معركة الحدود العراقية السورية: تفاهمات بين بغداد ونظام الأسد

معركة الحدود العراقية السورية: تفاهمات بين بغداد ونظام الأسد بعِلم أميركي

17 سبتمبر 2017
قوات عراقية على أبواب عكاشات (معاذ الدليمي/فرانس برس)
+ الخط -
انطلقت، أمس السبت، أولى معارك الحدود العراقية السورية ضد تنظيم "داعش"، في ظل تنسيق واضح بين السلطات العراقية والنظام السوري. فبعد ساعات من إعلان قيادة العمليات المشتركة العراقية أمس انطلاق عمليات عسكرية لاستعادة منطقة عكاشات قرب الحدود مع سورية، أعلن تحالف من المليشيات الموالية للنظام السوري بدء هجوم في الطرف الجنوبي لمحافظة دير الزور، لطرد تنظيم "داعش" من أجزاء في المنطقة الحدودية مع العراق، وذلك فيما كشف مسؤولون عراقيون في بغداد لـ"العربي الجديد" عن تفاهمات تم التوصل إليها بين الحكومة العراقية والنظام السوري برئاسة بشار الأسد وبعِلم أميركي في ما يتعلق بملف الحدود المشتركة بين البلدين البالغة 612 كيلومتراً على امتداد الأنبار ونينوى عراقياً، ودير الزور والحسكة سورياً.
ولم تتأخر القوات العراقية لتعلن بعد ساعات من إطلاق المعركة عن طرد "داعش" من منطقة عكاشات، من دون أن تتحدث عن أي تنسيق مع النظام السوري وحلفائه. لكن مسؤولين عراقيين أفادوا "العربي الجديد" بأن التفاهمات التي جرى التوصل إليها، تتلخص بوضع ثلاث نقاط لقاء بين الجيش العراقي من جهة، وقوات النظام السوري من جهة أخرى على الشريط الحدودي، مع منح القوات العراقية صلاحية التوغّل لمسافة لا تزيد عن 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية، وهو ما يعني أن هناك اتفاقاً بشكل أو آخر على تمدّد قوات النظام في المناطق والمدن السورية الحدودية مع العراق، على أن تُستثنى منها مناطق في الحسكة السورية تسيطر عليها الفصائل الكردية.

وكشف مسؤول عراقي رفيع في مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي لـ"العربي الجديد" أن التفاهمات التي جرى التوصل إليها بعِلم أميركي، تمت خلال زيارة مستشار الأمن الوطني فالح الفياض، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس هيئة "الحشد الشعبي"، مع وفد عسكري عراقي إلى دمشق نهاية الشهر الماضي والتقى خلالها رئيس النظام السوري بشار الأسد وقيادات بالجيش هناك. وتتضمن التفاهمات بدء عمليات تنسيق بين بغداد ودمشق في ما يتعلق بملف الحدود بعد وصول قوات النظام إلى البلدات السورية المتمثلة بمنطقة البوكمال الحدودية مع القائم العراقية (غرب) وبلدتي الصور والجحنة سورياً التي تقابلها حدود محافظة نينوى وعاصمتها الموصل وتحديداً طريق تلعفر القديم الرابط مع الحدود السورية (شمال). وأوضح أن التفاهم يهدف لحصر تنظيم "داعش" في منطقة لا تتجاوز مساحتها 200 كيلومتر على الحدود بين البلدين، تعقبها بعد ذلك هجمات متزامنة من كلا الطرفين على التنظيم.

وأضاف: "بالنسبة للعراق ووفقاً للجدول الزمني للعمليات العسكرية، فمن المحتمل أن تحرر القوات العراقية البلدات الحدودية المتبقية بشكل كامل خلال فترة لا تتجاوز الستة أشهر، وهو يحاول ضمان عدم فرار مقاتلي داعش إلى سورية ومن ثم معاودة الهجوم، لذا يسعى لأن تحصل عمليات مماثلة في الجانب السوري". وأكد أن القوات العراقية ستتوغل مسافات بسيطة وبشكل مؤقت داخل الأراضي السورية وفقاً للتفاهم الذي تم التوصل إليه، مشدداً على أن الأميركيين على علم بالتفاهم وسيوفرون دعماً للقوات العراقية في ملف الحدود، ومن المرجح أن تقوم روسيا بدعم قوات النظام لتأدية المهمة تلك.
وختم بالقول: "بالنسبة لنا لن ندخل بأي تفاصيل أخرى ذات بُعد سياسي، وكل ما يهمنا في العراق أن تكون الحدود مغلقة والمناطق الحدودية لا توجد فيها فصائل غير تنظيم "داعش" حتى لا يقال إن العراق يتبنى موقفاً ضد الفصائل غير المصنفة على لائحة الإرهاب"، وفقاً لقوله.

من جهته، أكد رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حاكم الزاملي، لـ"العربي الجديد"، أنه تم التوصل إلى تفاهم حقيقي في ملف الحدود، والاتفاق على أن يلتقي الجيش العراقي وجيش النظام السوري في ثلاث نقاط حدودية. وأوضح الزاملي أن "الحكومة تحاول الوصول سريعاً إلى الحدود لإغلاقها، وهي حققت نجاحاً في ذلك، لكن هناك مناطق كثيرة مفتوحة غرب وشمال البلاد وأي انتصارات لن تكون كاملة ما دامت الحدود مفتوحة وهناك موجات من المسلحين تصل للعراق من خلالها". وأضاف: "عندما يتم التضييق عليهم في سورية ينتقلون إلى العراق وبالعكس، ويستغلون الحدود التي يبلغ طولها أكثر من 600 كيلومتر للتنقل بين البلدين وأيضاً الصحراء الممتدة بين العراق وسورية لتكون ملاذاً آمناً لتحركاتهم".

وأكد أن "هناك تفاهماً حول ملف الحدود، ولقاء الجيش العراقي مع الجيش السوري سيكون في ثلاث نقاط حدودية، وهي منفذ البوكمال ومنفذ التنف ومنفذ ربيعة، وهذا حسب الاتفاق الذي تم التوصل إليه وتضمّن التنسيق لعدم الاحتكاك بين الطرفين، وتبادل المعلومات والتقاءهما في هذه المنافذ والمناطق الحدودية"، معتبراً أن "التنسيق لتبادل الرؤية والمعلومات مهم جداً ويصب في مصلحة البلدين".


أما نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية، محمد نوري العبد ربه، فقال لـ"العربي الجديد" إنه "تم التوصل إلى تفاهمات لكن ليس اتفاقية". وأضاف أن "الاتفاقية يجب أن تمرر على البرلمان وهو ما لم يحدث حتى الآن، لذا فهي تفاهمات وتنسيق في هذا الملف لمنع تسلل إرهابيي داعش إلى العراق، ونحن نشجعها".

من جهته، لفت النائب في البرلمان العراقي عن محافظة الأنبار حامد المطلك، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ملف الحدود مع سورية بات الأبرز في العراق اليوم بعد تحرير نينوى وغالبية مدن العراق، فبقاؤها مفتوحة يعني أن هناك هجمات جديدة وأن الاستقرار بعيد عن العراقيين". وأشار إلى أن "لا أحد حالياً يستطيع تحديد وقت زمني لالتقاء الجيش السوري والجيش العراقي على الحدود، وهذا الموضوع يتحدد بتحرير الأرض من داعش عندما يتم تحرير منطقه راوة وعنه والقائم والمناطق الحدودية الأخرى غرب الأنبار وكذلك في الجانب السوري دير الزور والبوكمال والمناطق الأخرى".

وتسيطر القوات العراقية حالياً على نحو 60 في المائة من مجمل مساحة الحدود مع سورية بعد سلسلة من الحملات العسكرية الناجحة التي نفذتها بدعم أميركي خلال العام الحالي، وتمكّنت خلالها من الوصول إلى الحدود مع سورية من الاتجاه الشمالي المتمثل بربيعة ومحور البعاج وتلعفر، بينما لا تزال الحدود مفتوحة غرباً من محافظة الأنبار حيث البوكمال التي يبسط "داعش" سيطرته عليها، فضلاً عن أجزاء من التنف السورية.
بينما تضغط قوات النظام السوري ومليشيات تساندها، على مدينة دير الزور من الجهة الجنوبية الغربية، إثر وصولها إلى مطار المدينة العسكري من محور البادية، كما تحاول التقدّم أيضاً من ريف الرقة الجنوبي الشرقي للوصول إلى ريف دير الزور الغربي، إلا أنها تواجه عراقيل بسبب مقاومة تنظيم "داعش"، خصوصاً في بلدتي معدان والسبخة التابعتين إدارياً للرقة.

وتهدف قوات النظام إلى تحقيق مزيد من التقدّم في مدينة دير الزور، وتقليص مناطق سيطرة التنظيم داخلها. وتؤكد مصادر إعلامية أن قوات النظام تحاول السيطرة على منطقة الجفرة، والوصول إلى الضفاف الغربية لنهر الفرات بغية فرض طوق من 3 جهات على مدينة دير الزور، لدفع مسلحي التنظيم للانسحاب شرقاً عبر نهر الفرات إلى معاقله البارزة في ريف دير الزور الشرقي قبل تطويقه بشكل كامل، خصوصاً أن قوات "سورية الديمقراطية" تتقدّم أيضاً باتجاه المدينة من الشمال الشرقي. ولم يشهد الريف الشرقي لدير الزور أي اشتباكات حتى اللحظة، إذ لم تتقدم مليشيا النجباء العراقية الموالية للنظام السوري في هذا الريف منذ تمركزها أخيراً في منطقة رأس الوعر جنوب مدينة البوكمال السورية بأكثر من خمسين كيلومتراً.