حوادث بحر الصين تُقلق المؤسسة العسكرية الأميركية

حوادث بحر الصين تُقلق المؤسسة العسكرية الأميركية

04 سبتمبر 2017
حاملة "يو.أس.أس.جورج واشنطن"، ببحر الصين عام 2013(مارتن أبوغاو/فرانس برس)
+ الخط -
تجاوزت حصيلة القتلى في صفوف الجيش الأميركي، جراء الحوادث التي تعرضت لها سفن وطائرات عسكرية أميركية منذ شهر مايو/ أيار الماضي، عتبة الأربعين قتيلاً، بحسب إحصاءات رسمية كانت قد صدرت قبل حادثة تحطم مروحية عسكرية من طراز "توما هوك" يوم الجمعة الماضي، خلال طلعات تدريبية قبالة السواحل الجنوبية لليمن.

ولعل حادثة الاصطدام التي تعرضت لها المدمرة "جون ماكين يو أس إي"، الاثنين الماضي، في بحر الصين، وأسفرت عن فقدان عشرة جنود من "المارينز"، هي التي دقت ناقوس الخطر جدياً داخل المؤسسة العسكرية الأميركية وفي الكونغرس الذي دعا كبار جنرالات الجيش إلى جلسات استماع، الشهر المقبل، للاطلاع على وجهات نظرهم وتفسيراتهم بشأن أسباب تكرار حوادث البحرية الأميركية في المياه الآسيوية هذا العام.

وقبل شهرين، وقعت حادثة مماثلة عندما اصطدمت المدمرة "فيتزجيرالد" بسفينة نقل يابانية أدت أيضاً إلى مقتل سبعة بحارة وإلحاق أضرار كبيرة بالمدمرة الأميركية. وقد أعلن البنتاغون عقب الحادثتين عن القيام بمراجعة شاملة للعمليات في بحر الصين والبدء بإجراء تحقيقات دقيقة في أسباب وقوع تلك الحوادث. وقررت القيادة العسكرية إقالة عدد من كبار الضباط في البحرية بعد اتهامهم بالتقصير، بينهم قائد الأسطول السابع في البحرية الأميركية، اللواء جوزيف كوين.

ولا تستبعد التحقيقات التي بدأتها البحرية الأميركية، فرضية تعرض القطع الحربية الأميركية لأعمال تخريبية مقصودة من خلال هجمات إلكترونية على أنظمة التحكم في المدمرتين "جون ماكين" و"فيتزجيرالد"، من قبل "قراصنة" أو دول معادية للولايات المتحدة. وهذه الفرضية مرجحة نظراً إلى أن هاتين المدمرتين تنتميان إلى الأسطول الأميركي السابع نفسه الذي يتمركز في قاعدة عسكرية في اليابان ويضم عشرات المدمرات وحاملات الطائرات والقوارب الحربية، إضافة إلى عشرين ألف جندي.


وتقع على عاتق الأسطول الأميركي السابع مهمة الدفاع عن حلفاء الولايات المتحدة في شبه الجزيرة الكورية. وهذا ما يجعل الخبراء العسكريين ينظرون بريبة إلى الحوادث التي تعرضت لها البحرية الأميركية في المياه الآسيوية تزامناً مع تصاعد التوتر مع كوريا الشمالية وتزايد احتمالات قيام مواجهة عسكرية في شبه الجزيرة الكورية. كما تطرح هذه الحوادث تساؤلات وشكوكاً حول مدى جهوزية القطع العسكرية الأميركية في شبه الجزيرة الكورية وقدرتها اللوجستية في حال اندلاع حرب مفتوحة مع كوريا الشمالية أو أي احتكاك عسكري مع الصين. وتسود حالة من عدم اليقين في منطقة بحر الصين، في ظل توتر العلاقات الأميركية - الصينية وعدم اتضاح الاستراتيجية التي ستعتمدها إدارة الرئيس دونالد ترامب، حيال الملفات العالقة مع بكين، وفي مقدمتها ملف المنافسة العسكرية للسيطرة على الممرات الاستراتيجية في المياه الآسيوية.

وينظر الخبراء الأميركيون إلى بحر الصين باعتباره أرض اختبار رئيسية للمنافسة الصينية - الأميركية. وتتصاعد القوة العسكرية للصين، خاصةً قوتها البحرية، فيما تحاول الولايات المتحدة الحد من قوة الصين للحفاظ على التفوق الإقليمي لها. وتكمن أهمية بحر الصين الاستراتيجية في كونه ثاني أكثر الممرات البحرية، على مستوى العالم، ازدحاماً بالحركة، وتمرُّ به شحنات تجارية قيمتها خمسة تريليونات دولار، أي نصف حركة الشحن في العالم. وتتناثر فيه أكثر من 250 جزيرة، أهمها "نانشاتشيونداو، وشيشاتشيونداو، وتشونغشاتشيونداو"، ويضم بعض الممرات الاستراتيجية المهمة التي تتحكم بالنسبة الأكبر من حركة الملاحة البحرية الدولية، كممر "سوندا" الذي يصل جنوب شرق آسيا بأستراليا، وممر "لومبو" الذي يربط إندونيسيا بالمحيط الهندي، و"ملقا" الذي يربط المحيط الهادئ بالهندي، حيث تمر نحو 70 بالمائة من ناقلات النفط في طريقها من الشرق الأوسط إلى شرق وجنوب شرق آسيا، وكذلك أكثر من نصف سفن شحن التجارة الدولية.

لذلك، ظلت السيطرة على المحيط الهادئ، خاصةً على بحري الصين الشرقي والجنوبي، تشكّل طموحاً استراتيجياً للقوى الكبرى على مرّ العصور. وهذه المنطقة تمثل الموقع البحري المحوري من الناحية الجيوسياسية، لإطلالها على جنوب الصين وشمال إندونيسيا وشرق فيتنام وغرب ماليزيا.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن جنرالات متقاعدين في الجيش الأميركي تخوفهم من تدهور كبير في أداء البحرية الأميركية وقوة الردع الأميركية، وهم يرون أن ما تعرضت له السفن الحربية الأميركية من حوادث عرضية تسببت بخسائر بشرية ومادية كبيرة ستلحق أضراراً كبيرة بصورة الجيش الأميركي في العالم. ويعزو هؤلاء الجنرالات تلك الحوادث إلى قدم المعدات العسكرية وتراجع مستوى دورات تدريب الجنود والعاملين على متن السفن الحربية الأميركية التي دخلت إلى الخدمة منذ عقود. ويشيرون إلى أنه خلال العقدين الماضيين انخفض عدد القطع العسكرية البحرية عشرين في المائة، من دون إدخال أي تغيير على خريطة الانتشار والمهمات. وهذا ما يفسر، برأي الجنرالات، تراجع أداء الأسطول السابع الذي أنهكته المهام الموكلة إليه، وأرهقت الضباط والجنود، ما أدى إلى أخطاء مميتة تسببت بأربع حوادث تعرضت لها سفن عسكرية أميركية هذا العام في المحيط الهادئ، ما أثار مخاوف جدية من أن تكون البحرية الأميركية تعمل فوق طاقتها في مواجهة الصين وكوريا الشمالية، وفق اعتقاد الجنرالات الأميركيين المتقاعدين.

المساهمون