الحكم بالمؤبد على مرسي: تناقضات قانونية وتوظيف سياسي

الحكم بالمؤبد على مرسي: تناقضات قانونية وتوظيف سياسي

17 سبتمبر 2017
هذا القرار هو الحكم البات الثاني بحق مرسي(أحمد جميل/الأناضول)
+ الخط -
أصدرت محكمة النقض المصرية (أعلى درجة للقضاء الجنائي في البلاد) حكماً أمس السبت بإدانة الرئيس المعزول محمد مرسي "بتشكيل جماعة تعمل على خلاف أحكام القانون انضم لها باقي المتهمين بالتخابر مع قطر"، في القضية الخاصة باختلاس وإخفاء وثائق رئاسية متعلقة بالجيش والأمن القومي المصري وتسريبها بقصد إفشائها عبر قناة "الجزيرة" القطرية. وعاقبت المحكمة مرسي بالسجن المؤبد، ليكون هذا الحكم البات الثاني الصادر ضده في كل القضايا المتهم فيها، بعد الحكم الذي صدر ضده نهاية العام الماضي بالحبس 20 عاماً بتهمة تعذيب وقتل مواطنين في محيط قصر الاتحادية عام 2012. وبذلك تكون المحكمة قد ثبّتت على مرسي تهمتين، هما تشكيل جماعة إرهابية بالمخالفة للدستور والقانون (البند التاسع من لائحة الاتهام) بالإضافة لاختلاس أوراق حكومية على قدر عالٍ من السرية وتمس الأمن القومي.
وتحمل هذه القضية العديد من المتناقضات القانونية، فيما تعكس رفع النظام الحاكم في مصر من سقف الخصومة الممنهجة مع جماعة "الإخوان المسلمين" من جهة، ومع دولة قطر من جهة أخرى.

التناقضات القانونية
قضت محكمة أول درجة بإعدام ثلاثة متهمين بتهمة "التخابر مع قطر من خلال بيع الأوراق السرية المضبوطة والخاصة بتحركات الجيش في سيناء" وغيرها من المواضيع إلى قناة "الجزيرة" القطرية، والسجن 15 سنة لسبعة متهمين آخرين للاشتراك معهم في ذلك، وحكمت ببراءة مرسي ومدير مكتبه أحمد عبدالعاطي والموظف السابق في الرئاسة أمين الصيرفي من تهمة التخابر، لكنها عادت ودانت مرسي والاثنين الآخرين باختلاس الأوراق بقصد إخفائها، وبتشكيل جماعة إرهابية، على الرغم من أن الاتهام الأخير لم يكن من بين التهم التي وجّهتها النيابة العامة لهم.

وعلى الرغم من أن تفاصيل القضية وحيثيات حكم أول درجة تؤكد بالدليل القاطع براءة مرسي وعبدالعاطي والصيرفي من التخابر مع قطر، إلا أن الإعلام المصري الموالي للنظام لا يكف عن اتهامهم بالتخابر استغلالاً لإدانة المتهمين معهم في القضية، في الوقت الذي تنتهج فيه حيثيات الحكم الأفكار التي يروجها النظام المصري من اعتبار قطر دولة معادية وقناة "الجزيرة" متآمرة على مصر. وهو ما دفع محكمة النقض لإحالة أوراق القضية إلى النائب العام لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد حمد بن جاسم، الذي قالت النيابة إنه كان رئيس قناة "الجزيرة" وقت أحداث القضية، لاتهامه بالمساس بالأمن القومي المصري ودفع مبالغ مالية لدعم الإرهاب واستخدام نفوذه السياسي. مع العلم أن مدير شبكة "الجزيرة" كان أحمد بن جاسم، الذي تم تعيينه في 20 سبتمبر/أيلول 2011، وبقي في هذا المنصب قرابة عامين، وهو ما يظهر التناقض الكبير في هذه المحاكمة.

وتؤكد حيثيات حكم أول درجة، المؤيد جزئياً من النقض، أن المحكمة فشلت في إيجاد علاقة واقعية بين مرسي وموظفي مكتبه من جهة، وبين المتهمين الذين حاولوا بيع الوثائق لقناة "الجزيرة" من جهة أخرى، لكن المحكمة مضت في طريقها المرسوم لها سياسياً بالربط بين المتهمين جميعاً في اتهام إجرامي واحد مزعوم ليست له أي ظلال في أوراق القضية، هو تشكيل جماعة إرهابية تابعة لجماعة "الإخوان".


توظيف سياسي

صدور الحكم بهذه الطريقة وفي هذا التوقيت، يؤكد اتجاه النظام المصري، الذي أحكم سيطرته على القضاء على مدار السنوات الأربع الماضية، لاستغلال التحقيقات والأحكام القضائية المتعلقة بجماعة "الإخوان" لزيادة مطالبه من قطر، في إطار استمرار الخصومة بين دول الحصار الأربع وقطر، ومحاولة عرقلة جهود الوساطة الكويتية والأميركية بهدف الحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية والمالية.

وكان النائب العام المصري نبيل صادق، قد تلقى منذ شهرين تعليمات كشفتها "العربي الجديد" من الدائرة الخاصة برئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي بإعداد ملف كامل عن المتهمين الهاربين الموجودين حالياً أو الذين وُجدوا سابقاً في قطر، بعد أحداث 30 يونيو/حزيران 2013، من واقع حيثيات الأحكام وقرارات الإحالة الصادرة بحقهم، على أن يرفق بهذا الملف الإجراءات المتخذة في بعض الدعاوى والبلاغات التي قدّمت له أو أقيمت في محكمة الأمور المستعجلة لاعتبار قطر دولة داعمة للإرهاب. ذلك بالتوازي مع تكثيف مخاطبة الإنتربول لتسجيل بعض المتهمين المقيمين في قطر على النشرة الحمراء الخاصة بترقب الوصول والاعتقال في مختلف دول العالم.


وأرجعت مصادر دبلوماسية مصرية صدور قرارات قضائية حديثة في القضية 316 لسنة 2017 حصر أمن دولة العليا والمعروفة إعلامياً بـ"الجناح العسكري للإخوان"، إلى رغبة مصر في نسج رواية قانونية موثّقة يمكن من خلالها اتهام حكومة قطر بالضلوع في تمويل العمليات الإرهابية على أراضيها، على الرغم من ضعف الأدلة الواردة في تلك القضية وغياب القرائن على وجود صلة بين الوقائع الفعلية التي حدثت وبين ما تزعم السلطات المصرية أنها عمليات تمويل واسعة النطاق تمتد بين قطر وتركيا ومصر لخلايا غير مركزية تابعة لجماعة "الإخوان" في 9 محافظات أبرزها القاهرة والجيزة والإسكندرية.

ويأتي حكم النقض الأخير داعماً لتلك التحركات المصرية، مقدّماً لها أول قرار قضائي غير قابل للطعن يحمل في طياته رواية متكاملة لاتهام قطر بدعم جماعة إرهابية، وبمحاولة الحصول على وثائق مصرية سرية لتأليب الرأي العام على النظام الحاكم، وهو ما سيكتمل بالتحقيقات الجديدة التي ستجريها النيابة بشأن التدخّل المزعوم لقناة "الجزيرة" في الشأن المصري، بحسب منطوق حكم النقض.

ويرى مراقبون أن محاولة مصر الضغط على قطر دولياً على المستويين القانوني والسياسي باستخدام التحقيقات والأحكام القضائية، لن تؤتي أكلها لأسباب عدة، أبرزها أن سمعة القضاء المصري دولياً ليست جيدة بسبب استخدامه بواسطة النظام للتنكيل بالمعارضين من الإسلاميين واليساريين والحقوقيين وإصداره قرارات غير قانونية للتغطية على الانتهاكات الأمنية، فليست صدفة أن جميع من تصدر ضدهم أحكام حتى في القضايا الجنائية البعيدة عن أحداث العنف والتظاهر يكونون من معارضي النظام، إلى جانب القرارات التأديبية التي اتخذها القضاء بحق القضاة المعارضين لإطاحة حكم جماعة "الإخوان"، بينما تم الإبقاء على زملائهم الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بعزل مرسي.

كما أن الاتهامات المنسوبة لقطر، وعلى رأسها قضية التخابر محل الحكم الأخير، خالية من التفاصيل "المحبوكة" والحاسمة التي تثبت ضلوع مرسي وأي من موظفيه أو حتى بقية المتهمين في التواصل مع قطر بهدف تسريب الوثائق لها. كما تخلو الأوراق من أي دليل على إعطاء قطر أي منح مالية لمرسي، كرئيس جمهورية، نظير تشكيل جماعة إرهابية مزعومة، وهي العيوب نفسها الموجودة في قضايا أخرى ما زالت منظورة وتقتصر الدلائل فيها على الرواية الأمنية المحررة مكتبياً، كقضيتي التخابر مع حركة "حماس" واقتحام السجون.

وبالتوازي مع التصعيد ضد قطر، يساهم الحكم الأخير في إغلاق أي منافذ محتملة للتقارب مع جماعة "الإخوان" بصفة خاصة، والتيار الإسلامي المعارض للنظام بصفة عامة، فالحاصل حالياً أن جميع قيادات الجماعة مدانون بأحكام باتة غير قابلة للطعن، مما يعني أن أجيالاً كاملة من الجماعة أصبحت في خصومة نهائية مع النظام والقضاء، لا يمكن محوها في ظل استمرار نظام السيسي وإذا بقيت الجماعة بهيكلها الحالي.

ويتكامل هذا التصعيد مع استمرار النظام في التنكيل بأعضاء الجماعة والموالين لها اقتصادياً بمد أمد التحفظ على أموالهم المجمدة منذ 2014، وبفتح قضايا جديدة كبيرة ذات عدد كبير من المتهمين وعدد محدود وضئيل من الوقائع الحقيقية، كقضية تشكيل الجناح العسكري للجماعة التي استند لها النظام في القبض على مئات القيادات الوسطى الذين كانوا آمنين وغير مطلوبين على ذمة قضايا حتى مطلع العام الحالي. ليعطي النظام بذلك دلائل إضافية على عدم ترحيبه بعودة تيار الإسلام السياسي إلى المشهد الرسمي مرة أخرى.

ولا يمكن في الأحوال العادية إلغاء حكم النقض الأخير، ويتوقف هذا عملياً على تغير الظروف السياسية وإصدار عفو رئاسي عن مرسي وباقي المتهمين، أو الإيعاز للنيابة العامة بطلب إعادة التحقيق والمحاكمة في القضية على ضوء ظهور أدلة جديدة فيها. ويبقى أكيداً، بحسب مصادر قضائية، أن النظام سيكون حريصاً على تنفيذ حكم الإعدام قريباً في المتهمين الثلاثة الرئيسيين المحبوسين في القضية، أحمد عفيفي، ومحمد كيلاني، وإسماعيل ثابت.

المساهمون