هواجس "أم المعارك" في ديرالزور: محاصصة أميركية ــ روسية

هواجس "أم المعارك" في ديرالزور: محاصصة أميركية ــ روسية

11 سبتمبر 2017
قوات "مجلس دير الزور العسكري" قرب الشدادي(أيهم المحمد/فرانس برس)
+ الخط -
تتسارع التطورات الميدانية في مدينة دير الزور شرقي سورية وفي ريفها الشمالي، حيث بدأ يوم السبت ما يمكن تسميته بالسباق نحو معاقل تنظيم "داعش"، بين قوات النظام السوري المدعومة من الروس، وبين "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة من "التحالف الدولي" بقيادة واشنطن التي تبدو مهتمة بالسيطرة على هذه المحافظة المترامية والغنية بالنفط. وعلى الرغم من أن معركة دير الزور لا تزال في أيامها الأولى، إلا أن هواجس متعددة بدأت تطفو على السطح في ظل غياب المعارضة السورية التي تمثلها فصائل عربية عن المعركة التي من المتوقع أن تطول، خاصةً في الريف الشرقي حيث الثقل الرئيسي للتنظيم.

وتثير معركة دير الزور مسألة جوهرية وهي الدور المفترض للعشائر العربية التي تقطن المنطقة، وهي عشائر متماسكة لن تسمح لقوات تتبع للوحدات الكردية  بالتوغل في ريف دير الزور الشرقي، الذي سيشهد معارك شرسة مع التنظيم، بحسب محللين.

وتواصل قوات النظام ومليشيات تساندها التقدم باتجاه مدينة دير الزور في محاولة لطرد "داعش" من أحياء يسيطر عليها منذ عام 2014، مع ظهور منافس لها شمال نهر الفرات وهو "قوات سورية الديمقراطية" التي أعلنت، السبت، عن حملة "عاصفة الجزيرة" بدعم من "التحالف الدولي"، وغايتها الوصول إلى شاطئ الفرات الشمالي.

وأعلن مصدر عسكري في قوات النظام، أمس الأحد، أن "طلائع وحدات الجيش العاملة على محور السخنة-دير الزور بالتعاون مع القوات الرديفة، وصلت إلى الفوج 137 ومنطقة البانوراما، ووسعت نطاق سيطرتها في المنطقة"، فيما ذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام، أن طريق دمشق-دير الزور الدولي، أصبح لأول مرة منذ أربع سنوات تحت سيطرة قوات بشار الأسد.

وكان جيش النظام قد أعلن مساء السبت كسر الحصار المفروض على مطار دير الزور، والأحياء السكنية المجاورة له، مشيراً إلى أن القوات المتقدمة من منطقة المقابر التقت مع حامية مطار دير الزور في "لواء التأمين". في المقابل، أعلنت قيادة قوات حملة "عاصفة الجزيرة" أنها حققت تقدماً وصفته بـ"السريع" باتجاه دير الزور في اليوم الأول من الحملة التي يشكّل "مجلس دير الزور العسكري" التابع لـ"قوات سورية الديمقراطية" عمادها الرئيسي. وأشارت إلى أنها استعادت السيطرة على قرية العربيدي الواقعة على الطريق الرئيسية على محور أبو فاس-دير الزور، كما أكدت السيطرة على مرتفعات العجيف جنوب القرية، إضافة إلى قرية المالحة، وحقول آبار البترول في تلك المنطقة.

وتظهر مجريات الأحداث أن هناك "محاصصة" بين الروس والأميركيين في محافظة دير الزور، إذ تبقى قوات النظام في منطقة الشامية جنوب النهر، و"قوات سورية الديمقراطية" في الجزيرة شمال النهر. لكن مصادر مطلعة في المعارضة السورية أكدت لـ"العربي الجديد" أن معركة دير الزور "ليست كغيرها من المعارك"، ذاكرةً أنها "تعد أم المعارك ضد التنظيم في سورية". وأضافت أن "مدينة دير الزور شبه مدمرة ولم يبق منها إلا بضعة أحياء ربما تذهب لقوات النظام، ولكن الثقل الرئيسي للتنظيم في ريف دير الزور الشرقي، حيث المعقل الرئيسي وهو مدينة الميادين". وأشارت المصادر إلى أن التنظيم زرع مسلحيه الهاربين من الرقة والعراق على طول نهر الفرات من دير الزور إلى مدينة البوكمال. ورأت أنه في هذه المنطقة "ستدور المعركة الكبرى التي لا تستطيع قوات النظام أو قوات سورية الديمقراطية الصمود فيها"، بحسب مصادر المعارضة السورية. ولفتت إلى أن ريف دير الزور الشرقي يضم قبائل عربية كبرى متماسكة، مثل العقيدات التي لن تسمح بتقدم مليشيات إيران الطائفية في مناطقها، كما لن تسمح بأي وجود كردي تحت أي غطاء. وأكدت المصادر أن القبائل "سيكون لها دور مهم في حسم المعارك، وتحديد مصير المحافظة".


ورجحت هذه المصادر أن تتأخر معركة الريف الشرقي لدير الزور "حتى تتبلور التفاهمات بين الروس والأميركيين، خاصةً لجهة القوة التي تدخل المنطقة"، معربةً عن اعتقادها "بأن هناك مصلحة روسية-أميركية مشتركة بإبعاد إيران عن معركة دير الزور كي لا يتحقق مشروع طهران في إنشاء طريق بري يربطها مع البحر الأبيض المتوسط".

وثمة طرف ثالث كان يفترض أن يكون حاضراً بقوة في معركة دير الزور وهو فصائل "الجيش السوري الحر"، والتي تضم مسلحي العشائر العربية المنتمية للمنطقة. لكن دورها تقلص كما يبدو إلى درجة كبيرة نتيجة المعطيات على أرض الواقع التي جعلت مقاتلي هذه الفصائل إما بعيدين عن ساحة المعركة، إذ نجحت قوات النظام بدعم روسي وتواطؤ أميركي في قطع الطريق على فصائل البادية السورية للوصول إلى دير الزور، أو محكومين بالولاء لـ"قوات سورية الديمقراطية" التي تتحكم فيها قيادات كردية. وهذا ما تتحفظ عليه بعض تلك الفصائل التي ترى أنها الأحق بدخول دير الزور، مدينةً وريفاً، وطرد التنظيم منها، وتولي إدارتها. والحديث هنا يدور عن عدد من الفصائل العربية المرشحة للمشاركة في معركة دير الزور، ولا تعمل في إطار "قوات سورية الديمقراطية". ويتعلق الأمر بـ"فصائل البادية" التابعة لـ"الجيش الحر"، وينحدر أغلب مقاتليها من عشائر شرقي البلاد خاصةً دير الزور، ومن "جيش مغاوير العشائر" و"جيش أسود الشرقية" و"لواء شهداء القريتين"، فضلاً عن قوات "الشهيد أحمد العبدو".

وقد غادرت بعض هذه الفصائل بالفعل منطقة البادية باتجاه الشمال مثل "جيش مغاوير العشائر" استعداداً لدور محتمل في معركة دير الزور. وهناك ضغوط تمارس على الفصيلين الرئيسيين في البادية وهما: "أسود الشرقية" و"أحمد العبدو" من أجل تسليم مناطقهما في البادية لقوات النظام السوري، والدخول إلى معسكرات تدريب في الأردن، قبل الانتقال إلى الشمال الشرقي من أجل المشاركة في معركة دير الزور، وهو ما يرفضه هذان الفصيلان حتى الآن، ويصران على مواصلة قتال قوات النظام في البادية السورية.

وثمة تسريبات تؤكد أن الفصيلين توصلا إلى اتفاق بالفعل مع الجانبين الأميركي والأردني يقضي، في المرحلة الأولى، بوقف العمليات القتالية ضد قوات النظام السوري والانتقال إلى الأردن قبل الانطلاق من هناك نحو الشدادي للانضمام إلى المعركة ضد تنظيم "داعش" في ريف ﺍﻟﺤﺴﻜﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻲ، ﻭﺩﻳﺮ ﺍﻟﺰﻭﺭ. وتحدثت مصادر مطلعة عن نية الأميركيين إنشاء قاعدة مستقلة لـ"جيش مغاوير الثورة" في محيط دير الزور، للمشاركة في العمليات العسكرية. لكن قائد "المغاوير"، مهند الطلاع، نفى ذلك وأشار إلى مفاوضات مع الجانب الأميركي لتشكيل "جيش وطني" في المنطقة الشرقية لمحاربة "داعش"، نواته "مغاوير الثورة"، وهو مشروع يبدو أن العمل عليه تجمّد الآن، ولم يعد أولوية أميركية.

وتدرك "قوات سورية الديمقراطية"، التي اشترطت أن تعمل فصائل "الجيش الحر" ومقاتلو العشائر تحت قيادتها، أن هناك إشكالية كبيرة في استحواذها على "حصة" كبيرة في معركة دير الزور، بسبب الحساسية الشديدة تجاه دور الأكراد فيها من جانب أهالي محافظة دير الزور ذات الوجه العربي، والذين يرفضون دخول قوات كردية إليها. وذكرت مصادر معارضة أن ممثلين للعشائر العربية في المنطقة الشرقية يستعدون لعقد مؤتمرهم الأول، قريباً في العاصمة التركية أنقرة، لاتخاذ قرارات تطالب بإخراج "قوات سورية الديمقراطية" من المناطق التي استولت عليها شمالي البلاد وشرقها. كما يعمل النظام على مؤتمر مماثل في العاصمة دمشق، في مؤشر واضح على إدراك كل أطراف الصراع للدور المحوري للقبائل في حسم معارك محافظة دير الزور وتحديد مستقبلها.