عودة إلى أستانة: تثبيت خرائط خفض التصعيد يستثني الجنوب

عودة إلى أستانة: تثبيت خرائط خفض التصعيد يستثني الجنوب

02 سبتمبر 2017
لافروف: توافق مع الدوحة بشأن مبادئ التسوية(كيريل كودريافتسيف/فرانس برس)
+ الخط -
يُقبل الملف السوري على استحقاق أساسي منتصف الشهر الحالي، مع انعقاد جولة جديدة من اجتماعات أستانة هدفها إقرار خرائط مناطق وقف التصعيد في سورية، في ظل دفع روسي لهذه الاجتماعات كمدخل لحل الصراع في هذا البلد. مقابل ذلك، برز تصريح فرنسي لافت، تمثّل باستعادة باريس موقفها التقليدي بأن رئيس النظام السوري بشار الأسد "لا يمكن أن يكون الحل في سورية" وأن المرحلة الانتقالية "لن تجري معه".

وفي ظل جمود المسار السياسي للتوصل لحل للصراع السوري، أعلنت وزارة الخارجية الكازاخستانية، أمس الجمعة، أن الجولة السادسة من اجتماعات أستانة ستجري يومي 14 و15 سبتمبر/ أيلول الحالي "على مستوى عالٍ". وأوضحت الوزارة في بيان، أن الدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سورية "تخطط لعقد اجتماع لفريق العمل المشترك، يوم 13 سبتمبر، عشية الاجتماع".
وكشفت الوزارة أن الدول الضامنة للمفاوضات، "تعتزم إقرار خرائط موحّدة ترسم حدود مناطق وقف التصعيد في إدلب وحمص والغوطة الشرقية، كما ستقرّ صيغة عمل مركز التنسيق المعني بمتابعة الوضع في هذه المناطق، وتشكيل فريق عمل يُكلّف بمتابعة الإفراج عن الموقوفين وتحرير الرهائن، وتبادل تسليم جثث القتلى والبحث عن المفقودين". فيما كان لافتاً أن الوزارة لم تأتِ على ذكر منطقة "خفض التوتر" الرابعة في جنوب سورية. وأضافت: "أكد ممثلو الدول الضامنة أن اجتماعاتهم ستبحث جملة من القضايا ذات الأهمية، وفي مقدمتها الاتفاقات الناظمة لنشاط قوات الرقابة على استمرار وقف التصعيد، وتحديد مكوّن قوة الرقابة على وقف التصعيد في إدلب".

في غضون ذلك، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن الدوحة والرياض أكدتا خلال الاتصالات مع موسكو، دعمهما لمفاوضات أستانة بشأن سورية، وأشارتا إلى أن أنقرة تمثل مواقفهما فيها.
وقال لافروف في كلمة ألقاها أمام طلاب ومعلمي معهد العلاقات الخارجية في موسكو، أمس، إنه بعد فشل إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بفرز "المعارضة المعتدلة" عن "الإرهابيين" في سورية، بدأت روسيا البحث عن شركاء يمكن الاعتماد عليهم، فتوجّهت إلى إيران وتركيا. وتابع: "أثمر هذا التوجّه إطلاق مفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة في أستانة، وإنشاء مناطق لخفض التوتر في البلاد، ما حظي بترحيب أطراف معنية كثيرة، منها السعودية وقطر اللتان تربطهما علاقات خاصة مع المعارضة السورية". وأشار إلى أن الدولتين لا تشاركان في عملية أستانة، إلا أنهما أبلغتا موسكو بدعمهما لها، مؤكدتين أن تركيا هي التي تتحدث باسمهما فيها.

وأضاف لافروف أن زيارته الأخيرة إلى قطر ضمن جولته الخليجية، أكدت وجود توافق بين موسكو والدوحة بشأن المبادئ الأساسية للتسوية السورية. وأوضح أنه "على الرغم من بعض الاختلافات الهامشية بين البلدين، والمتعلقة بطبيعة علاقاتهما مع أطراف الأزمة السورية، تتفق موسكو والدوحة على الرغبة في إنهاء الحرب، واستخدام إمكانيات مناطق خفض التوتر، وإقامة حوار مباشر بين الأطراف السورية". وشدد على أن قطر وافقت على ضرورة ضمان علمانية الدولة السورية، بما يراعي مصالح وحقوق جميع مكوّنات المجتمع السوري.


وفي سياق متصل، تظهر التطورات الأخيرة عن تقارب متسارع بين روسيا والأردن. وبعد الكشف عن مطالبة غرفة "الموك" في الأردن لفصائل المعارضة في جنوب سورية بوقف قتال النظام، بإيعاز من روسيا، تم الإعلان عن تسليم فصيل "جيش أسود الشرقية" للطيار علي الحلو بعد أيام على أسره، إلى النظام السوري، بناء على اتصالات أردنية روسية. وأوضح قائد "أسود الشرقية" طلال سلامة، أمس، ملابسات تسليم الطيار، موضحاً أنه "تمّ إدخال الطيار الأسير إلى الأردن بناءً على طلب الأخير للتفاوض مع الروس كدولة ضامنة لتنفيذ بنود الصفقة والتي تضمنت تحرير 100 معتقلة وتحرير أسرى الحرب لدى النظام وفتح طريق القلمون الشرقي لمرة واحدة لإخراج المقاتلين مع عتادهم من هناك إلى البادية، بالإضافة لانسحاب مليشيات النظام إلى عمق 40 كيلومتراً في الداخل السوري من ريف السويداء حتى معسكر التنف". وأضاف سلامة أنه من ضمن البنود أيضاً، عدم قصف الطيران للشريط الحدودي ومخيمات اللاجئين وإخراج عائلات تمّ اعتقالهم بعد أسر الطيار في دمشق من مدينتي العشارة وعتيبة، على أن يتم إخراجهم خارج نطاق الصفقة، كونهم اعتُقلوا من النظام بعد عملية أسر الطيار كوسيلة ضغطٍ من النظام على "أسود الشرقية".

في موازاة ذلك، كان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، يشدد على أن الأسد "لا يمكن أن يكون الحل في سورية"، وأن المرحلة الانتقالية "لن تجري معه". وقال لودريان لإذاعة لوكسمبورغ، أمس الجمعة: "لا يمكن أن نبني السلام مع الأسد. لا يمكنه أن يكون الحل. الحل هو في التوصل مع مجمل الفاعلين إلى جدول زمني للانتقال السياسي يتيح وضع دستور جديد وانتخابات، وهذا الانتقال لا يمكن أن يتم مع بشار الأسد الذي قتل قسماً من شعبه".
وفي تصريحاته، أمس، لفت لودريان إلى أنه يريد من القوى الكبرى الاتفاق على جدول زمني لفترة انتقالية تُفرض على السوريين. واعتبر أن الوضع تغيّر، إذ إن تنظيم "داعش" يقف على حافة الهزيمة، مضيفاً أن التركيز يمكن أن يتحول الآن إلى حل الصراع. وقال لودريان: "لا يمكن أن يكون (الأسد) جزءاً من الحل. الحل هو التوصل مع كل الأطراف إلى جدول زمني لانتقال سياسي سيمكّن من وضع دستور جديد وإجراء انتخابات". وتابع: "لا يمكن أن يتم الانتقال في وجود بشار الأسد الذي قتل جزءاً من شعبه ودفع ملايين السوريين إلى مغادرة أراضيهم".

وذكر لودريان أن القوى الإقليمية والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وفرنسا من بينها، اتفقت على حظر الأسلحة الكيميائية وعلى ضرورة السماح بوصول المساعدات الإنسانية، والقضاء على ما وصفه بـ"الجماعات المسلحة المحلية" وبالتالي يمكنها المضي في التوصل إلى حل عبر مجموعة اتصال دولية. وأضاف أن الانتقال السياسي سيشمل دستوراً جديداً وإجراء انتخابات. ومضى بالقول: "هذا ما نريد أن نفعله الآن حتى قبل أن يغادر الأسد. نفعل هذا بشكل مستقل لأننا لو انتظرنا السوريين حتى يتفقوا سننتظر وقتاً طويلاً وسيسقط آلاف آخرون قتلى".

شكّل هذا الموقف عودة للثوابت الفرنسية تجاه النظام السوري التي اعتمدتها باريس منذ بداية الثورة السورية، بعدما كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد قال في بداية الصيف إنه قام بتحديث الموقف حول سورية وإنه لا يرى "خليفة شرعياً" لبشار الأسد. وأكد ماكرون مراراً أن فرنسا لا تعتبر رحيل الأسد شرطاً مسبقاً للتفاوض وأعطى الأولوية "لمكافحة الإرهاب". وكان ماكرون قد كلّف لودريان بتشكيل مجموعة اتصال جديدة حول سورية لإحياء العملية السياسية، لكن لم تُعرف تشكيلتها ولا ما إذا كانت إيران ستشارك فيها. وتسعى فرنسا لمناقشة هذا الأمر خلال الاجتماع المقبل للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الحالي. وكان لودريان قد قال في وقت سابق، إن مجموعة الاتصال ستهدف إلى مساعدة محادثات جنيف برعاية الأمم المتحدة.

وفي سياق التحركات الفرنسية تجاه الملف السوري، أعلن ماكرون، أمس، بعد لقائه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في باريس، أنه يرغب في تنظيم مؤتمر في الفصل الأول من عام 2018 "حول عودة اللاجئين إلى بلادهم يشمل الدول المضيفة للاجئين في المنطقة، لكي يتم أخذ هذه المسألة بالكامل بالاعتبار في إرساء الاستقرار في سورية وكل المنطقة". وأوضحت الرئاسة الفرنسية أن هذا المؤتمر يمكن أن يُعقد في العاصمة اللبنانية بيروت.

المساهمون