هل تتذرّع السلطة المصرية بالأحداث الأمنية للتهرب من الانتخابات؟

هل تتذرّع السلطة المصرية بالأحداث الأمنية للتهرب من الانتخابات؟

16 سبتمبر 2017
أوساط سياسية تبحث تقديم مرشح واحد ضد السيسي(جوناثان راشد/Getty)
+ الخط -
يخشى كثيرون في مصر أن يكون استغلال السلطات المصرية أزمات طاحنة أو اعتداءات قد يشنها تنظيم "ولاية سيناء"، هو المدخل لتبرير عدم إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة دستورياً في يونيو/حزيران المقبل، والمفترض أن تبدأ إجراءاتها في فبراير/شباط 2018. ولم يحدد النظام حتى الآن قراره النهائي بشأن إجراء الانتخابات أو الاكتفاء بتعديل دستوري يتيح للرئيس عبد الفتاح السيسي البقاء لفترة أطول. ويعول النظام، بحسب مصادر سياسية في القاهرة، على زيارة السيسي المرتقبة إلى نيويورك قريباً، للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بصحبة وزير خارجيته، سامح شكري، وعدد من الشخصيات الدبلوماسية ورجال الأعمال المصريين، لمحاولة التعرف إلى مدى اهتمام دوائر صنع القرار الأميركية بمسألة تداول السلطة في مصر، ومدى أولويتها بالنسبة للكونغرس ومدى تأثيرها على القرارات المستقبلية بشأن المساعدات العسكرية والاقتصادية.

ويستند المتخوفون من افتعال النظام لأزمات أو استغلال الإرهاب لصالحه سياسياً قبل الموعد المحدد لبدء إجراءات الانتخابات، إلى حقيقة أن السيسي سبق واستغل جميع الأحداث الإرهابية التي وقعت منذ عام 2013 كذرائع لإصدار قرارات وقوانين تزيد من إغلاق المجال العام وليبرر أمام العالم تضييق أوضاع حقوق الإنسان والحريات وملاحقة المعارضين السياسيين والحقوقيين. فمنذ ما قبل توليه الرئاسة، حين كان نائباً أول لرئيس الوزراء حازم الببلاوي، تم استغلال حادث تفجير مديرية أمن الدقهلية، والذي أثبتت التحقيقات القضائية في ما بعد مسؤولية جماعة "أنصار بيت المقدس" (ولاية سيناء حالياً) عنها، لإصدار قرار في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2013 باعتبار جماعة "الإخوان المسلمين" تنظيماً إرهابياً والتحفظ على أموالها وممتلكاتها وكذلك أموال وممتلكات أعضائها من رجال الأعمال وأصحاب المصالح الاقتصادية. وفتحت على خلفية هذا القرار القضية 653 لسنة 2014 التي استغلت للتحفظ على أموال 1538 شخصاً بتهمة تمويل "الإخوان"، ثم إدراجهم على قائمة الإرهابيين، على الرغم من عدم تحديد الجرائم المزعوم ارتكابها بواسطتهم.

وفي 19 يوليو/تموز 2014، تعرضت نقطة حرس حدود تابعة للجيش المصري بمنطقة الفرافرة بالوادي الجديد لجريمة من جماعة "أنصار بيت المقدس" بقيادة ضابط جيش سابق، يدعى هشام علي عشماوي، الذي انفصل لاحقاً عن التنظيم لرفضه مبايعة "داعش"، وراح ضحيته 21 ضابطاً وجندياً. هكذا، زاد السيسي من ضغوطه الإعلامية والسياسية على المحاكم لاستصدار أحكام جنائية مشددة ضد قيادات وأعضاء جماعة "الإخوان المسلمين"، حتى صدر حكم غير مسبوق من المحكمة الإدارية العليا في 9 أغسطس/آب الماضي، أي في فترة العطلة القضائية المعتادة، بحل حزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية لجماعة "الإخوان"، ليجهز السيسي على "الإخوان" سياسياً واقتصادياً، مع استمرار ملاحقتهم أمنياً وقضائياً.


ثم استغل السيسي استهداف كمين كرم القواديس جنوب الشيخ زويد في شمال سيناء في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2014، والذي راح ضحيته 30 جندياً مصرياً، ليصدر بعد 48 ساعة فقط قانوناً غير مسبوق ومشبوها بعدم الدستورية، بإحالة جميع قضايا العنف والتظاهر أمام المنشآت العامة إلى القضاء العسكري بدلاً من القضاء العادي، واعتبار المنشآت الحكومية والمرافق بمثابة منشآت عسكرية، ليقرر النائب العام الراحل هشام بركات، على أثر ذلك، إحالة جميع قضايا التظاهر والعنف والاشتباكات الأهلية بأثر رجعي منذ تاريخ فض اعتصامي رابعة والنهضة إلى القضاء العسكري بالمخالفة للدستور. وشكل الحادث نفسه فرصة للسيسي ليعلن في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2014، إقامة منطقة عازلة على الحدود بين سيناء وقطاع غزة، أمر على أثره بإخلاء مئات المنازل في مدينة رفح، وتجريف الأراضي والمزارع، وهدم عشرات المنشآت، ثم إغراق شريط واسع من المنطقة بالمياه، بحجة هدم الأنفاق الواصلة بين غزة وسيناء، حيث كان الإعلام المصري في ذلك الوقت يروج لرواية مفادها أن حركة حماس تسمح لجماعة "أنصار بيت المقدس" بنقل الأسلحة والعتاد والأغذية عبر الحدود.

وعقب اغتيال النائب العام هشام بركات، في 29 يونيو/حزيران 2015، أعطى السيسي الضوء الأخضر لسرعة إصدار قانون مكافحة الإرهاب ليصدر بعد الحادث بأقل من شهرين، على الرغم من معارضة حقوقية محلية ودولية واسعة لمواده، التي تعطي الحق لرئيس الجمهورية في اتخاذ إجراءات عرفية غير دستورية شبيهة بحالة الطوارئ. كما تقيد حق المواطنين في معرفة حقيقة العمليات الإرهابية بمنع وسائل الإعلام من نشر أي معلومات غير مذكورة في البيانات الرسمية للجيش والشرطة. وفي إبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين، أعلن السيسي حالة الطوارئ على مستوى الجمهورية لأول مرة منذ فض اعتصامي رابعة والنهضة، بعدما كانت تقتصر على جزء من شمال سيناء فقط. وأجرى تعديلات قاسية بحق المواطنين على قانوني الكيانات الإرهابية والإجراءات الجنائية، وجعل بيديه اختيار رؤساء الهيئات القضائية لأول مرة. ثم أصدر قانون العمل الأهلي بعد أشهر من رفض الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، وذلك كله استغلالاً لجريمة استهداف الكنيسة البطرسية بالعباسية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ثم كنيستي المرقسية بالإسكندرية ومار جرجس بطنطا في إبريل/نيسان الماضي، وعمليات تهجير الأقباط من سيناء، والتي استغلتها السلطات إعلامياً في الخارج، وبصفة خاصة لدى الدوائر الأميركية، لتضخيم حجم الأخطار التي تواجهها مصر داخلياً.

وقد سار استغلال الأحداث الأمنية، بالتوازي مع إجراءات متصاعدة لتنفيذ خطط اقتصادية ضاغطة، ابتداءً من زيادة أسعار الكهرباء والمياه والغاز لأول مرة في صيف 2014 مروراً بتعويم الجنيه المصري في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ثم الزيادة الكبيرة في أسعار الوقود كجزء من تنفيذ شروط التقشف المذكورة في اتفاق اقتراض 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.

وليس أمام السيسي ودائرته تحركات جديدة قد تتأثر بالأحداث الإرهابية والأزمات خلال الشهور المقبلة، سوى الاستحقاق الرئاسي المقرر دستورياً، والذي لم يصدر السيسي حتى الآن تشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات المنوط بها البدء في اتخاذ إجراءاته. وهذا ما يثير العديد من التساؤلات حول مصير الانتخابات، التي كانت قاب قوسين من إعلان التأجيل في إطار إجراء تعديل دستوري واسع يعزز بقاء السيسي وصلاحياته، لولا القرار الأميركي الأخير بتجميد وتأجيل بعض المساعدات لمصر. فالتحرك الأميركي شكل إنذاراً دفع إلى التراجع عن التصريحات الحكومية والبرلمانية المصرية الداعمة للتعديل الدستوري، ما أعاد توقعات المراقبين إلى المربع الأول انتظاراً لما سيحدث في لقاءات السيسي بنيويورك، وما قد يطرأ لتستغله القاهرة.

وشهدت الأيام القليلة الماضية إعلان رئيس لجنة إعداد الدستور الحالي، عمرو موسى، ورئيس "التيار الشعبي الناصري"، حمدين صباحي، عدم خوضهما الانتخابات الرئاسية المقبلة. كما أبلغ رئيس حزب "مصر القوية"، عبدالمنعم أبوالفتوح، وسطاء تابعين للسيسي بعدم رغبته في خوض الانتخابات في ظل التضييق الذي يعاني منه حزبه على مستوى القواعد والطلاب، بينما لم يحسم الحقوقي، خالد علي، أمره حتى الآن، ودخلت حملته الترويجية مرحلة من الجمود بعد اتهامه رسمياً بالتلويح بإشارة مخلة بالآداب العامة بعد حصوله على حكم قضائي بمصرية جزيرتي تيران وصنافير وحبسه يوماً على ذمة ذلك الاتهام. وتكثف بعض الشخصيات السياسية الليبرالية واليسارية اتصالاتها لاتخاذ موقف واضح إزاء الانتخابات - في حال إجرائها - سواء بالمقاطعة أو تقديم مرشح واحد ضد السيسي.

المساهمون