"مؤتمر المعارضة القطرية" وعبدالله بن علي: مغامرة سعودية يائسة

"مؤتمر المعارضة القطرية" وعبدالله بن علي: مغامرة سعودية يائسة

11 سبتمبر 2017
للسعودية تاريخ في التدخل بشؤون جيرانها (بندر القلعود/الأناضول)
+ الخط -

للسعودية تاريخ طويل في محاولات تغيير الأمراء الخليجيين غير المرضي عنهم بالنسبة للرياض، واستبدالهم بأمراء ضعفاء وهامشيين وموالين لها. وتشهد هذه الأيام مساعي علنية من قبل الرياض وأبو ظبي لمحاولة الضغط على أمير قطر تميم بن حمد وحكومته من خلال ورقة التلويح بـ"وجود بدائل"، وهمية في الحقيقة، أكان من خلال إبراز عبد الله بن علي الذي لم يطلق مواقف علنية حتى الآن محاولاً الحفاظ على "خط رجعة" مع سلطات بلده، أو عبر ما يسمى "مؤتمر المعارضة القطرية" المقرّر تنظيمه في 14 سبتمبر/أيلول الحالي في لندن. لكن هذه المساعي يُنظر إليها بنوع من السخرية أكثر من التعاطي معها بشكل جدي أكان من قبل الإعلام الأجنبي أو العربي، ذلك أن هؤلاء الأشخاص المغمورين لا يملكون أي حيثية شعبية داخل قطر، وهو ما يدركه تماماً القيمون على الترويج لهؤلاء أكانوا في السعودية أو في الإمارات أو في مصر.

وسبق للسعودية أن تدخلت بشكل أو بآخر في اختيارات الدول الخليجية لحكامها إذ استضافت الإمام غالب الهنائي، في محاولة منها للضغط على سلطان عُمان، قابوس، قبل أن تتخلى عنه ليعيش في مدينة الدمام شرق السعودية ويموت فيها. كما قامت بتدخلات في قطر منتصف التسعينيات إبان الأزمة بين البلدين، لكن السياسة السعودية الجديدة في التدخل بشكل فاضح هذه الأيام، أصبحت تهدد مواثيق الشرف المعقودة بين زعماء الأسر الحاكمة في المنطقة. والمحاولة المكشوفة الأخرى تدور فصولها اليوم من خلال رعاية أبو ظبي والرياض ما يسمى "مؤتمر المعارضة القطرية" في لندن.

وكتبت الدكتورة، الأكاديمية السعودية المعارضة مضاوي الرشيد، في مقال لها على موقع "ميدل إيست آي"، إن "هناك محاولات سعودية للجوء إلى المؤامرات القبلية القديمة، لإحداث انقسامات داخلية في قطر، تشبه إلى حد كبير السياسة الاستعمارية البريطانية القديمة في الخليج، التي كانت تقوم على إقالة الشيخ الصعب واستبداله بآخر مطيع. لكن ولسوء حظّ الرياض، لا يوجد في قطر معارضة من أيّ نوع يمكن أن يستغلها السعوديون للتعجيل بالفوضى المحلية في الدوحة، وكل ما وجده السعوديون هو شيخ قطري اسمه عبدالله بن علي آل ثاني".

وأضافت أنه "عندما ضاعف الأمير السابق (حمد بن خليفة) من رواتب موظفيه، وبنى مدناً ترتكز على التعليم، ووفّر رفاهية سخية، شعر القادة السعوديون بعدم الارتياح إزاء عدم توفير موارد مكافئة لمواطنيهم، فالسعوديين كانوا وما زالوا يعانون من نقص في المساكن، وارتفاع الأسعار، وتقلّص الرفاهية، وقبل الأزمة، كان معظم الخريجين السعوديين والمعلمات يطمحون إلى إيجاد وظائف في الدوحة بدلاً من الرياض".



ولا يبدو أن محاولات السعودية فرض شخص ضعيف وموالٍ لها بدل الحاكم القوي والمعارض لسياساتها، قد تتوقف على قطر، بل قد تمتد بلا شك إلى الدول الخليجية التي رفضت الاصطفاف مع القرار السعودي بالحصار وهي الكويت وعمان. وينظر العمانيون تحديداً بعين متشككة لسياسات الرياض وولي العهد محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للبلاد في فرض وصايته على الدول المحيطة به، ومحاولة إجبارها على الدخول معه في حروبه وصراعاته، بدءاً من الحرب على اليمن وانتهاءً بحصار قطر. ولا تمتلك سلطنة عمان ولي عهد محدد على غرار الدول الخليجية الأخرى، فالسلطان قابوس ليس لديه أولاد أو أشقاء مما يجعل تدخل السعودية والإمارات تحديداً في التدخل في فرض سلطان على عمان أمراً مغرياً بالنسبة لهما. وعدّل السلطان قابوس الدستور العماني ليسمح للعائلة المالكة باختيار خليفة بعده خلال مدة ثلاثة أيام فإذا لم يتوصلوا لاسم معين فإن قابوس ترك رسالة باسم الخليفة المتوقع له.

وعاشت دول الخليج صراعات طويلة مع بعضها نتيجة للخلافات الحدودية والنفطية والسياسية، لكن أي صراع من هذه الصراعات لم يصل إلى التشكيك بسلطة ملك أو أمير أو سلطان دولة في يوم من الأيام. ويرى قادة الخليج الكبار، وحتى الموالون منهم للمعسكر السعودي، أن "خطوة الأمير محمد بن سلمان كانت متهورة ولا تحترم العهود والمواثيق القبلية التي تدار بها دول الخليج، ويقوم على أساسها مجلس التعاون".

ومن المنتظر أن تنقل هذه الخطوة السعودية في الدعوة العلنية لتنصيب أمير موالٍ لها ساحة الصراع الخليجية إلى مرحلة جديدة تهدد جميع الدول، إذ إن السعودية نفسها تعيش حالة انقسام بين أفراد الأسرة المالكة الناقمين على سيطرة محمد بن سلمان على مقاليد الأمور وخلعه لعمه مقرن بن عبدالعزيز، ثم ابن عمه محمد بن نايف من منصب ولاية العهد وفرض الإقامة الجبرية عليه، بالإضافة إلى تجاوزه لعمه الأمير أحمد بن عبدالعزيز وتهميشه لابن عمه ورئيس الحرس الوطني متعب بن عبدالله آل سعود.



وتبدو الأمور مستقرة في قطر لناحية شرعية الأمير، إذ زادت أزمة الحصار المفروض على الدوحة من الالتفاف الشعبي حول الحكومة في قطر. كما أن الكويت تتمتع ببرلمان منتخب استطاع تجنيب البلاد أزمة حكم وشيكة عندما قرر أعضاؤه المنتخبون بالإجماع تنصيب الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد الصباح، بدلاً من الأمير الشيخ سعد العبدالله الصباح، نظراً لظروفه الصحية عام 2006. ولا يبدو أن هناك منفذاً للسعودية في عُمان، نظراً للاختلاف الجغرافي والديني بين البلدين، فعمان بلد ذو أغلبية إباضية على العكس من السعودية السلفية. ويرى بعض المراقبين أن محمد بن سلمان يحاول تصدير مشكلاته داخل بيت الحكم السعودي وفشله في الحصول على شرعية كاملة بعد عزله لابن عمه ابن نايف إلى الدول الخليجية الأخرى. لكنه وبعكس هذه الدول التي تتركز فيها السلطة بيد الحكومة فقط، فإن أمراء السعودية المناوئين لابن سلمان يملكون موارد مالية ضخمة جداً، توازي ميزانيات دول بالإضافة إلى امتلاكهم ولاء العديد من المؤثرين داخل المجتمع السعودي من شيوخ ووجهاء القبائل والمناطق، وهو ما يعني أزمة حكم متكافئة بين كافة الأطراف داخل الرياض.

على صعيد آخر، تساءلت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية عما إذا كان "مؤتمر خالد الهيل" في إشارة إلى المواطن القطري الذي يقدم نفسه على أنه معارض قطري، وينوي تنظيم المؤتمر المقرر في لندن في 14 سبتمبر، أو عبدالله آل ثاني، "يمثلان أي كتلة داخل قطر". وسيشمل مؤتمر لندن مناقشات "بشأن كيفية تحويل قطر إلى إمارة دستورية في إطار انقلاب أبيض" بحسب الوكالة المذكورة، "رغم تأكيد الهيل على أن حركته سلمية تماماً".



وذكرت الوكالة أن "الهيل لم يعرض تفاصيل بشأن عدد داعمي خطته، إلا أنه شدّد على أن بلاداً تعارض قطر حالياً لم تقم بتمويل أنشطته". وأضافت أنه "على الأرجح ليس للهيل نفوذ على الإطلاق داخل قطر، وفقاً لما قاله أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الخليجية في جامعة جورجتاون في قطر، غيرد نونيمان".

وكشفت أن "نونيمان اعتبر أن جهود الهيل السابقة في تدشين منظمة تدعى حركة إنقاذ الشباب القطري من القاهرة، لم تحقق التأثير المرجو، ذلك لأن الهيل لا يستند إلى أي شيء، تماماً مثل الآخرين. وما ألاحظه أن الإمارات أو أبوظبي أو الرياض تستخدم هؤلاء الأشخاص لإثارة المزيد من القلاقل. والهيل ليس أول قطري مجهول يطرح نفسه معارضاً للسلطة بدعم إماراتي ــ سعودي".

ونقلت الوكالة عن نونيمان قوله إنه "في الأيام الأخيرة، كان السعوديون يشيرون إلى ضرورة أن ينصب الشيخ عبد الله بن علي، على قطر من المنفى. ومن بين أبرز الأصوات الداعمة لهذه الفكرة سلمان الأنصاري، رئيس مجلس العلاقات السعودية ــ الأميركية، وهي جماعة ضغط سعودية نافذة في واشنطن كانت قد وقعت أخيراً عقداً بقيمة 1.2 مليون دولار مع البحرين لإنتاج مقاطع مصورة ومواد عن الدول المعادية في الشرق الأوسط".

وكشفت الوكالة أن "مجلس العلاقات السعودية الذي يرأسه الأنصاري أنفق بالفعل عشرات الآلاف من الدولارات على حملات دعائية تلفزيونية في الولايات المتحدة تهاجم قطر". ونقلت عن محللة شؤون الخليج في لندن، سينزيا بيانكو قولها، إن "كل هذا هدفه استفزاز الشيخ تميم، أكثر من الإطاحة به".


المساهمون