الكوريتان وأوكرانيا كنموذجين للحل

الكوريتان وأوكرانيا كنموذجين للحل

18 سبتمبر 2017
مقاتلون أكراد في الرقة (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
تُجري القوات الأوكرانية المدعومة من الولايات المُتحدة الأميركية مناورات واسعة، خلال هذا الأسبوع، وعلى الضفة الأوكرانية الأُخرى تقوم القوات المدعومة روسياً بمناورات مُماثلة. فقدت السياسة قدرتها على التواصل بالأدوات الدبلوماسية في إحدى الحدائق الخلفية للاتحاد السوفييتي السابق منذ مُدة. واستبدلتها القوتان العالميتان بلُغة العسكر لتقاسم النفوذ. لم ترض روسيا أن تُصبح أوكرانيا بما تحمله من قيمة سياسية واقتصادية لها إلى موطئ قدم أميركي جديد على أبوابها، ورضيت بجزء مُقتطع من تلك البلاد لتضمن مصالحها. وبنفس المنطق قبلت الولايات المُتحدة بجزء آخر مُقتطع لها. 

تلك وقائع عام 2017، ولكنها تشبه إلى حد كبير خمسينيات القرن الماضي في بلد اسمه كوريا. أفضت الحلول المُجتزئة للحرب العالمية الثانية، وتغليب منطق انتصار القوي على منطق العدالة الانتقالية. قُسّمت كوريا إلى كوريتين بفجاجة أكبر من فجاجة التقسيم الأوكراني غير المُعلن بعد. 

حوّل التقسيم الأول جزءاً من أوروبا إلى بؤرة توتر عسكري وعدم استقرار اقتصادي، وحوّل التقسيم الثاني شرق آسيا إلى بؤرة توتر نووي. 

وبين المنطقتين تبرز نماذج إضافية للتقسيم في الشرق الأوسط. تتنوع أشكالها وخلفياتها بين التقسيم العرقي والسياسي. وقد قدّم الأكراد المنتشرون بين إيران وتركيا وسورية والعراق نموذجاً مُبكراً لأثر الحلول المُجتزئة على الشعوب. طالب الأكراد بالاستقلال على مر العصور والحُكّام بعد أن همّشتهم العوامل العرقية حتى أصبح الاستقلال/الانفصال حلاً بالنسبة لهم. وهي عملية تتلاقى فيها المصالح الأميركية والروسية في المنطقة وتتعارض في الوقت عينه، لأن القوات الكردية التي تُقاتل في سورية والعراق تخدم المصالح المُشتركة للخصمين العاملين على المدى القريب، لكن تحويل هذه القوات إلى أي شكل من أشكال الجيوش النظامية ضمن دولة مُستقلة للأكراد سيفرض تحديات كبيرة على علاقة روسيا والولايات المُتحدة بحلفائهما المُعارضين لاستقلال الأكراد. وبعكس النموذج الأوكراني فإن حلفاء الطرفين في الشرق الأوسط فاعلون وقادرون على تغيير المعادلات السياسية بخلاف مصالح القُوتين، ولو على المدى القصير فقط. ​وعلى مرمى حجر من الدولة/الحلم الكردي تتقاسم الولايات المتحدة وروسيا الأراضي السورية ضمن معادلة خفض توتر عسكري تُشبه إلى حد كبير خارطة المصالح طويلة الأمد للطرفين في سورية. تقع الحدود الجنوبية لسورية ضمن دائرة التأثير الأميركي، والبادية ومعها الساحل والحدود مع لبنان ضمن دائرة التأثير الروسي وخلفها إيران. 

تبدو سورية والعراق اليوم أقرب إلى النموذج الأوكراني منها إلى النموذج الكوري. العالم ليس بحاجة إلى مزيد من حملة القنابل النووية وتحديداً على الحدود مع إسرائيل. وهو نموذج سيء بما فيه الكفاية ليُديم الصراع في سورية إلى أمد طويل بعد الإعلان عن حل سياسي. كالحال في جار سورية الأصغر، لبنان. وفي ذلك المصير ما يكفي من إنذار. 

المساهمون