الناخب المتردد... صوت حاسم في الانتخابات الألمانية

الناخب المتردد... صوت حاسم في الانتخابات التشريعية الألمانية

22 سبتمبر 2017
أسباب عدة تدفع الناخبين لعدم حسم خيارهم(جون ماكدوغال/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من أن استطلاعات الرأي ومراكز الأبحاث الألمانية، التي تُعنى بعمليات المسح الانتخابي، أعطت الصورة التي من المتوقع أن تنتهي إليها نتائج الانتخابات البرلمانية العامة في البلاد بتصدّر الحزب "المسيحي الديمقراطي" بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل بنسبة 37 في المائة، إلا أن الأنظار تتجه نحو "صنّاع القرار المتأخرين"، بحسب ما وصفتهم الصحافة الألمانية أو ما يُعرف بالناخبين المترددين، الذين لم يقرروا بعد لمن سيمنحون أصواتهم، ويُقدَّر عددهم بحوالى 46 في المائة من الناخبين بحسب تقديرات معهد الينسباخ الألماني.

من هنا يمكن القول إن الانتخابات الألمانية لم تنته بعد، إذ إن أصوات هؤلاء قد تكون حاسمة لتظهير الأحجام الحقيقية للأحزاب المتنافسة. ويحظى المترددون، قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات المقررة في 24 الحالي، باهتمام الأحزاب المتنافسة التي تبذل جهدها لكسب تأييد أكبر عدد من هذه الكتلة الناخبة، في ظل حملة انتخابية مملة نوعاً ما، بحسب وصف خبراء في الشأن الانتخابي الألماني. والسباق ينصب حالياً على المركز الثالث بين الأحزاب الصغرى المتوقع وصولها إلى البوندستاغ (البرلمان).

ويرى خبراء في الشأن الانتخابي الألماني، ومن بينهم الخبير ماتياس يونغ، أن هناك أسباباً عدة تدفع الناخبين لعدم حسم قرارهم بالتصويت قبل اللحظات الأخيرة، ومنها أنه لم تعد هناك في ألمانيا معسكرات سياسية واضحة، وهذا ما يُصعّب المهمة على الناخب اليوم، في حين كان في الماضي من السهل تقسيم الأطراف بوضوح بين اليمين واليسار. ويرى الخبير أن 80 في المائة من الناخبين الألمان تكيّفوا حالياً مع من هم في الوسط، خصوصاً بعدما أصبحت برامجهم إلى حد ما متشابهة أو مماثلة، ما يسهل على الناخب التحوّل تلقائياً من طرف إلى آخر، علماً بأن ثلثي الألمان قد يلجؤون إلى اختيار أكثر من حزب واحد، وهذا ما يستغرق المزيد من الوقت لدى الناخب لحسم خياراته.

سبب آخر يدفع الناخب إلى التردد، هو أنه بات يتمتع بالمزيد من الاستقلالية، ولا يتأثر كما في السابق بمحيطه، ومنها الكنيسة أو الجمعيات أو ممثلو النقابات، الذين تراجع حضورهم بشكل كبير مقارنة مع السابق، وتأثيرهم سقط خصوصاً لدى الشباب لأن القليل من الألمان يذهب إلى دور العبادة ويتطوع في الجمعيات. إضافة إلى التطور الهائل الذي شهدته المجتمعات وأصبح العالم أشبه بقرية صغيرة والكل مطّلع على ما يحدث من حوله ويمكنه أن يقرر بنفسه، وهو ما يعتبره يونغ دليل عافية وأكثر أماناً ويسمح للناخب بالتصويت لقناعاته وقراره مستقل.

أيضاً يشكّل عدم الاهتمام في السياسة بشكل عام أحد أسباب عدم حماسة الناخبين، إذ ينصبّ تركيزهم واهتماماتهم على مواضيع أخرى، وببساطة لا اكتراث للأحداث السياسية بل لحياتهم الخاصة وأعمالهم التي يولونها الأولوية. وفي هذا السياق، يرى المدير التنفيذي لمعهد "إنفراتست ديماب" المتخصص في عمليات المسح والأبحاث الانتخابية، نيكو زيغل، في مقابلة تلفزيونية، أن التردد ربما يكون بسبب حقيقة أن المناظرة التلفزيونية بين ميركل ومنافسها مرشح الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" مارتن شولتز، أظهرت أن الاختلافات بين الحزبين لم تكن كبيرة جداً.


كذلك، يرى خبراء أن هناك مجموعة من الأشخاص التي تُحسب من ضمن المترددين، هم أساساً ليسوا ناخبين ولا تعنيهم عملية الانتخاب على الإطلاق، ويفضّلون البقاء في المنزل بدلاً من التوجّه إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم، فيما فئات أخرى همها الوحيد أن يبقى كل شيء على ما هو عليه وتفضّل الاستقرار القائم، وهذا ما ينطبق على معظم الألمان الراضين عن السياسة الحالية على الرغم من بعض الملاحظات العامة الموجودة لديهم، وهو الأمر الذي ينسحب أيضاً على الوضع الاقتصادي المستقر، كونه عاملاً مطمئناً بالنسبة لهم، وبالتالي لا ينادون بأي تغيير سياسي كبير. وعليه ليس المطلوب منهم بذل أي جهد للتعامل أو التفاعل مع أي برنامج انتخابي لأي من الأحزاب، على عكس ما هو حاصل لدى أنصار حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، الذي يتحضر للدخول لأول مرة إلى البوندستاغ، أو حركة "بيغيدا"، والذين يشعرون بعدم الرضى عن السياسة الحالية، ولكن هذه الفئة تبقى مجموعة صغيرة.

لكن تبقى فئة من المواطنين الناخبين تتعاطى مع الحدث الانتخابي بصورة تكتيكية، وهم يعرفون بالضبط ماذا يريدون من مرشحهم إلى البوندستاغ، إنما يبقون في حال من المتابعة والمراقبة الشديدة للدراسات الاستقصائية وتصريحات المرشحين والتحليلات التي تجريها معاهد الأبحاث والرأي، ليبنوا خياراتهم النهائية لمن سيقترعون، ومن الممكن أن يكون همهم استخدام أصواتهم لخلق توازن انتخابي ما. ويأتي أخيراً "الناخبون التلقائيون"، وهم الفئة التي تتخذ قرارها في الصباح الباكر ليوم الانتخاب لمن ستعطي أصواتها من دون بذل أي جهد كبير حيال العملية برمتها.

في المحصلة، يرى خبراء في الشؤون السياسية والاقتصادية الألمانية، أن الناخب الألماني عادة ما يميل إلى عدم التغيير في ظل الاستقرار الاقتصادي والخوف من الخلل الأمني، وهو يعي جيداً أن ألمانيا قاطرة أوروبا وصاحبة أقوى اقتصاد فيها، ولديه مصلحة بأن تستمر أنجيلا ميركل على رأس المستشارية، بعد أن خبرها الناس على مدى 12 عاماً في سدة المسؤولية، كذلك في ظل الأوضاع المضطربة حالياً حول العالم، والأزمات التي تربك الوضع في أوروبا، لا سيما خروج بريطانيا من التكتل، والعمل على إعادة ترتيب البيت الداخلي الأوروبي، ناهيك عن أزمة اللاجئين وتمدد التيارات اليمينية المتطرفة المناهضة للعولمة والهجرة واليورو، والراغبة بتفكك الاتحاد الأوروبي، وهذا بدوره مدعاة قلق لدى المواطن الألماني.