ترامب في الأمم المتحدة: دور للمنظمة على قياس واشنطن

ترامب في الأمم المتحدة: دور للمنظمة على قياس واشنطن

19 سبتمبر 2017
الدول بالنسبة لإدارة ترامب كالشركات (منديل نغان/فرانس برس)
+ الخط -
يتحوّل مقر الأمم المتحدة ومحيطها في نيويورك هذا الأسبوع إلى خلية نحل تضج بلقاءات واجتماعات قيادات الدول التي تحضر للمشاركة في افتتاح الدورة العادية للجمعية العمومية، وعادة يكون الرئيس الأميركي محور الحركة المكثفة، على اعتبار أنها فرصة تتيح لكبار المسؤولين الأجانب الاطلاع عن قرب على توجّهات ومواقف الإدارة الأميركية من القضايا التي تهمهم، والملفات التي تتطلب مواجهتها تضافر الجهود الدولية والتنسيق في ما بينها، خصوصاً الأميركية منها. حراك متنوع تحت مظلة تعزيز الالتزام بالعمل الجماعي الذي تجسّده المنظمة الدولية ولو أن معظم قراراتها تبقى حبراً على ورق، لكنه عمل يبقى مطلوباً كأفضل آلية دولية ضرورية متاحة حتى الآن.

بيد أن هذا النوع من الالتزام على علاته، لا مكان له في قاموس الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فالرئيس الحالي يعمل بشعار "أميركا أولاً". إدارته تتعامل مع العالم بالمفرّق، فصفقاتها ثنائية والدول بالنسبة إليها كالشركات. ومنذ بداية ولايته، ترجم ترامب التزامه بهذه المقاربة من خلال خروجه على كل صيغة جماعية دولية: انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، ومن اتفاق التجارة الآسيوي الذي عقده سلفه باراك أوباما. كما يعتزم فرط اتفاق "نافتا" التجاري بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، ويلوّح بترك الاتفاق النووي الدولي مع إيران. نهج يرفض مبدأ المشاركة والتضامن، بما يصطدم مباشرة مع الأسس التي قامت عليها الأمم المتحدة والغايات التي تطمح إلى تحقيقها. في ضوء ذلك، يتساءل مراقبون عما ينوي ترامب مخاطبة الأمم المتحدة به اليوم الثلاثاء، وهو الذي طالما تهكّم عليها ووصفها بأنها "نادي الطغاة" وطالب بخفض دور الولايات المتحدة فيها؟


وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، قال في مقابلة أجرتها معه شبكة "سي بي إس" قبل أيام، إن الرئيس "سيؤكد في كلمته على القيم... مع التركيز على كوريا الشمالية وإيران والإرهاب الدولي". ترامب ذهب إلى أبعد من ذلك قبل أيام، عندما انقلب على موقفه وطالب بدعم المنظمة الدولية "لتمكينها من حل أزمات مثل كوريا وسورية وغيرهما". فجأة صار للمنظمة الدولية دور ينبغي تعزيزه، لكن بشرط أن يأتي مفصّلاً على قياس نظرة البيت الأبيض وأولوياته. التضامن الدولي بمفهومه، أحادي الجانب، صحيح أن الولايات المتحدة عملت باستمرار وأكثر من غيرها على توظيف المنظمة لتكون أحد أذرع دبلوماسيتها، لكن الإدارات المتعاقبة كانت تقدّم في المقابل التزامات أميركية دولية معيّنة، مثل الدور الذي قامت به إدارة أوباما في قضية المناخ.

أما في زمن ترامب، فقد صار التوظيف أقرب إلى التسخير المجاني، إذ على الآخرين مساعدة واشنطن في مواجهة تحدياتها الخارجية. أما إذا وقفت إلى جانبهم، فعليهم دفع الثمن، حتى إذا كان الأمر يتعلق بحماية الحلفاء. الأمر الذي يفاقم التآكل في مفهوم التضامن وبدور الدبلوماسية إجمالاً، خصوصاً أن العالم يعرف بأن الدبلوماسية الأميركية من الصعب الركون إليها في ضوء عدم استقرارها على موقف. الوزير تيلرسون يتحرك في إطار تقليل الخسائر، مما يزيد العلاقات الدولية ارتباكاً وحيرة، وهذه حالة تثير قلق جهات أميركية كثيرة في الكونغرس كما في أوساط النخب السياسية والفكرية والأمنية، خصوصاً تلك التي تنتمي إلى الخط "المتعولم" الذي يعتبر أن النظام الدولي الذي أرست الولايات المتحدة قواعده غداة الحرب العالمية الثانية "خدم مصالح أميركا وزعامتها الدولية"، وبالتالي فإن الانكفاء إلى الخط "الانعزالي" الذي يطرحه ترامب وأصحاب الفكر "القومي الضيق" من شأنه الإطاحة بهذه المكاسب التي راكمتها العقود السبعة الماضية.

وعد ترامب بفك التزامات بلاده في العالم، والقضاء على خصومها بالضربة القاضية، لكنه سرعان ما اكتشف بأن ذلك خيالي أكثر مما هو واقعي. وهو يزمع التحدث اليوم بلغة التوفيق، أمام منظمة لا يؤمن بدورها المناقض لمقاربته الدولية. لكن لغة الفعل أقوى وهي راجحة على التوفيق، بما يجعل علاقة ترامب مع المجتمع الدولي بعد مخاطبته له لأول مرة، أكثر ضبابية وارتياباً.