تونس: نصيحة الغنوشي تحيي تباينات "النهضة"

تونس: نصيحة الغنوشي تحيي تباينات "النهضة"

09 اغسطس 2017
أكد الغنوشي أن نصيحته للشاهد ليست جديدة (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

رافقت أعمال مجلس شورى حركة النهضة، الذي عقد نهاية الأسبوع الماضي، تصريحات ومواقف متباينة بخصوص تصريحات رئيس "النهضة"، راشد الغنوشي الأخيرة، ودعوته رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، للتعهد بعدم الترشح إلى انتخابات 2019. وفيما ذهب رئيس مجلس شورى الحركة، عبد الكريم الهاروني، إلى التأكيد على أن "تصريحات رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، هي تصريحات رسمية وتمثل الحركة"، معتبراً أنها "لا تشوش على عمل الحكومة، خصوصاً أنها تضمنت رسالة تؤكد على دعم جهودها في محاربة الفساد والإرهاب"، صدرت مواقف مناقضة تؤكد أن هناك خلافات بشأن هذا الموضوع، وأن ما قام به رئيس الحركة لم يكن في محله. وعلمت "العربي الجديد" من مصادر في الحركة، أن الغنوشي أكد، خلال مداولات المجلس، أن دعوته الشاهد لعدم الترشح إلى انتخابات 2019 ليست موقفاً سياسياً، وإنما هي "مجرد نصيحة" بحسب تعبير الغنوشي. وأضافت المصادر أن الغنوشي أكد أن هذه النصيحة ليست جديدة، ولم تكن الأولى، وإنما سبق أن نصح بها الشاهد في جلسة خاصة، وأن الهدف من ورائها هو "حماية الشاهد نفسه والحكومة".

وأوضحت المصادر أن الغنوشي يعتبر أن المتربصين بالشاهد كثر، وأن هؤلاء سيتجندون بكل قواهم لتعطيل العمل الحكومي إذا ما تأكدوا أنه ينوي الترشح لانتخابات 2019، بهدف إفشاله وإفشال الحكومة، ومحاولة إقناع التونسيين بأنه لا يصلح لإدارة البلاد، خصوصاً وأن أسهمه في ارتفاع كبير في كل عمليات سبر الآراء، التي وضعته في المراتب الأولى ضمن الشخصيات التي تحظى بثقة التونسيين لإدارة البلد. وأكد الغنوشي لمنتقديه، خلال اجتماعات مجلس الشورى، أنه يدعم حكومة الوحدة الوطنية ولا يعمل على إرباكها، وذلك رداً على عدد من التصريحات التي انتقدت عدم المرور بمؤسسات الحركة قبل الخروج بموقف سياسي بهذا الحجم، والذي أثار ردود فعل كثيرة من كل الجهات، لكن الغنوشي أكد أنه ليس موقفاً سياسياً بل مجرد نصيحة سببت كل هذا اللغط. وقالت المصادر إن الأمر متعلق الآن بالشاهد نفسه، وإن كان سيقبل بالنصيحة وسيقتنع بأن المتربصين به سيتراجعون إذا عبّر عن تأجيل طموحاته إلى ما بعد 2019، وربما يوفّق أكثر في العمل الحكومي الذي تواجهه صعوبات لا تحصى ولا تعد، وهو ما سيمكنه من بناء رصيد مهم لدى التونسيين، خصوصاً أنه لا يزال في مقتبل العمر السياسي وأمامه مسيرة طويلة إذا أحسن إدارتها.

غير أن العارفين بكواليس "النهضة" يعرفون أن جزءاً منها لا يوافق بالضرورة على أغلب مواقف رئيسها، وهي مسألة بدأت تتأكد مباشرة بعد المؤتمر الأخير، إذ لاذت بعض القيادات بالصمت، في حين قررت أخرى الخروج إلى العلن والتعبير عن مواقفها المخالفة للغنوشي، فيما بدأت تتكون داخل الحركة ومجلس الشورى مجموعة لم ترتق بعد إلى تيار معارض، لكن مواقفها متناسقة بشأن عديد الملفات التي تطرح داخل الحركة، وتعمل في كل خطوة على التقليص مما يسميه بعضها "تضخم مركزية القرار". هذا الأمر دفع بكثيرين إلى اعتبار أن حركة "النهضة" لم تعد متجانسة، وأن سلطة الغنوشي وتياره تراجعت، فيما راهن آخرون على إمكانية انقسامها بشأن هذه الخلافات. وأثارت تصريحات الغنوشي بعض ردود الفعل المعارضة داخل "النهضة". وقال محمد بن سالم، عضو مجلس الشورى وزير الفلاحة الأسبق وأحد معارضي الغنوشي، إن الآراء داخل مجلس الشورى بخصوصها كانت "متباينة"، في إشارة الى تصريحات الغنوشي التي تطرق فيها إلى المستقبل السياسي للشاهد. وأضاف بن سالم، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، أنه كان من المفروض ألا يتطرق رئيس الحركة راشد الغنوشي في تصريحاته إلى المستقبل السياسي لرئيس الحكومة، نظراً إلى أن "الخلاف بين رئيس الحكومة والمدير التنفيذي لحزب نداء تونس، حافظ قايد السبسي، لا يخفى على أحد، وقد يفهم كلام رئيس الحركة على أنه انحياز لطرف بعينه داخل نداء تونس، وليس من مصلحة حركة النهضة التدخل في هذا الخلاف الحزبي الضيق، وأن نصيحة الغنوشي في غير محلها لأنها ستفهم على أنها انحياز لنجل رئيس الجمهورية"، حسب تقديره.


هذا الموقف، رد عليه حافظ قايد السبسي، في تدوينة، دعا فيها بن سالم "إلى عدم إقحام نفسه في الشؤون الداخلية لحركة نداء تونس، خصوصاً وأننا حريصون على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبقية الأحزاب، وإن كانت له حسابات سياسية خاصة، فنحن نرفض إقحام قيادات الحزب واسم نداء تونس في هذا الموضوع". ويأتي كلام بن سالم ليعود إلى أصل الخلاف داخل الحركة، وإلى ملف من أكبر ملفاتها، التوافق أو التحالف بين "النداء" و"النهضة"، إذ تعتبر قيادات كبيرة في "النهضة" أن هذا التحالف جاء على حساب حركتها وأنه كان يمكن إدارته بطريقة أفضل، من دون أن يتحول الى تماهٍ مع كل ما يفكر به الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، وتسارع "النهضة" إلى مباركته. ويحتج هؤلاء على التقارب الشديد مع السبسي، والدفاع عن نجله، من خلال تقوية حزبه ودعمه داخل البرلمان وفي مؤسسات التحالف، وآخرها التدخل بما تعتبره صراعاً بين السبسي الابن ورئيس الحكومة، يوسف الشاهد.

لكن الخلاف في الحقيقة أقدم من ذلك، ويعود إلى الانتخابات الرئاسية التي ذهبت خلالها أجزاء كبيرة من قواعد "النهضة" إلى دعم الرئيس التونسي السابق، منصف المرزوقي، في حين اختار رئيسها في آخر لحظة دعم السبسي، وهو ما قاد إلى نجاحه، برغم أن بعض هذه القيادات اختلفت بعد ذلك مع المرزوقي في أكثر من ملف. وتؤكد قيادات من الحركة، تحدثت مع "العربي الجديد"، أن الحركة لم تجد توازنها حتى الآن، خصوصاً وأنها لم تفصل كما ينبغي وبمنتهى الصراحة في ملفات قديمة جداً، تعود إلى ما قبل الثورة، عندما كانت القيادات الكبرى في المنفى، ولم يطرح الموضوع بالشكل الحاسم بعد عودتها منه، وظل التنافس بين قيادات الداخل والخارج مستمراً إلى اليوم، بسبب ما تعتبره بعض قيادات الداخل معرفتها بالواقع التونسي أفضل من الذين قضوا عقوداً في الخارج. وبرغم أن هذا الأمر ظل مسكوتاً عنه، إلا أنه انعكس على عدة قضايا، منها تطوير الحركة وإعادة هيكلة مسارات قرارها، والأهم من كل ذلك، مسألة خلافة الغنوشي، والتحالف مع "النداء".

ولكن هل ترقى هذه الخلافات إلى مرحلة وجود تيارات داخل الحركة وتهديدات بانقسامها؟ النائب عبد اللطيف المكي، أحد أكبر المصرحين بمعارضتهم للغنوشي، كان قد أوضح حقيقة هذه الصراعات عندما تحدث كثيرون، منذ أسابيع، عن خلافات كبيرة بينه وبين زعيم الحركة. وكتب "أقول لمن يروج لبعض الشائعات المغرضة عن خلافات بيني وبين الشيخ راشد رئيس الحركة، وذلك لأهداف مشبوهة، إنكم لن تفرحوا بذلك اليوم، فما بيني وبين رئيس الحركة وبين كل قيادات النهضة وأبنائها من ود لن يفسد له الاختلاف في الرأي قضية". لكن هذه الموضوعية التي يتصف بها المكي لا يتقاسمها معارضون آخرون للغنوشي وغاضبون من المؤتمر الأخير، إذ يعتبرون أنه تمت إزاحتهم من طرف المقربين من رئيس الحركة الذي مارس ضغطاً على أعضاء المؤتمر لفرض إصلاحاته. ويرد مؤيدو الغنوشي بأن الواقع والنتائج هي التي تفصل في النهاية بين الخيارين، فالحزب اليوم هو أهم شريك في الحكم، وهو الحزب الأول في البرلمان، ونجح في الحفاظ على تماسك مؤسساته وكتلته النيابية، برغم أن كل الكتل الأخرى تآكلت، والأهم أنه بصدد تطوير رؤاه من قضايا كثيرة بهدف تحديثه وتونسته والخروج به من منطق الجماعة إلى بنية الحزب الديمقراطي، وإقناع الرأي العام العالمي بأن الإسلام يمكن أن يكون ديمقراطياً أيضاً.