السفير الأميركي لدى إسرائيل إذ يكشف دوره كمندوب لها

السفير الأميركي لدى إسرائيل إذ يكشف دوره كمندوب لها

29 سبتمبر 2017
فريدمان اعتبر "حل الدولتين بات بلا معنى"(ميناهيم كاهانا/فرانس برس)
+ الخط -
أن يكشف السفير الأميركي في إسرائيل، دافيد فريدمان، عن حقيقة دوره كمندوب لإسرائيل مكلف بتمثيل واشنطن فيها أمر غير مفاجئ ولو أنه غريب، فالرجل معروف بدفاعه واحتضانه القديم سياسات تل أبيب، وفي طليعتها بناء المستوطنات، والتي سبق أن شغل رئاسة منظمة أميركية متخصصة في دعم توسعها، لكن الأغرب أن تسكت الخارجية الأميركية وتتلعثم في الرد على تجاوز السفير لدوره الوظيفي و"اغتصابه" مهمة صانع السياسة الأميركية تجاه الاستيطان. 

في مقابلة معه في مقر عمله قال السفير إن "المستوطنات جزء من إسرائيل (..) التي ستحتفظ بجزء كبير من الضفة في أية تسوية". ولتوضيح موقفه أكثر أضاف أن "حل الدولتين بات بلا معنى".  

كلامه استوقف جهات كثيرة لما فيه من تضارب مع الموقف الذي اعتمدته الإدارات الأميركية المتعاقبة على ميوعته. على الأقل ظل يتلطى وراء مقولة إن الصيغة النهائية تتحدد بالمفاوضات. 

وما استوقف أكثر أن وزارة الخارجية لاذت بالصمت وتجاهلت الموضوع، الأمر الذي أثارته الصحافة في لقائها أمس مع الناطقة الرسمية، هيذر ناويرت، والتي بدا الإحراج واضحاً في ردها على الأسئلة والاستفسارات التي انهالت عليها، والتي دارت حول ما إذا كان السفير قد تشاور مسبقاً مع مرجعيته في الوزارة بما سمح له بالتعبير عن موقف الإدارة أم أنه يقوم برسم السياسة والإعلان عنها بنفسه. 

 

المتحدثة التي أربكها هذا التطور لم يكن لديها ما تقوله سوى إن السفير "لا يتحدث باسم الوزارة"، وإن ما صدر عنه "لا يمثل تغييراً" في السياسة الأميركية المعتمدة تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، الأمر الذي صبّ الزيت على نار الجدل خلال اللقاء، خاصة عندما قالت إن الوزير ريكس تيلرسون "في هذه اللحظة على متن الطائرة في طريقه إلى الصين، ولم تتسنّ له بعد الفرصة للتعليق على كلام السفير". لكن التعليق لم يصدر عن الخارجية، لا قبل هبوط الطائرة في بكين، ولا حتى هذه اللحظة. 

ما جاء في رد الناطقة، والتي لم يكن في جعبتها غير تكرار المكرر بشأن هذا التطور، يعكس، بل يؤكد، حقائق متداولة عدة في واشنطن: أولاها أن وزارة الخارجية لا حول ولا قوة لها، وأن دور تيلرسون في الملف الفلسطيني  الإسرائيلي مصادر تماماً، بعد أن وضعه الرئيس في عهدة صهره جاريد كوشنر وفريقه. 

ثانيها أنه ليس لدى هذا الفريق، بالرغم من زيارات عدة قام بها إلى المنطقة، غير الوعود المعسولة التي تغلّف طروحات بنيامين نتنياهو التي يتردد أنها تدور في إطار "حكم ذاتي موسّع" لتقديمها في الظرف المناسب من باب أن ليس بالإمكان أكثر مما كان.

فما قاله السفير لا يندرج في خانة زلة اللسان، بقدر ما هو مقدمة لبلورة هذا التوجه والتمهيد له، وإلّا كان من الطبيعي أن يصدر تصحيح عن كوشنر وفريقه، وبما يرد على كلام فريدمان، والذي لا يبدو أن ما قاله كان زلة لسان، بل هو من وحي ما يجري طبخه وإعداده لـ"الحل التاريخي" الذي وعد به الرئيس ترامب، وبذلك فما جاء على لسانه ليس سوى تحصيل حاصل لتخلي إدارة ترامب عن تبني صيغة الدولتين.

وعد الرئيس في هذا المجال لا يختلف عن وعوده في بقية المجالات، الداخلية منها والخارجية. حتى الآن كان نصيبها إما الانهيار، مثل مشروع الرعاية الصحية، وإما التراجع والتجميد، مثل التحدي الكوري الشمالي، وإما التعليق حتى إشعار آخر. 

وما يزيد من التعثر أن أوضاع الإدارة الداخلية تتكشف عن مزيد من الإرباكات التي تسرع في تآكل الصدقية. آخرها جاء على شكل فضائح تعكس صورة الفساد الحكومي المستشري الذي وعد ترامب بتنظيفه. 

وزير الصحة في إدارته، توم برايس، تبيّن أنه صرف نحو مليون دولار على أسفاره منذ شهر مايو/ أيار الماضي، والتي استخدم فيها طائرات خاصة أو عسكرية؛ كان بالإمكان الاستعاضة عنها بالطيران التجاري. 

كذلك وزير داخليته كلّف الخزينة 12 ألف دولار لرحلة جوية خاصة بين ولايتين، كلفتها بالطيران التجاري 300 دولار. تضاف إلى ذلك الضجة المتزايدة حول تأخر الإدارة في التعامل مع كارثة الإعصار الذي ضرب جزيرة بورتوريكو الأميركية، واشتباك الرئيس مع لاعبي كرة القدم بسبب رفضهم الوقوف عند عزف النشيد الوطني في بداية المباراة. كل ذلك يجري في وقت تتفاقم فيه الأزمات والتحديات الخارجية التي بدت إدارة ترامب مرتبكة حيالها. 

يبدو أن السفير اغتنم فرصة هذه الخلطة ليعرض الخطوط الرئيسية لصيغة الحل المزعوم القائم على شطب فكرة الدولتين، والذي يعززه تجاهل البيت الأبيض لما نطق به المندوب الإسرائيلي فريدمان.