بغداد تستعجل تحرير الحويجة لمنع شمول كركوك باستفتاء الانفصال

بغداد تستعجل تحرير الحويجة لمنع شمول كركوك باستفتاء الانفصال

03 سبتمبر 2017
مدنيون فارّون من الحويجة (علي مكارم غريب/الأناضول)
+ الخط -
تُسارع بغداد خطاها لتحرير كامل الأراضي العراقية من تنظيم "داعش"، فبعد النجاح في استعادة محافظة نينوى بشكل كامل، بدأت التحضير لاستعادة الحويجة، رابع أكبر قضاء إداري في العراق، فيما يربط مراقبون اختيار هذه المنطقة تحديداً من السلطات العراقية بالتصعيد الكردي الأخير وربط كركوك باستفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق.

ساعة الصفر تقترب
"قادمون يا حويجة" هي التسمية التي أطلقتها الحكومة العراقية على الحملة العسكرية لتحرير الحويجة، ضمن تسميات مماثلة في الموصل وتلعفر والقيارة شمال العراق، مؤكدة أن العمليات العسكرية ستنطلق قريباً جداً. وبات محيط مدينة الحويجة، مركز القضاء الذي يحمل الاسم نفسه، منذ مساء الخميس الماضي، مسرحاً لتجمّع الوحدات العسكرية العراقية، إذ أعلنت خلية الإعلام الحربي العراقية، في بيان لها الأربعاء، أن هدفها الجديد هو الحويجة وضواحيها المحتلة. ووفقاً لبيان الخلية التي تتبع مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي، فإنه تم إرسال وحدات استطلاع ودعم لمحيط المدينة، كما تم إلقاء نحو نصف مليون منشور في سماء المدينة تطالب السكان فيها بالابتعاد عن تجمّعات تنظيم "داعش" ومقراته والتزام منازلهم والاستماع للإذاعة العسكرية التي أطلقها الجيش لسكان المدينة لمعرفة التعليمات التي تستجد في الأيام المقبلة.

ومدينة الحويجة هي مركز رابع أكبر قضاء إداري في العراق، تقع على نهر الزاب الصغير أحد الأنهر العراقية النابعة من عيون الجبال الحدودية بين إيران وتركيا من جهة، والعراق من جهة أخرى. ذُكر في الألواح السومرية باسم "زابو شيالو" ويُعتبر أحد الروافد المهمة لنهر دجلة. وتقع المدينة المحتلة من قبل تنظيم "داعش" منذ منتصف عام 2014 في محافظة كركوك، وتحدها جنوباً الموصل، وشمالاً تكريت.

يبلغ عدد سكان مدينة الحويجة نحو نصف مليون نسمة، وفقاً لتقارير وزارة التخطيط العراقية للعام 2011، وهم من العشائر العربية، ومنها شمر وعبيد وعنزة وجبور وطي والحديديين ودليم والعزّة والسبعاويين والنعيم. ويعيش أغلب سكانها على الزراعة، ومنها يمر نهر دجلة وفرعه الرئيسي نهر الزاب. كما تُعتبر الحويجة ثاني أكبر مصدر للمنتجات الزراعية في العراق، وتضم عدداً من المدن والبلدات التابعة لها، أبرزها العباسي والرياض والرشاد والزاب. يُطلق على الحويجة تسمية "كحل العين"، كتعبير عن جودة أراضيها الزراعية ومحاصيلها التي تُعتبر من أخصب الترب في الزراعة وما ينتج عنها من محاصيل صيفية وشتوية، يضاف لها الناتج الإجمالي للمحاصيل الزراعية التي تُقدر بمساحة تصل إلى 500 ألف دونم زراعي ذات جودة عالية في الإنتاج.

توقع معركة صعبة
يرى مراقبون أن تبكير بغداد بالهجوم على الحويجة وتأجيل تحرير أعالي الفرات مع سورية، يأتي رداً على التصعيد الكردي الأخير وتصويت كركوك على المشاركة في الاستفتاء الخاص بانفصال الإقليم، إذ ستكون استعادة الحويجة باباً لبغداد لإعادة سلطتها على كامل محافظة كركوك، إذ تسيطر قوات البشمركة على المدينة وتدير ملفها الأمني بعيداً عن بغداد منذ عام 2014 بعد انسحاب القوات العراقية إثر اجتياح "داعش" للمدن الشمالية والغربية في العراق.

وتُعتبر مدينة الحويجة أحد أسوأ المدن العراقية حظاً، إذ شهدت عمليات حصار وتنكيل من قبل قوات الاحتلال الأميركي بين عامي 2003 و2010 كان أبرزها مجزرة بريمه التي قُتل فيها أكثر من 200 عراقي. كما نالت نصيباً من سياسة التنكيل الطائفي لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، من بينها فض اعتصام نفذه الأهالي احتجاجاً على سياسة الإقصاء والاستهداف الطائفي عام 2013، قُتل وأصيب خلاله نحو 300 مدني بينهم أطفال.


وتفرض القوات العراقية حصاراً كاملاً على المدينة من ثلاثة محاور، جنوباً وشرقاً وغرباً، بينما تفرض قوات البشمركة حصاراً مماثلاً من المحور الشمالي، أدى إلى التسبّب في مجاعة كبيرة ونقص في العلاج بين الأهالي وتسجيل أكثر من 200 حالة وفاة خلال الأشهر الثلاثة الماضية في صفوفهم. ويفرض "داعش" على السكان الذين يُقدَّر عددهم بنحو 100 ألف نسمة حالياً، إقامة جبرية ويمنع خروجهم إلى ما يسميه "ديار الكفار"، وقد أصدر عقوبات تصل إلى الإعدام لمن يحاول الفرار من المدينة.

وتتعرض الحويجة، منذ ثلاث سنوات، لعمليات قصف جوية تنفذها الطائرات العراقية وطائرات التحالف الدولي، تسبّبت حتى الآن في مقتل وإصابة ما لا يقل عن 3 آلاف مدني، وفقاً لإحصائية أصدرها مستشفى الحويجة العام الذي يديره أطباء متقاعدون وآخرون كانوا من العاملين في المستشفى ومنعهم "داعش" من المغادرة. وكان تنظيم "داعش" قد سيطر على المدينة بعد يومين فقط من سقوط الموصل في يده، إذ ترك الجيش العراقي مواقعه على مشارف الحويجة من دون قتال، في 13 يونيو/حزيران 2014.

وقال المتحدث باسم مجلس قضاء الحويجة، أحمد خورشيد، لـ"العربي الجديد"، إن "عملية تحرير الحويجة ستكون نقطة فاصلة سياسياً وعسكرياً، والجميع سينظر لها على أنها تحرير كامل للعراق من داعش، كون بلدات أعالي الفرات على الحدود مع سورية باتت محيّدة تماماً وشبه محسومة لصالح العراقيين". وأضاف خورشيد: "جاءت العملية متأخرة، لكن معارك تلعفر وسرعة حسمها أعطت القوات الأمنية العراقية زخماً معنوياً إضافياً للهجوم"، متوقعاً أن تكون المعركة صعبة لأسباب عدة، منها عدد عناصر "داعش" الكبير فيها، والمقدّر بنحو 2500 مسلح، كما أن المعركة ستشمل مناطق الساحل الأيسر لقضاء الشرقاط المجاور وبلدة المسحك والزوية وجبال حمرين ومكحول المجاورة في محافظة صلاح الدين، يضاف لها قضاء الحويجة ومناطقه، وهي الرشاد والعباسي والرياض والزاب، وهذه مساحات كبيرة، وقد قام التنظيم بتفخيخ وزرع عبوات ناسفة في الطرقات، بالإضافة إلى حفر خندق أمني في أطراف الحويجة لإعاقة تقدّم القوات الأمنية، وفق خورشيد.

وأشار إلى أن "أعداد المدنيين المحاصرين يصل إلى 100 ألف مدني، وتم تسجيل نزوح ما يقارب الـ65 ألف مدني أو أكثر، وهذا الأمر يتطلب توفير مخيمات في كركوك وصلاح الدين للسيطرة على موجات النزوح المتوقعة مع انطلاق المعركة". ولفت إلى أن "أكثر من ثلاثة آلاف مدني اعتقلهم داعش، ولدينا عشرات القتلى الذين أعدمهم، وهناك أشخاص غُيبوا في معتقلات سرية للتنظيم لا أحد يعرف مصيرهم حتى اليوم، بالإضافة إلى تسجيل وفات العشرات بسبب نقص الغذاء والدواء في الحويجة، بعد تدمير مستشفيات القضاء التي كانت التنظيم يستخدمها لعلاج عناصره".

من جهته، قال العقيد الركن أحمد عبد المجيد العبيدي، قائد القوة العشائرية التي شُكّلت أخيراً من متطوعين محليين من سكان الحويجة وضواحيها لتحرير المدينة، إن "حملة الحويجة لن تكون سهلة، لكنها محسومة بالتأكيد". ولفت العبيدي إلى أن "داعش لن يفكر في المقاومة في المناطق الزراعية أو الصحراوية المفتوحة، لذا سينسحب من القرى والمناطق المحيطة بالمدينة بسرعة، وستكون المعركة الفاصلة داخل أحياء الحويجة"، مضيفاً أن الوقت المتوقع للمعركة ما بين شهرين إلى ثلاثة في أبعد التقديرات، مشيراً إلى أن الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية سيكونون في المقدمة، كما ستشارك مليشيات "الحشد الشعبي" والقوات العشائرية في العملية.


أهداف متعددة للعملية
وفي سياق التحضير للعملية، قال محافظ كركوك، نجم الدين كريم، في بيان، أمس السبت، إن الإعلان عن بدء التحرك لتحرير الحويجة سيتطلب فتح مخيمات والاستعداد لاستقبال الفارين من المعارك. وأضاف كريم أن "الخطوة مهمة وسنعمل مع اللجنة العليا لإغاثة وإيواء النازحين الحكومية والمنظمات الدولية لاستقبال ما تبقى وتأمين متطلباتهم الإنسانية وضمان العودة السريعة للمناطق التي ستحرر"، من دون أن يتطرق في بيانه إلى مشاركة البشمركة في العمليات من عدمها.

أمير قبائل العبيد في الحويجة، الشيخ أنور العاصي، قال لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحويجة تعاني من ظروف إنسانية صعبة وقاسية بسبب الحصار الذي تجاوز عامين، وتحريرها سينهي المأساة، لكن ندعو الله أن يكون بأقل الخسائر"، معتبراً التأخير في الهجوم سيكون بمثابة منح التنظيم فرصة لقتل آخرين من السكان المحاصرين.

من جهته، اعتبر عضو جمعية المحاربين العراقية والخبير العسكري العراقي، العقيد المتقاعد سعد عبد الكريم، تحرير الحويجة من قبل العراقيين أنه لن يقل أهمية عن تحرير الموصل. وأوضح عبد الكريم، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك بُعداً عسكرياً وأمنياً في تحرير المدينة الواقعة في قلب العراق، كما أن له بُعدا سياسيا، إذ ستكون حجة أو ذريعة أربيل في فرض نفوذها على كركوك قد انتفت، وسيكون لبغداد الغطاء الكافي لإعادة كركوك إلى سيطرة الدولة بدلاً من سيطرة البشمركة".

ولفت إلى أن تحرير المدينة سينهي جيوب "داعش" في المنطقة المحصورة بين ديالى وصلاح الدين وكركوك ونينوى، والتي تبدأ من منطقة الزركة في قضاء الطوز بمحافظة صلاح الدين ومطيبجية تربطها بديالى وصولاً إلى قرى غيدة في قضاء داقوق جنوب كركوك وصولاً إلى ناحية الرشاد، ومنها إلى جبال حمرين ومنطقة الفتحة وإلى الرياض ونواحي الزاب التي تربط كركوك بنينوى وصلاح الدين من أقصى الجنوب، ولها امتداد عن طريق الكوير وقضاء الدبس في محافظة أربيل، وهي مساحة تصل إلى ضعف مساحة نينوى. وأشار عبد الكريم إلى أنّ "السيطرة على هذه المساحة الواسعة ستقضي على حلم داعش للأبد، كما أنها ستُنهي الهجمات اليومية على المدن المحررة حديثاً والتي يشنها التنظيم انطلاقاً من تلك المنطقة".

المساهمون