اجتماعات الحلّ الليبي: رحلة الألف ميل مليئة بالحواجز

اجتماعات الحلّ الليبي: رحلة الألف ميل مليئة بالحواجز

27 سبتمبر 2017
وجه سلامة مجموعة من الرسائل في كلمته(العربي الجديد)
+ الخط -
تكتسب جولة الحوار الليبية الجديدة، التي انطلقت أمس الثلاثاء، في تونس، بين لجنتي الحوار عن مجلسي الدولة ونواب طبرق من أجل تعديل الاتفاق السياسي الذي يعرف باسم اتفاق الصخيرات، أهمية استثنائية نظراً لحجم الرهانات المحلية والدولية عليها لتكون بداية استئناف مسار الحل السياسي في ليبيا بعد سنوات طويلة من التعثر، وذلك من بوابة تقبّل مختلف الفرقاء الليبيين لخارطة الطريق الأممية الجديدة والتعامل معها، خصوصاً أن المباحثات تتمحور حول المادة 8 من الاتفاق، المتعلقة بالجيش، وتوسعة مجلس الدولة، الذي يطالب به مسؤولون من الشرق بالخصوص. وتتركز الجهود على تعديل المواد الخلافية التي عرقلت تطبيق الاتفاق السياسي طيلة السنتين الماضيتين.

وقد تم ترشيح 6 أعضاء من لجنتي الحوار الممثلتين لمجلس النواب ولمجلس الدولة للمشاركة في الاجتماع، لتنطلق بعدها لجان الصياغة في إجراء تعديلات على الاتفاق السياسي، على أن يتم تشكيل ورشات عمل بغية التوصل إلى تعديل نصوص الاتفاق.

وستكشف اجتماعات تونس عن مدى نجاح المساعي الدولية والإقليمية المستمرة منذ شهور، بغية إقناع الأطراف الليبية بخارطة الطريق الجديدة التي قدمتها الأمم المتحدة بعد فترة قصيرة من تولي مبعوثها الجديد غسان سلامة مهماته خلفاً لمارتن كوبلر، والتي تحظى بدعم العديد من الأطراف الدولية والإقليمية، بما في ذلك دول الجوار الليبي والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي.

وتعقد الجولة الجديدة في توقيت سياسي حاسم وبالتزامن مع تطورات عسكرية عدة تشهدها ليبيا، إن في ما يتعلق بالمعارك المستمرة بين القوى الليبية المتصارعة والتي انتقلت أخيراً إلى صبراتة، أو في ما يتعلق باستمرار المعارك ضد داعش بما في ذلك المشاركة الأميركية عبر الغارات التي تشنها الطائرات من دون طيار.

ويرى مراقبون للشأن الليبي أن إطالة أمد الصراع بين الأطراف في ليبيا كانت من أجل إيصالهم إلى قناعاتهم الحالية بعدم جدوى الاحتكام للسلاح، وأن البديل لرأب الصدع هي الحلول السياسية، ولعل أبرز مثال على ذلك تحول اللواء خليفة حفتر، الذي يزور إيطاليا، من طامح لحكم البلاد بالسلاح إلى رجل يفاوض من أجل الحصول على منصب باللين والسياسة. كما أن ائتلاف فجر ليبيا الذي شكل طرفاً مهماً في الصراع المسلح أخيراً تفكك بشكل كبير، وظهرت مكانه قوتان، الأولى في طرابلس تابعة لحكومة الوفاق، والأخرى في مصراتة ومدن أخرى تؤيد حكومة الإنقاذ والمؤتمر.


وحرص المبعوث الأممي، خلال كلمته التي ألقاها أمس بالتزامن مع بدء الجلسات، على توجيه رسائل عدة للمشاركين، أولاها تتعلق بضرورة احترام شرعية التعدد لأنها أساس الديمقراطية، مبيناً أنه يجب التفاعل والإنصات للآخر وهو أمر ضروري. ثاني الرسائل أن الاجتماع يعكس موقفاً صريحاً من دول العالم المجاورة والبعيدة العظمى وحتى الأصغر يدعم تعديل الاتفاق السياسي، ويعول على الأطراف الليبية للوصول إلى تعديلات تكون بالتفاهم بين الطرفين وذلك في أقرب وقت، لكن من دون تسرع أو تلكؤ، معتبراً أن حضور ممثلي الأمم المتحدة والاتحادين الأفريقي والأوروبي في هذا الاجتماع دليل على أهمية هذا الاجتماع.

أما ثالث رسائل غسان سلامة فتتعلق باتفاق الصخيرات، إذ شدد على أنه يبقى هو المرجع وإطار العمل. وأضاف "مما لا شك فيه أنه بحاجة إلى مزيد من التعديل، وأن شرعيته ستتعزز لو تم إقناع الليبيين بدعمه وتأييده لتتوسع رقعة الإجماع حوله وإتمام النقلة النوعية التي ستتوج بانتخابات عامة ونزيهة". وكان اتفاق الصخيرات قد وقع في 17 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2015، وأسفر عن انبعاث مجلس رئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ومجلس الدولة وتمديد عمل مجلس نواب طبرق، لكن الأخير رفض المصادقة على اتفاق الصخيرات وطالب بإدخال تعديلات عليه.

كما حرص سلامة في كلمته على تأكيد أنه لا يحاول فرض تصور خارجي للأزمة، وذلك بقوله إن ما قدمه من مقترحات في خارطة الطريق هو أفكار من الليبيين أنفسهم ومن مختلف أرجاء البلاد ممن يطالبون بمصالحة وطنية شاملة وبدولة مستقرة وبمؤسسات ثابتة وفعالة تتجاوز مصالح الأشخاص في سبيل المصلحة الوطنية، وتتعالى عن العصبيات من أجل الوطن الواحد، لأنه لا سيادة من دون دولة تذود عنها، ولا وقف للتدخلات الخارجية إلا بدولة تصدها، مضيفاً أنه لا دولة بدون وحدة وطنية وتمسك شامل بالصالح العام وبمؤسسات ثابتة.

وكان المبعوث الأممي قد أعلن في العشرين من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، عن خارطة للطريق في ليبيا تتضمن ثلاث مراحل تبدأ بتعديل الاتفاق السياسي، وتمر عبر مؤتمر وطني لتمثيل كل الأطياف في العملية السياسية في ليبيا. ويهدف المؤتمر إلى فتح الباب أمام أولئك الذين تم استبعادهم، وأولئك الذين همشوا أنفسهم، وتلك الأطراف التي تحجم عن الانضمام إلى العملية السياسية، لتنتهي المرحلة الثالثة في غضون سنة بانتخابات رئاسية وبرلمانية لإنهاء الفترة الانتقالية في البلاد. ومن بين الأفكار التي يتبناها سلامة في خارطة الطريق "إقامة حوار مع الجماعات المسلحة، بهدف إدماج أفرادها في نهاية المطاف في العملية السياسية والحياة المدنية، وتوحيد الجيش الوطني، ومواصلة جهود المصالحة المحلية وتكثيفها، واتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة قضية النازحين".

من جهته، لفت رئيس المجلس الأعلى للمصالحة في ليبيا، محمد الهوش، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الأطراف المجتمعة من لجنتي الحوار في البرلمان الليبي والمجلس الأعلى للدولة والمختصتين بتعديل اتفاق الصخيرات يسعون إلى إيجاد أرضية توافق للقيام بالتعديلات اللازمة. ولفت إلى أن نقاط الخلاف تتعلق أساساً بالمادة الثامنة والتي تهم الجانب العسكري وتلك المتعلقة بالمجلس الرئاسي وتقليصه إلى رئيس ونائبين. وأوضح أن أغلب الاتفاقيات تتضمن نقاطاً خلافية لا ترضي كافة القواعد الشعبية، ولكن لا توجد حلول أمام لجنتي الحوار في البرلمان والمجلس الأعلى سوى الاتفاق.

بدوره، قال النائب في برلمان طبرق عن منطقة الجنوب، الهادي الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ جلسة أمس تعتبر افتتاحية للجنة التعديلات المنبثقة عن مجلس النواب ومجلس الدولة، وأنهم اجتمعوا مع المبعوث الأممي لتدارس خطة العمل التي ستكون في إطار زمني محدد للقيام بالتعديلات اللازمة.

وقال الصغير إنه ستنبثق عن لجنتي الحوار لجنتا صياغة لا تتجاوز 6 من مجلس النواب و6 من مجلس الدولة، وستقوم بصياغة الرؤى السياسية للوصول إلى توافق بين اللجنتين، مشيراً إلى أنه متفائل جداً من هذا الاجتماع، لا سيما أن الجميع مصمم على الوصول إلى الهدف المنشود وأن الليبيين ينتظرون النتائج.

على الرغم من الأجواء التفاؤلية، إلا أن العراقيل لا تزال حاضرة. وفي السياق، عبّر عضو مجلس النواب عن مدينة بنغازي، أبوبكر بعيرة، عن رفضه للخارطة، معتبراً في حديث مع "العربي الجديد"، أن الخارطة "ستبعد المشهد الليبي كثيراً عن الواقع وستدخله في فوضى جديدة".

واتهم بعيرة أطرافاً دولية بأنها "تدفع الوضع في ليبيا إلى مزيد من التعقيد من خلال فرضها لهذه الخارطة من بوابة الأمم المتحدة". وأضاف "كما خرجت علينا البعثة في اتفاق الصخيرات بأشخاص لا نعرفهم وبشكل مفاجئ، ها هي الخارطة الجديدة تخرج علينا بأشخاص مجهولين من خلال المؤتمر الوطني الذي ستدعو إليه بعد تعديل الاتفاق السياسي"، مشيراً إلى أن المؤتمر سيعيد المشهد للمربع الأول بسبب استحالة توافق المشاركين فيه، على حد قوله. كما لفت بعيرة إلى "رفض قطاعات كبيرة من الليبيين لوجود أنصار النظام السابق ضمن المشهد المقبل"، معتبراً أن "إدخال أنصار النظام السابق الآن في العملية السياسية سوف يخلط الأوراق وستكون نتائجه سلبية". وشدد على أنه "لا يجب (إشراك) من ارتكب أخطاء أو جرائم بحق الليبيين أو أوغل في دمائهم أو سرق أموالهم".

وكان المبعوث الأممي قد اعتبر في مقابلة مع "فرانس 24" أن مؤيدي نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي يمكنهم المشاركة في العملية السياسية. وأضاف سلامة "أريد ألا يكون الاتفاق السياسي ملكاً خاصاً لهذا أو ذاك، فهو يمكن أن يشمل سيف الإسلام (نجل العقيد القذافي)، ويمكن أن يشمل مؤيدي النظام السابق الذين أستقبلهم علناً بمكتبي".

في غضون ذلك، رأى عضو مجلس الدولة في طرابلس، محمد آدم، أن الليبيين لا يملكون الكثير من الخيارات إزاء تزايد تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وبالتالي لا بديل عن القبول بخارطة الطريق. وقال آدم، في حديث مع "العربي الجديد": "نعلم أن الخارطة يعتريها الكثير من العيوب، وعلى رأسها خلوها من جدول زمني للمراحل، لكن الخطأ أننا رهنّا مصيرنا بالبعثة والأطراف الخارجية منذ فترة، وبالتالي لا يمكن إلا القبول بها". وتابع "الاتفاق السياسي بات من الواضح أنه بني ليعارض مصالح طرفي الأزمة وبالتالي استمرار معارضته، وأي وميض لإمكانية مراجعته علينا القبول به فلا مناص للخروج من الفترة الانتقالية إلا من خلال الاتفاق السياسي". وأضاف "لسنا متفائلين بشدة بنتائج هذه الخارطة، فالتوافق ليس سهلاً بين الأطراف، وإن تم سيكون تحت ضغوط خارجية، لكن مكسبنا هو التقارب وردم الهوة بين طرفي الأزمة الأساسيين". وأشار آدم إلى وصول الأطراف الليبية إلى قناعة بضرورة الجلوس والحوار على الأقل في المستوى السياسي وتوحيد مؤسسات الدولة. وخلص إلى أن "الأطراف اتفقت على تأجيل الحديث عن توحيد المؤسسة العسكرية إلى ما بعد إنتاج جسم سياسي موحد لإدارة وقيادة البلاد".