السياسة الدينية للمغرب: الأمن الروحي ضد الإرهاب

السياسة الدينية للمغرب: الأمن الروحي ضد الإرهاب

02 سبتمبر 2017
ساحة الاعتداء في برشلونة الإسبانية (جوزيب لاغو/فرانس برس)
+ الخط -

أعادت الهجمات الإرهابية التي شهدتها مدينة برشلونة الإسبانية بالدهس، أو مدينة توركو الفنلندية بالطعن، والتي تورط فيها شبان مهاجرون مغاربة، وتبناها تنظيم "داعش"، إلى الواجهة ملف السياسة الدينية بالمملكة، ومدى تأطير هؤلاء الشبان الآتين من المغرب نحو أوروبا.

وبدا في سياق الأحداث الإرهابية الأخيرة في بلدان أوروبية، مثل إسبانيا وفرنسا وبلجيكا، أن المعتدين من أصول مغربية، كما وُلد معظمهم في مناطق مهمّشة بالمغرب، قبل الهجرة برفقة أسرهم إلى أوروبا. وعاد من جديد طرح مدى نجاعة السياسة الدينية للمغرب، التي انطلقت سنة واحدة بعد تفجيرات الدار البيضاء في مايو/ أيار 2003، سواء في الداخل لناحية محاربة التطرف وسط الشباب المغربي، أو في الخارج أيضاً بتحصين المهاجرين، خصوصاً أبناء الجيل الثالث والرابع، وحمايتهم من الوقوع بين براثن التنظيمات الإرهابية.

الثوابت التي بُنيت عليها السياسة الدينية للمغرب مستمدة من مؤسسة إمارة المؤمنين القائمة منذ عقود في البلاد، وأيضاً السير على منهج المذهب المالكي، والنأي عن المذاهب الإسلامية الأخرى، واتباع الطريقة الأشعرية.

هذه الأسس التي يقوم عليها "الأمن الروحي" للمغرب عمدت الدولة إلى ترسيخها عبر مجموعة من المبادرات داخل المجتمع، بمختلف تشعباته الإعلامية والثقافية والمؤسساتية، وأيضاً داخل المؤسسات السجنية التي يقبع فيها معتقلون ينسبون إلى ما يسمى السلفية الجهادية.

بالنسبة للمجتمع ومؤسساته في التعليم والإعلام، فقد تم إطلاق مبادرات تهدف إلى محاربة التطرف الديني وسط الشباب، من خلال برنامج تخريج مرشدين ومرشدات وفق مذهب وسطي، تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. الحرب على التطرف المفضي إلى الانتماء للجماعات الإرهابية امتد إلى داخل دواليب المقررات الدراسية، عبر تنقيح المقررات والمؤلفات التي يدرسها التلاميذ والطلبة، واستبدال العقائد التي "تشيد بالجهاد ضد الكفار" إلى دروس ترسخ مفاهيم التسامح وحوار الأديان والحضارات.

قطاع الفتوى كان أيضاً من مرتكزات السياسة الدينية التي تهدف إلى قطع إمدادات التشدد الديني وسط المغاربة، إذ إن الدولة، وعبر إقرار الدستور، عمدت إلى حفظ الفتوى بيد "أمير المؤمنين". وبسّطت ذلك بإنشاء مجلس علمي أعلى، اعتُبر المؤسسة الرسمية الوحيدة المخوّل لها بالإفتاء، في محاولة لعدم السقوط في معضلة تضارب الفتاوى الدينية، وهو ما شكّل أحد تسرّبات التشدّد إلى أذهان الناشئة.

التحكم في المساجد مظهر آخر من السياسة الدينية للمملكة، من خلال المنع القانوني لخوض خطباء ووعاظ المساجد في الأمور السياسية، وتوقيف أي إمام ثبت خوضه في الشأن السياسي أو الدعوة إلى القتال وغيرها من الأمور التي تعتبرها الدولة منفلتة وتثير الفتنة.



وتمّ إنشاء قناة خاصة بما بات يسميه الكثيرون الإسلام المغربي، تدعى قناة "محمد السادس"، ومحطة إذاعية للغاية نفسها، فضلاً عن تشجيع الدولة للطرق الصوفية، تحديداً التيجانية والبودشيشية لانغماسهما في الجانب التربوي والابتعاد عن كل ما هو سياسي، تعتبر كلها دعائم للسياسة الدينية بالمغرب، التي من بين أهدافها محاربة التطرف والإرهاب. وأما داخل السجون، فمئات من أنصار "السلفية الجهادية" مسجونون على ذمة قضايا الإرهاب، واعتمد المغرب سياسة دينية استباقية لعدم تحول هؤلاء المعتقلين إلى قنابل متفجرة عند خروجهم من السجن.

وتعددت مبادرات حلّ ملف معتقلي السلفية الجهادية، الذين أكد الكثيرون منهم أنهم أبرياء من تهمة الإرهاب، فيما سلكت الدولة المغربية سياسة الإفراج عن بعض المعتقلين "فرداً فرداً"، بهدف التأكد من سلامة "المنهج العقدي" للمعتقلين وانخراطهم في المجتمع واحترام مؤسساته الرسمية والدينية.

ولعل آخر المبادرات التي أعلنها المغرب لحلحلة ملف معتقلي السلفية، ومن خلاله درء مشاكل الغلو والتشدد الديني المفضي إلى التأثر بالجماعات الإرهابية، برنامج "مصالحة" الذي تم إقراره داخل المؤسسات السجنية، والقائم على 3 محاور رئيسية، وهي: المصالحة مع الذات، والمصالحة مع النص الديني، والمصالحة مع المجتمع. وبفضل هذا البرنامج، أعلن العاهل المغربي عفواً عن 13 معتقلاً سلفياً.



برنامج "مصالحة" داخل السجون، وفق القائمين عليه، استند إلى التأهيل الديني وما يتصل به على مستوى فهم واستيعاب النص الديني بالشكل الصحيح المكرس لقيم التسامح والاعتدال، فضلاً عن البعد الحقوقي والقانوني.
ومن محاور مخطط "مصالحة" لنبذ الإرهاب في فكر المعتقلين، أنه "يتم عرض تسجيلات سمعية بصرية لشهادات بعض عائلات ضحايا الإرهاب، بهدف تحسيس السجناء المدانين في إطار قضايا التطرف والإرهاب، بحجم الأذى الذي يخلفه التطرف العنيف على استقرار المجتمع وأمنه".

وأما على صعيد السياسة الدينية للمغرب خارج حدود البلاد، الموجهة للجاليات المغربية الهائلة عدداً ووزناً في بلدان أوروبية عديدة، فإن السلطات المعنية حاولت نشر "التدين المغربي" وسط الشباب المهاجر، من خلال إرسال أئمة ووعاظ في عدد من المناسبات. وأيضاً أرسلت وزارة الأوقاف المغربية مساعدات مالية إلى مراكز إسلامية تابعة للجاليات المغربية في أوروبا، لبناء مساجد وتنظيم دورات تكوينية للأئمة والخطباء هناك، وتزويد هذه المؤسسات بمصاحف وكتب إسلامية تشرف عليها الوزارة. وأدت الجهود الاستخباراتية والأمنية دوراً حساساً ومحورياً في عملية بث الأمن الروحي للمملكة خارج الحدود، باعتبار أن أي تورط للشباب المغاربة المهاجرين في عمليات إرهابية تتأثر صورة البلاد بسببه.

ورصدت الأجهزة الاستخباراتية الخارجية للمغرب أية محاولات إرهابية ينفذها شباب تعود أصولهم إلى المغرب، الشيء الذي ساعد على تفكيك الكثير من الخلايا الإرهابية قبل سفكها للدماء في بلدان عدة، مثل فرنسا وبلجيكا وإسبانيا. ورأى مراقبون أنه "رغم أهمية إصلاح الحقل الديني للمغرب، وتميزه كتجربة نوعية في العالم العربي والإسلامي، ما دفع عدداً من البلدان الأفريقية والأوروبية إلى طلب خدمات المغرب في هذا المضمار، إلا أن نتائجه لم تصل إلى الغاية المنشودة، بدليل ما بات يسميه محللون تصدير المغرب إرهابيين إلى أوروبا".

المساهمون