مناطق خفض التصعيد وسيلة الروس والنظام لقضم معاقل المعارضة

مناطق خفض التصعيد وسيلة الروس والنظام لقضم معاقل المعارضة

25 سبتمبر 2017
من الغارات الأخيرة في إدلب (حيان أبو رسيت/الأناضول)
+ الخط -


لم تكد تمضي بضعة أيام على اجتماع أستانة 6 حتى بدأت تتكشف الغايات الحقيقية لروسيا من اتفاق خفض التصعيد الذي أنتجته اجتماعات أستانة، المتمثل بشكل أساسي في ضرب حواضن المعارضة ومراكزها الحيوية في مناطق خفض التصعيد، من دون أن يكون لأي فصيل حق الرد، وبالتالي مساعدة النظام بقضم مزيد من المناطق الأكثر أهمية بالنسبة إليه، التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة، وذلك تحت ذريعة "وجود جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً). وقد استطاعت روسيا تلبية احتياجات كل الدول المتدخلة في الشأن السوري، والوصول لتفاهمات معها، من أجل تحقيق هدفها، وكنتيجة لتصدّر روسيا قيادة الحل في سورية، فقد نحت الأمم المتحدة متمثلة بمبعوثها الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، باتجاه تبني الخطة الروسية للحلّ في سورية وتبنّي أستانة كأرضية للحل السياسي المقبل.

وما إن انتهى الروس من التوقيع على اتفاق أستانة 6، والذي قضى بضم محافظة إدلب إلى مناطق خفض التصعيد، حتى بدأت الطائرات الروسية وطائرات النظام بقصف مكثف على ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشرقي، الخاضعة لسيطرة المعارضة، استهدفت خلالها العديد من المدن والبلدات، وقامت بتدمير معظم البنى التحتية والمراكز الحيوية فيها. كما استخدمت روسيا قطعاتها البحرية الموجودة في البحر المتوسط، في عملية استهداف محافظة إدلب وريف حماة الشمالي. وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن "غواصة روسية في البحر المتوسط قصفت بصواريخ كاليبر، مواقع الإرهابيين في ريف حماة وإدلب".

وأشارت إلى أن "المسلحين الذين استهدفهم القصف شاركوا في هجوم شنّته جبهة فتح الشام يوم الأربعاء الماضي، أسفر عن فرض حصار على وحدة من الشرطة العسكرية الروسية منتشرة في مناطق خفض التصعيد في سورية للإشراف على وقف إطلاق النار".

من جهتها، أفادت مصادر عسكرية محلية في إدلب، بأن "القصف مصدره البوارج الروسية المتمركزة قبالة السواحل السورية، إذ سقطت ثلاثة صواريخ على كل من قرية حاس وكفرسجنة والمنطقة الواقعة بين مدينة معرة النعمان وبلدة التح، جنوب إدلب".

كذلك تابع الطيران الروسي شنّ غارات استهدفت معظم بلدات ريف ادلب الجنوبي، مع تركيزها على مدينة خان شيخون، والتي قصفها النظام في إبريل/ نيسان الماضي بالسلاح الكيميائي. ودمّرت مركز الدفاع المدني فيها بشكل كامل بالإضافة إلى تدميرها مستشفى المدينة وإخراجه عن الخدمة. كذلك قصف الطيران الروسي وطيران النظام كلاً من بلدات كفرنبل وكنصفرة، وبينين ودير سنبل، وكفرسجنة، والتمانعة وسرجة بريف إدلب الجنوبي. ما أدى لوقوع ضحايا مدنيين معظمهم من الأطفال.



وتذرّع الروس لاستهداف مناطق إدلب بعملية "مشبوهة" قامت بها "هيئة تحرير الشام" في ريف حماة الشمالي، لم تحقق أي هدف سوى أنها اعتمدت كذريعة من قبل الروس لقصف معظم بلدات ريف إدلب، مستفيدين من الضوء الأخضر الدولي والإقليمي لمحاربة تنظيم "هيئة تحرير الشام"، في قضم مزيد من مناطق سيطرة المعارضة لصالح النظام واستهداف فصائل المعارضة حتى تلك المتخاصمة مع "الهيئة".

ومن المرجح أن محاولات النظام والروس في قصف مناطق المعارضة ومحاولة قضم أجزاء منها ستبقى مستمرة إلى حين دخول القوات التركية، بعد أن أوضح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة مع وكالة "رويترز"، أن "بلاده ستنشر قوات في إدلب في إطار اتفاق عدم التصعيد".

وتزامناً مع استمرار القصف الروسي لمنطقة خفض التصعيد الرابعة وهي محافظة إدلب، كانت منطقة خفض التصعيد الثالثة، المتمثلة بمناطق سيطرة المعارضة في ريف حمص الشمالي، تشهد عمليات قصف مكثف من قبل مدفعية وطيران النظام. وأدى القصف المدفعي من حواجز النظام على منازل المدنيين في مدينة تلبيسة إلى مقتل أربعة مدنيين يوم الجمعة، بينهم مدير التربية الحرة في حمص عبد الباسط العلوش، في ظلّ تعليق موسكو مفاوضاتها مع لجنة التفاوض التابعة للمعارضة السورية في ريف حمص الشمالي، لإقامة منطقة "تخفيف التصعيد" هناك، مطلقةً العنان لقوات النظام التي كثفت من قصفها على مناطق الريف كوسيلة للضغط على العسكريين والمدنيين.

كذلك تشهد منطقة خفض التصعيد الثانية، المتمثلة بالغوطة الشرقية، محاولات شبه يومية للنظام للاستيلاء على حي جوبر، والذي يبدو أنه مستثنى من البداية من هذا الاتفاق بسبب موقعه الاستراتيجي بالنسبة للنظام، وذلك على الرغم من عدم وجود أي عناصر لتنظيم "هيئة تحرير الشام" فيه، ولكن النظام لا يزال يهاجم يومياً مدن وبلدات الغوطة محاولاً التقدم فيها.

وفي منطقة خفض التصعيد الأولى التي أنجزت بتفاهم روسي أميركي، بدأت قوات النظام مدعومة بغطاء روسي، بشنّ هجمات على مناطق المعارضة في كل من ريف القنيطرة وريف درعا الجنوبي الغربي. وقد بدأ هجوم قوات النظام يوم السبت مستهدفاً بلدة بيت جن في ريف دمشق الجنوبي الغربي، وبلدات أخرى في ريف محافظة القنيطرة. وحشدت تلك القوات لتنفيذ هجمات على ريف محافظة درعا الشمالي، خارقة لاتفاق "وقف التصعيد" في مسعى منها لضم مزيد من البلدات لسيطرتها في المنطقة.



وأكدت مصادر محلية في بيت جن لـ"العربي الجديد"، أن "قوات النظام أحرزت تقدماً على محور شمال مزرعة بيت جن في ريف دمشق الجنوبي، المتاخم إدارياً لمحافظة القنيطرة". وأفادت بأن "اشتباكات عنيفة دارت مع الفصائل المسيطرة على المنطقة، والتي تحاول شن هجوم معاكس لاستعادة ما خسرته من نقاط، بالتزامن مع تكثيف النظام من قصفه لبلدات بيت جن والحميدية في محافظة القنيطرة فيما تجري اشتباكات على أطراف بلدة دربل في ريف دمشق الغربي".

وأوضحت المصادر أن "قوات النظام أرسلت تعزيزات كبيرة مساء الجمعة إلى محيط بلدة بيت جن وذلك بعد أيام من تهديد قائد الفرقة الأولى في قوات النظام اللواء زهير الأسد لأهالي البلدة"، مشيرة إلى أن "التعزيزات شملت عشرات الدبابات والعربات والآليات العسكرية، تمركزت على أطراف البلدة المحاصرة من قبل قوات النظام والميلشيات التابعة لها، مع ملاحظة وجود حشود لحزب الله في مدينتي البعث، وخان أرنبة". وهو ما اعتبرته فصائل معارضة تحضيراً لعمل عسكري وشيك في محافظة القنيطرة.

وفي محافظة درعا المجاورة، تعرّضت بلدة الغارية الغربية ومنطقة علما بالريف الشرقي، لقصف من قوات النظام. كذلك طاول القصف درعا البلد، وسط اشتباكات بين فصائل المعارضة و"جيش خالد" المبايع لتنظيم "داعش" في حوض اليرموك بريف درعا الغربي.

وقال الإعلامي محمد الشلبي لـ"العربي الجديد"، إن "المحافظة تشهد تعزيزات وتحركات عسكرية مكثفة لقوات النظام خلال الايام الأخيرة، خصوصاَ في محيط درعا البلد. وتسود توقعات بأن تقوم قوات النظام بعملية عسكرية في المنطقة بهدف الوصول إلى منطقة الجمرك على الحدود مع الأردن والسيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن".

وبدا من خلال تصعيد قوات النظام تجاه كل مناطق تخفيف التصعيد، بأن الاتفاق عملياً قد أمّن الفرصة لروسيا من تأمين غطاء جوي للنظام من أجل قضم كل المناطق التي تتمتع بأهمية استراتيجية، من دون أن يكون لفصائل المعارضة الحق بالرد على تلك الهجمات.


المساهمون