طرد الدبلوماسيين يزيد من تأزم العلاقات بين موسكو وواشنطن

تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين واشنطن وموسكو بعد طرد الدبلوماسيين

03 سبتمبر 2017
علاقات البلدين تدخل مرحلة الأزمة (الأناضول)
+ الخط -

ثلاث بعثات دبلوماسية فرعية لروسيا في الولايات المتحدة، أغلقت أمس السبت أبوابها بناء على طلب وزارة الخارجية الأميركية، في خطوة تأتي كجولة في حرب دبلوماسية ناشبة بين واشنطن وموسكو منذ ديسمبر/ كانون الأول 2016.

آنذاك قررت إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، معاقبة الروس على تدخلهم في انتخابات الرئاسة، بإقفال مركزين "للراحة والاستجمام"، تابعين للسفارة الروسية في جوار واشنطن ونيويورك وطرد 35 دبلوماسيا روسيا منهما.

تردد في حينه أن الروس استخدموا الموقعين لأغراض تجسسية، وأن إدارة أوباما تعمدت أخذ هذا الإجراء لتعقيد وعرقلة علاقة إدارة الرئيس دونالد ترامب القادمة مع الكرملين، المشتبه به بلعب دور ساعد الرئيس الجديد على الفوز بالرئاسة. في حينه امتنع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين عن الرد. انتظر على ما يبدو قدوم ترامب لإعادة المياه إلى مجاريها.

لكن الرئيس ترامب لم يقو على ذلك. التحقيقات الروسية وضعت الكثير من القيود على حركته، بل مكّنت الكونغرس أخيراً من تكبيله بالمزيد من القيود حيث فرض وبأغلبية كاسحة عقوبات جديدة على موسكو واضطر ترامب على الموافقة لأنه لا يملك الأكثرية اللازمة لاستخدام "الفيتو" ضد قرار الكونغرس.

رد بوتين بطلب خفض العاملين في السفارة الأميركية وملحقاتها في روسيا بـ 755 معظمهم موظفون محليون روس، ابتداء من أول الشهر الجاري. والآن جاء دور واشنطن التي اتخذت قرار الإغلاق. مسلسل من الردود تحت ستار المعاملة بالمثل، من المتوقع أن تواصله موسكو بخطوة مقابلة، حسب تلميح وزير الخارجية، سيرغي لافروف.

جولات الانتقام الدبلوماسي المتبادلة ليست جديدة بينهما، فقد عرفها زمن العداء السوفييتي – الأميركي وما تلاه من زمن الخصومة.

سنة 1986 قامت إدارة رونالد ريغان بطرد 25 من الدبلوماسيين الروس العاملين في تمثيلية موسكو في الأمم المتحدة بنيويورك. الإجراء كان خارجاً على الأصول، نظرا لكون الأمم المتحدة ومحيطها لا تخضع للقانون الأميركي إلا في حال وقوع أعمال جرمية. واشنطن تذرعت بأن المستهدفين مارسوا التجسس على أميركا، ورد الكرملين بطرد 5 دبلوماسيين أميركيين من موسكو. على الفور قامت الإدارة بسحب الحصانة عن 55 دبلوماسيا سوفييتيا عاملين في السفارة بواشنطن وطلبت منهم مغادرة البلاد في ظل أجواء من التوتر العالي الذي حمل موسكو على الرد ولو الرمزي بطرد 5 دبلوماسيين أميركيين آخرين.

ثم تكرر المشهد وبصورة لافتة عام 2001 عندما أقدمت إدارة جورج بوش على مطالبة 50 دبلوماسيا روسيا بمغادرة واشنطن.

ففي كل مرة يرتفع بارومتر التوتر بينهما، تندلع جولة من هذه اللعبة التي صارت جزءا من تاريخ العلاقة الأميركية – الروسية المتموّجة بين التأزم والانفراج.

الجديد في الحالة الراهنة خلافاً للسوابق، أنها من نوع التوتر الإجباري المفروض على صاحبي القرار. لا ترامب سعى إليه ولا بوتين أراده، وتجمع بينهما الخيبة. الأول، خاب أمله في ترجمة تودده البالغ لبوتين ورغبته في إقامة علاقة مميزة معه، ربما من باب "رد الجميل".

والثاني خيبته حسابات المراهنة على ترامب وعجزه عن ردع الكونغرس وتحسين أجواء العلاقات مع موسكو. ومع ذلك حفظ كلاهما خط الرجعة، فبوتين لم يقفل حتى الآن، ملحقيات دبلوماسية أميركية في روسيا، وترامب حرص أمس ألا يشمل قرار الإغلاق، طرد دبلوماسيين روس.

لكن الاعتقاد الراجح في واشنطن أن الخلل بين الكبيرين يصعب تصحيحه في ضوء الظروف الراهنة. الرئيس ترامب خسر الكثير من رأسماله السياسي، حتى مع الجمهوريين وبالتالي ليس بمقدوره تعويم بوتين في واشنطن. ومن جهته، يدرك الرئيس بوتين واقع حال رئاسة ترامب وعمق مأزقها أكثر من غيره وبما يسمح بالاعتقاد بأنه أسقط ورقة المراهنة عليه ليعمل على زيادة إرباك واشنطن في ساحات خارجية مكلفة مثل أفغانستان وكوريا الشمالية وربما سورية.

وما يعزز هذا الاحتمال أن تردي العلاقات بين واشنطن وموسكو جرى بصورة طردية مع تقدم التحقيقات الروسية المتوقع أن تفضي إلى ما يوسّع الهوة بين الطرفين. معطيات تدعم توقعات خبراء كثيرين بأن العلاقات مع موسكو سائرة نحو المزيد من التعقيد والتدهور قبل أن تدخل في طريق الانفراج. مسار مكلف لقضايا ونزاعات وحروب بالوكالة في أكثر من زاوية في العالم.

المساهمون