الرقة السورية... حجم الكارثة أكبر بكثير من المعلَن

الرقة السورية... حجم الكارثة أكبر بكثير من المعلَن

19 سبتمبر 2017
تعرضت مرافق مدينة الرقة وأبنيتها للتدمير (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل المعارك في قلب مدينة الرقة السورية بين من تبقّى من مسلحي تنظيم "داعش"، وبين قوات يتولى فصيل كردي مهام القيادة والتوجيه فيها، ومدعومة من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، في ظل معلومات ترد من داخل المدينة عن أنها تعرضت إلى دمار شبه كامل. ودفعت المدينة ثمناً ضخماً جراء سيطرة التنظيم عليها في العام 2014، إذ وجدت نفسها منذ ذلك الوقت تواجه عواصف متلاحقة، جرّت على أبنائها الويلات، وبات القسم الأكبر من أهلها إما قتيلاً، أو مصاباً لا يجد عناية طبية، أو محاصراً، أو نازحاً، أو لاجئاً.

وتخطّت معركة استعادة مدينة الرقة من تنظيم "داعش" يومها الـ100، في ظل تقدّم تحققه "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في قلب المدينة، وباتت قاب قوسين أو أدنى من انتزاع السيطرة عليه، في وقت لا يزال التنظيم يحاول تكبيد القوات المهاجمة المزيد من الخسائر قبل أن يعلن الاستسلام. وتشير مصادر في "قوات سورية الديمقراطية" إلى أن مقاتليها يشتبكون مع مسلحي التنظيم وسط المدينة في محاولة للسيطرة على ما تبقّى من مواقع تحت سيطرة "داعش". وتقلص وجود التنظيم في مدينة الرقة إلى مساحات ضيقة في القسم الشمالي منها، وهو لا يزال يسيطر على منطقة التوسعية، التي تضم عدة أحياء وحارات، بالإضافة إلى احتفاظه بقوات في مقرات الفرقة 17 التي كانت تابعة لقوات النظام قبل العام 2013، ومن المتوقع أن تدور المعركة الأخيرة فيها قبل الإعلان عن انتهاء المعارك. وكانت انطلقت في السادس من يونيو/حزيران الماضي عملية واسعة النطاق لانتزاع السيطرة على مدينة الرقة، التي سيطر عليها تنظيم "داعش" بداية 2014، وباتت أهم معاقله في سورية.

وكان من المتوقع أن تنتهي المعارك سريعاً في المدينة نتيجة انسحاب قادة التنظيم إلى شرق سورية، لإدراكهم صعوبة الصمود في الرقة، ولكن تطويق مسلحي التنظيم من كل الجهات جعلهم يستميتون في الدفاع عن مواقعهم، ما أدى، ولا يزال، إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين، وتدمير معظم المدينة. وبعد أكثر من مائة يوم من المعارك، باتت "سورية الديمقراطية" تسيطر على أحياء السباهية، والرومانية، واليرموك، والقادسية، وبريد الدرعية، ونزلة شحاذة، والمشلب، والصناعة، والمدينة القديمة، والبتاني، وتل البيعة، وهشام بن عبد الملك، وحي الثكنة، وسواها. كما سيطرت على أهم شوارع المدينة، وهي القوتلي، والمنصور، والوادي، وتل أبيض، وقسم من شارع 23 شباط، إضافة الى سيطرتها على ساحة الساعة الشهيرة في قلب مدينة الرقة، التي تمتد على مسافة تقدر بنحو 8 كيلومترات من الشرق للغرب، و4 كيلومترات من الجنوب إلى الشمال، وتضم أكثر من 20 حياً وحارة تنسب إلى عائلات تقطنها. ولعب انسحاب فصيل قوات "النخبة السورية"، التابع إلى رئيس الائتلاف الوطني السوري السابق، أحمد الجربا، من المعركة دوراً في تأخير الحسم العسكري. واختلفت قيادة الفصيل، الذي يضم المئات من المقاتلين العرب المنتمين إلى محافظات سورية الشرقية (الرقة، ودير الزور، والحسكة)، ويرفع راية الجيش السوري الحر، مع قيادة "قسد" التي أرادت أن يعمل تحت إدارتها، وهو ما فجر خلافاً انتهى بانسحاب الفصيل من المعركة، وعودته إلى مقراته في شمال شرقي الرقة. ولم تنجح محاولات احتواء الخلاف بين الطرفين، إذ تؤكد مصادر في "النخبة" أن "قوات سورية الديمقراطية"، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، "تريد الهيمنة على الرقة ذات الأغلبية العربية المطلقة".



وتؤكد مصادر مطلعة في المعارضة السورية أن هناك أسباباً سياسية وراء عدم التعجيل بالحسم في الرقة، إذ لم تتبلور بعد تفاهمات تتعلق بمستقبل الرقة وريفها. ودفع المدنيون فاتورة الحرب، إذ قتل وأصيب الآلاف منهم بالقصف الجوي والمدفعي العشوائي، وبألغام سوّر بها التنظيم المدينة أثناء محاولات يائسة للهروب من "الجحيم"، على حد وصف أحد الناجين. وأكد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" ارتفاع عدد القتلى من المدينة وريفها إلى 1007 أشخاص، بينهم 236 طفلاً و166 امرأة، منذ 5 يونيو الماضي وحتى 11 سبتمبر/أيلول الحالي. وأشار إلى أن 991 مدنياً قتلوا في مدينة الرقة خلال هذه الفترة، بينهم ما لا يقل عن 233 دون سن الثامنة عشرة، و162 امرأة، إضافة إلى 16 مدنياً، بينهم 3 أطفال و4 نساء قتلوا في غارات على قرية زور شمر ومنطقة أخرى عند الضفاف الجنوبية لنهر الفرات بريف الرقة الشرقي. وأكد "المرصد" أن القصف الجوي تسبب بإصابة مئات المواطنين بجراح متفاوتة الخطورة، بعضهم تعرض إلى بتر أطراف وإعاقات دائمة. كما دمِّرت عشرات المنازل والمرافق الخدمية في المدينة، نتيجة لهذا القصف المكثف، الذي استهدف مدينة الرقة ومحيطها.

وتؤكد مصادر محلية، خرجت من الرقة حديثاً لـ"العربي الجديد"، أن عدد القتلى "أعلى بكثير من الأرقام المعلنة"، مشيرة إلى أن جثثاً "لا تزال تحت دمار أبنية المدينة"، موضحة أن معظم مرافق المدينة وأبنيتها تعرضت للتدمير بقصف طيران التحالف الدولي، بقيادة واشنطن. ولا يزال هناك عدد غير معروف، قدرته الأمم المتحدة بأكثر من 20 ألف شخص، داخل المدينة ينتظرون المجهول، إذ اجتمعت كل أطراف الصراع على عدم إيجاد حل لهم، فطيران التحالف الدولي غير مكترث بهم، وتنظيم "داعش" يتخذ منهم دروعاً بشرية، ومنهم من لم يجد سبيلاً للخروج من "المحرقة" في أكثر المدن السورية التي تعرضت للتدمير. "لم تعد صالحة للعيش"، يؤكد أحد الناجين، مضيفاً أن "حجم الدمار أكبر مما تتخيلون. إنها كارثة، وجريمة كبرى ارتكبت تحت ذريعة محاربة الإرهاب". وكانت جرت محاولات من قبل جهات محلية لتجنيب مدينة الرقة سيناريو الموصل "الكارثي"، إذ أبدى "داعش" موافقته على الخروج من المدينة باتجاه معاقل له في البادية السورية ودير الزور، لكن الرفض الروسي والتهديد باستهداف مسلحي التنظيم الخارجين من المدينة أفشل هذه المحاولات، ودفع المدينة إلى الخراب. وفي شمال مدينة الرقة، يتجلى وجه آخر من وجوه مأساة أهالي الرقة، إذ نزح الآلاف منهم نتيجة الحرب إلى مخيمات عين عيسى، التي لا يتوفر فيها الحد الأدنى من ظروف الحياة الطبيعية، وهي لم تلق اهتماماً كبيراً من المنظمات الدولية.

المساهمون