءات العراقية التركية الإيرانية تجاهه، مع توعّد أنقرة لإدارة الإقليم بـ"دفع الثمن" بعد إصرارها على إجراء الاستفتاء على الانفصال عن العراق، في وقت بدأت تبرز فيه خلافات في الإقليم، الذي يحاول مسؤولوه مواجهة الإجراءات ضده، مشدداً على رفضه سياسة "العقوبات الجماعية".

وبدا الموقفان التركي والإيراني تجاه كردستان بعد الاستفتاء متجانسين، أكثر من أي وقت مضى، بحسب مصدر حكومي عراقي، أكد لـ"العربي الجديد" أن اتصالات بغداد مع طهران وأنقرة مستمرة على مدار الساعة من أجل الضغط على الإقليم لإرغامه على إلغاء نتائج الاستفتاء والعودة إلى طاولة الحوار كجزء من العراق. وأشار إلى أن الأتراك طرحوا مسألة وصول القوافل والرحلات التركية إلى العراق التي كانت تمر عبر الإقليم، موضحاً أن الإيرانيين اقترحوا فتح منفذ لدخول هذه القوافل إلى الأراضي الإيرانية ثم إلى العراق من دون المرور بكردستان في حال طال أمد الحصار.

وفي السياق، أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن إدارة إقليم كردستان ستدفع ثمن إصرارها على إجراء استفتاء الانفصال، على الرغم من معارضة تركيا، مشدداً على أن كركوك تركمانية. وخلال كلمة ألقاها في اجتماع لحزب "العدالة والتنمية" في ولاية أرضروم، قال أردوغان: "كانوا في الماضي يأخذون منا جميع أنواع الدعم، ولكن إدارة شمال العراق قامت باتخاذ خطوتها على الرغم من اعتراض بلادنا، وبما أن الأمر كذلك، فإنهم سيدفعون الثمن". وأشار أردوغان إلى أن دول الجوار العراقي في حالة تواصل مستمر مع الحكومة العراقية. ونقلت وكالة "إخلاص" التركية قوله: "نحن كدول الجوار، إيران والحكومة المركزية (العراقية) والطرف السوري، في حالة تواصل مستمر، وجاهزون لأي تطورات سلبية". كما اعتبر أردوغان أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أدت دوراً في تنظيم الاستفتاء، وقال "إن لهذه الإدارة تاريخاً مشتركاً مع الموساد. إنهما يسيران يداً بيد".

من جهته، حمّل رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، إدارة إقليم كردستان وحدها، المسؤولية عن العواقب التي ستحصل مستقبلاً. وفي كلمة له في المؤتمر الرابع لفرع حزب "العدالة والتنمية" في ولاية قوجه إيلي، لفت إلى أن تغيير الوضع وجهود إنشاء دولة مصطنعة على الحدود الغربية الجنوبية لتركيا، تعد مسألة تمس الأمن القومي التركي.


في هذه الأثناء، أعلن المتحدث الأول باسم القوات المسلحة الإيرانية، مسعود جزائري، أن قوات من الجيشين الإيراني والعراقي ستجري مناورات عسكرية مشتركة، في الأيام المقبلة، على الشريط الحدودي الغربي لإيران، المحاذي لكردستان، وستمتد لتشمل كافة المناطق القريبة من المعابر الحدودية الإيرانية مع الإقليم. وأوضح جزائري، عقب اجتماع بين رئيسي الأركان الإيراني محمد باقري والعراقي عثمان الغانمي، أنهما بحثا كل السيناريوهات الممكنة لضمان استقرار الشريط الحدودي، كما تم الاتفاق على السماح للقوات العراقية بالاستقرار في قواعد ومراكز حدودية. وكانت مؤسسة النقل الإيرانية أعلنت، مساء الجمعة، تجميد نقل المشتقات النفطية من الإقليم وإليه.

في مقابل ذلك، برزت مواقف تصعيدية من إدارة الإقليم، إذ رفض وزير النقل في إقليم كردستان، مولود باوه مراد، تسليم مطاري أربيل والسليمانية إلى السلطات العراقية، مؤكداً أن الإقليم لن يسمح بمجيء أي شخص من الحكومة العراقية إلى مطارات كردستان. في المقابل، أكدت المنشأة العامة للطيران المدني العراقي أمس إصرارها على إخضاع مطاري أربيل والسليمانية لإجراءات هيئة المنافذ الحدودية في بغداد، مشددة على ضرورة تسليم المطارين للحكومة الاتحادية. بينما أكد مدير مطار السليمانية، طاهر عبدالله، توقف الرحلات الجوية الخارجية لجميع دول العالم في المطار منذ ليلة الجمعة.

في هذه الأجواء، تتزايد المخاوف من انزلاق الأزمة إلى استخدام القوة. ورجح رئيس الجبهة التركمانية العراقية، أرشد الصالحي، في تصريح صحافي، حدوث صدام عسكري في المستقبل بسبب تفاقم الأزمة واستمرار كردستان بمواقفه التصعيدية. وفي السياق، حذّر المتحدث باسم "حركة بابليون" المسيحية، دريد جميل، الأكراد من محاولة الاستيلاء على المناطق المسيحية في العراق.

تصاعد التوتر وإصرار سلطات بغداد على رفض أي حوار قبل التراجع عن الاستفتاء، يبدو أنه يغلق المجال أمام أي مسعى للحل. ونفت الحكومة العراقية، أمس، أنباء عن وساطة فرنسية بين الحكومة العراقية والإقليم. وأصدر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء حيدر العبادي بياناً أوضح فيه أن زيارة الأخير المرتقبة إلى فرنسا لا علاقة لها بالاستفتاء.
هذا الأمر قد يُسقط محاولات كردية لفتح باب الحوار مع الحكومة العراقية. وقال مسؤول كردي لـ"العربي الجديد"، إنّ "العقوبات التي فرضت على إقليم كردستان والحصار الشديد على الحدود، لا يمكن مقاومته من قبل الإقليم". وأوضح أنّ "قيادات الإقليم تريد الحوار مع بغداد"، مشيراً إلى أنّ "طروحات كثيرة قدمت لرئيس الإقليم مسعود البارزاني لأجل التخلص من تلك العقوبات، وأنّ الحوار يجري حالياً لدراسة تجميد الاستفتاء لمدة عامين، كفرصة لفتح الحوار مع بغداد ورفع العقوبات عن الإقليم".

وأكد عضو البرلمان العراقي عن الحزب "الديمقراطي الكردستاني" (حزب البارزاني)، محمد عثمان، أن الحوار هو الحل الأمثل لهذه الأزمة، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن بغداد لم تتفق مع أربيل على عقد اجتماع، وهي رافضة لذلك لغاية الآن، ووضعت شروطاً لإجراء الحوار. وأضاف أن "العقوبات التي فُرضت على كردستان ليست سهلة، وأن الإقليم اعتاد على العمل كدولة مستقلة منذ فترة"، لافتاً إلى عدم وجود أي تراجع كردي عن الاستفتاء، ما عدا أحاديث عن التريث أو التجميد، بحسب قوله. من جهته، انتقد عضو البرلمان العراقي، السياسي الكردي محمود عثمان، لـ"العربي الجديد"، قرارات البرلمان العراقي الأخيرة تجاه الإقليم، معتبراً أن "مجلس النواب تحوّل إلى مجلس حرب".

في المقابل، فإن الموقف الحكومي العراقي لم يكن منفرداً هذه المرة كما في الأزمات السابقة، بحسب عضو "اتحاد القوى" محمد عبدالله، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن الخصوم المحليين والإقليميين تجاوزوا خلافاتهم وتوحّدوا ضد الاستفتاء. وأضاف: "شهدنا تنسيقاً عالياً بين تركيا وإيران، كما تجاوزت الكتل السياسية الخلافات وأصدرت موقفاً برلمانياً موحّداً داعماً للحكومة". ويشهد برلمان كردستان انقساماً عميقاً بعد استقالة سكرتيره، فخر الدين قادر، وعضوين آخرين فيه أمس. وأكد مسؤول كردي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الضغوط التي يمارسها البارزاني على برلمان الإقليم تدفع باتجاه تفككه".

المساهمون