مشروع إسقاط الجنسية المصرية: توسيع حالات السحب لترهيب المعارضين

مشروع قانون إسقاط الجنسية المصرية: توسيع حالات السحب يهدف لترهيب المعارضين

22 سبتمبر 2017
السيسي يريد تخويف الشباب من الانضمام للجماعات المعارضة(بيتر ماكديرميد/Getty)
+ الخط -
تتجه مصر تحت حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى واقع جديد لم تشهده منذ تأسيسها كدولة وطنية دستورية، يتمثل في إسقاط الجنسية المصرية عن عدد غير محدد من المواطنين لاتهامهم في قضايا ذات طابع سياسي في المقام الأول، ومن دون اشتراط أن يكونوا قد اكتسبوا جنسية أخرى، أو حاربوا الدولة المصرية لحساب دولة أخرى. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى ظهور فئة غير المجنسين أو "البدون"، كما يطلق عليهم في بعض الدول، لأول مرة في مصر.

ووافق مجلس الوزراء المصري، يوم الخميس، على مشروع قانون أعده وزير العدل حسام عبدالرحيم، يسمح لمجلس الوزراء بإسقاط الجنسية عن المصري المتمتع بها وحدها أو مع جنسية أخرى "في حالة صدور حكم قضائي يثبت الانضمام إلى أي جماعة، أو جمعية، أو جهة، أو منظمة، أو عصابة، أو أي كيان، أياً كانت طبيعته أو شكله القانوني أو الفعلي، سواء كان مقرها داخل البلاد أو خارجها، وتهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة، أو بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة".

ويُلاحظ من صياغة المشروع أنه لا يوقع قرار إسقاط الجنسية كعقوبة تكميلية للأحكام القضائية الصادرة بالإدانة في قضايا الإرهاب أو العنف أو الاغتيال أو التخابر، بل إنه يتحدث عن الانضمام إلى الجماعات والجمعيات والهيئات في الداخل والخارج. وهذا يعني عدم ضرورة حدوث اعتداءات إرهابية أو أعمال عنف أو أي فعل مادي من الأساس، لتصبح الحكومة قادرة على إسقاط الجنسية عن بعض مواطنيها. ويكفي بالتالي أن تصدر محكمة ما، أياً تكن درجتها القضائية، نصاً في صورة حكم قضائي يثبت صفة "الانضمام" على الشخص المرغوب في إسقاط جنسيته.

ويقول مصدر في مجلس الوزراء إن هذا المشروع كان مقدماً بالأساس من النائب مصطفى بكري، المعروف بقربه من بعض الأجهزة الأمنية والسيادية المشاركة في الحكم، كجزء من التصعيد الأمني ضد "الإخوان المسلمين" وغيرهم من مجموعات التيار الإسلامي، عقب حادث تفجير الكنيسة البطرسية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. إلّا أن وزير الشؤون النيابية، مجدي العجاتي، أكد في ذلك الوقت، عدم دستورية المقترح لتعارضه مع نص الدستور الحالي، ورفض مناقشته في لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب، بحسب المصدر. ويضيف أنه "تبين للدائرة الخاصة بالسيسي من خلال استطلاع الرأي المبدئي في البرلمان، أن هناك تخوفاً من منح المحاكم سلطة إسقاط الجنسية عن المتهمين المدانين، لا سيما أنه ستكون أمامهم الفرصة للطعن على حكم الإدانة وكذلك العقوبة التكميلية بإسقاط الجنسية أمام محكمة النقض، فاستقر الرأي بعد استشارة عدد من قضاة النقض ومجلس الدولة على نقل هذه السلطة إلى مجلس الوزراء، باعتبارها سلطة تقديرية يراقبها القضاء، وفي الوقت نفسه تملك الحكومة بموجبها أن تسقط الجنسية عن المدانين بحكم نافذ أو حكم بات، حسب الرغبة"، وفق قول المصدر الحكومي.


إلّا أن وزارة الداخلية اعترضت على إسقاط الجنسية فقط عن المصريين الصادرة ضدهم أحكام نهائية (أي حضورية واجبة النفاذ)، أو أحكام باتة (أي غير قابلة للطعن أمام محكمة النقض)، بهدف إسقاط الجنسية فعلياً عن أشخاص مقيمين داخل مصر وخارجها، مدانين بأحكام غيابية (أي ليست نهائية). هكذا، أوعزت إلى إدارة التشريع بوزارة العدل أن توسع حالات الإسقاط، فيتم الاكتفاء بعبارة "في حالة صدور حكم قضائي يثبت..."، الواردة في قرار مجلس الوزراء، أي من دون تحديد صفة أو درجة الحكم.

ويوضح المصدر أن رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، تواصل مع القيادات الجديدة لمجلس الدولة، وهو الجهة القضائية المنوط بها مراجعة التشريعات المقترحة من الحكومة، لمطالبتهم بأن يحيطوا المشروع في طور المراجعة بسياج من السرية. ويضيف المصدر أن إسماعيل طلب من أعضاء مجلس الدولة أن يضعوا نصب أعينهم حقيقة أن المشروع مطلوب تمريره من قبل السيسي ودائرته الشخصية التي أصبحت مسيطرة على وزارة العدل فعلياً من خلال شقيقه القاضي أحمد السيسي. وفي هذا السياق، يصف مصدر قضائي هذا التصرف، في حديث مع "العربي الجديد"، بأنه "محاولة لضمان تمرير المشروع على الرغم مما يتضمنه من مخالفات دستورية جسيمة"، بحسب تأكيده. ويشير المصدر الحكومي نفسه إلى أن "تحويل إسقاط الجنسية من إجراء كانت الحكومة تتخذه فقط في حالات الزواج من إسرائيليات أو في حالة الحصول على جنسيات أخرى من دون استئذان وزارة الداخلية، إلى عقوبة تكميلية، يأتي استجابةً للضغوط المستمرة من السيسي على الدوائر التشريعية والقانونية للحكومة لابتكار حلول جديدة لتخويف الشباب من الانضمام للجماعات المعارضة لحكمه وكذلك التنظيمات الإرهابية"، بحسب تعبيره. ويستطرد قائلاً إن "هناك تصوراً يسيطر على تلك الدوائر بتوجيهات من السيسي مفاده أن التعديلات التشريعية من شأنها قمع المعارضة باتجاهاتها المختلفة والإرهاب معاً".


وعلى الرغم مما ينطوي عليه المشروع الجديد من مخاطر ونوايا واضحة للتنكيل بالمعارضين والتضييق على الحريات، إلّا أنه يتجاهل عدداً من العقبات الواقعية والمنطقية أمام تطبيقه. فإسقاط الجنسية عن الأشخاص المحبوسين في السجون المصرية قد يزيد من بطلان استمرارهم في محبسهم. وفي هذه الحالة قد يحق للسجين "عديم الجنسية" التقدم إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشكوى رسمية قد ينتج عنها ترحيله من مصر. كما قد يصبح من حق السجين، أو بعض السجناء، نيل حق التقدم بطلب اللجوء السياسي إلى أي دولة ملتزمة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي ينص في مادته 15 على حق كل إنسان في جنسية.

ولا يعالج قانون الجنسية المصري تلك الحالة التي تجاهلها واضعوه منذ 42 عاماً. فالمادة 16 من هذا القانون تحصر إسقاط الجنسية المصرية بالمصري الأصيل (الذي اكتسب الجنسية بالولادة) على 10 حالات جميعها مرتبطة بوجوده في الخارج وعمله لحساب جهات أجنبية أو دول معادية أو منظمات صهيونية أو إذا كان مقيماً في الخارج واكتسب جنسية أجنبية من دون استئذان وزارة الداخلية المصرية. ولذلك جاءت المادة 17 المنظمة للآثار المترتبة على إسقاط الجنسية لتحصر الأمر بالشخص المعني وحده، من دون امتدادها إلى أولاده أو زوجته. ولم تتطرق المادة إلى الآثار المترتبة على إسقاط الجنسية عن المصري المقيم في مصر، ما إذا كانت ستسحب منه بطاقة هويته، أو سيتم ترحيله، أو سيمنع من مباشرة حقوقه الاقتصادية والسياسية.

ويعكس عدم تعديل الحكومة تلك المادة مع باقي بنود مشروعها المذكور، عدم استيعابها للآثار الخطيرة التي قد تترتب على قرارات إسقاط الجنسية عن المواطنين المقيمين أو المحبوسين، وأنها تنظر إلى القرار كعقوبة مجردة للتنكيل بجميع المعارضين أو فئة محددة سلفاً منهم.
أما إسقاط الجنسية عن المتهمين المطلوبين والموجودين خارج البلاد، أمثال الشيخ يوسف القرضاوي ووجدي غنيم والمئات غيرهما، فسوف يؤدي تلقائياً إلى سقوط حق مصر في المطالبة بملاحقتهم كمواطنين مصريين مطلوبين لمحاكم مصرية. وسيمنحهم هذا القرار الفرصة للحصول على جنسية أي دولة أخرى أو اللجوء لدول لا تربطها بمصر اتفاقيات تسليم أو تعاون قضائي، ما يعني إنهاء فرصة السلطة المصرية في التنكيل بهم إلى الأبد.

ويتوقع مراقبون حقوقيون أن يصدر هذا التشريع الجديد بصعوبة، نظراً للملاحظات المبدئية الكثيرة التي من المفترض أن يبديها مجلس الدولة عليه، ما سيؤدي لوجود معارضة برلمانية ملحوظة له، خاصةً في ظل وجود فريق آخر ممثل في بعض أعضاء لجنة الإصلاح التشريعي الحكومية، ممن يقترحون إضافة هذا التدبير كعقوبة تكميلية على الأحكام الباتة الصادرة عن محكمة النقض في قضايا أمن الدولة والإرهاب فقط. ويرجح المراقبون أنه إذا صدر القانون فسوف ترفع عليه دعاوى عديدة أمام مجلس الدولة، وستنتهي بإحالته إلى المحكمة الدستورية، وذلك لوجود شبهات صريحة بمخالفته للدستور الحالي، الذي ينص لأول مرة في تاريخ الدساتير المصرية على أن "الجنسية المصرية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية". وكانت الدساتير السابقة تكتفي بالنص على أن "الجنسية المصرية ينظمها القانون" أو "الجنسية المصرية حق ينظمه القانون". ولم تتحدث هذه المادة عن احتمالية إسقاط الجنسية عن المصري الذي اكتسبها كحق من الأساس، فذكرت أن "الاعتراف القانوني بمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه. ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية".

ويقول قاض سابق، كان عضواً بلجنة الخبراء العشرة التي أعدت المسودة الأولى للدستور، طالباً عدم نشر اسمه، إن "الاكتفاء بالعبارات السابقة في المادة 6 من الدستور كان مقصوداً لمسايرة المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حرصاً على ألا تسقط الجنسية عن أي مصري لا يملك غير جنسيته التي اكتسبها بالميلاد". بمعنى أنه "لا يجوز إسقاط الجنسية إلا عن الأشخاص الذين اكتسبوا الجنسية المصرية بالإضافة لجنسيتهم الأصلية في حالات الغش والتدليس وتزوير الأوراق أو الإقامة لفترات طويلة خارج البلاد، وكذلك عن الأشخاص المصريين الذين اكتسبوا جنسيات دول أخرى بالمخالفة للقانون المصري"، وفق تأكيد القاضي نفسه.

المساهمون