الدبلوماسية الجزائرية تتراجع: أسباب عدة لانحسار التأثير الإقليمي والعربي

الدبلوماسية الجزائرية تتراجع: أسباب عدة لانحسار التأثير الإقليمي والعربي

08 اغسطس 2017
أكد مساهل استعداد بلاده لدعم الوساطة العربية(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
تواجه الدبلوماسية الجزائرية تراجعاً في فاعليتها، الأمر الذي انعكس بوضوح في عدد من الملفات، كان آخرها فشل وزير الخارجية عبد القادر مساهل، خلال جولته الإقليمية الأخيرة، في الترويج لطرح توسيع دائرة الوساطة العربية في الأزمة الخليجية. كذلك يحضر الملف الليبي، وما يمثله من أهمية، كأحد أبرز عناوين الإخفاق الدبلوماسي الجزائري.
وأخفقت الجزائر في طرح مقترح تشكيل لجنة وساطة عربية تقودها الكويت وتضم ثلاث دول أخرى، هي الجزائر والأردن وسلطنة عُمان، لحل الأزمة في الخليج، ورفضت دول عربية زارها مساهل المقترح، بحسب تسريبات دبلوماسية، أشارت إلى أن القاهرة وأبوظبي أبلغتا الوزير الجزائري أن "الوساطة الكويتية تلعب ما يكفي في الوقت الحالي، على صعيد نقل الرسائل والمقترحات"، وأن "الوقت لم يحن بعد لتوسيع دائرة الوساطة العربية".

واصطدم الوزير الجزائري برفض دول عربية، خصوصاً مصر والإمارات، لمقترح توسيع الوساطة العربية لحل أزمة الخليج. وقال دبلوماسيون جزائريون لـ"العربي الجديد" إن القاهرة وأبوظبي أعربتا عن تقديرهما لمسعى الجزائر بشأن حل الأزمة الراهنة في الخليج، لكنهما اعتبرتا أن الوساطة الكويتية كافية حتى الآن، في ظل ما تعتبره هذه الدول "إصرار قطر على مواقفها". وأشارت المعلومات إلى أن الرسائل التي حملها مساهل من الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة إلى رؤساء الدول العربية التي زارها، تتعلق "باستعداد الجزائر للقيام بأي خطوات لدعم الوساطة العربية وحل الأزمة في إطار عربي، وتجنّب التداعيات الخطيرة لهذه الأزمة على الأمة العربية، خصوصاً في ظل الوضع العربي المتسم بالشرخ والانقسام، ومخاطر استغلال إسرائيل وأعداء الأمة لهذا الوضع".
ولفتت المصادر إلى أن بعض الدول العربية لا ترغب في دور جزائري في الأزمة الخليجية، بالنظر إلى مواقفها التي تضعها أقرب إلى المحور القطري منها إلى محور دول الحصار، خصوصاً أن الجزائر لا تتقاطع مع دول الحصار في بعض مرتكزات أزمتها مع قطر، تحديداً في الجزء المتعلق بتصنيف حركة "حماس" كحركة إرهابية.

وبغض النظر عن إخفاق وزير الخارجية الجزائري في طرح تصورات لحل الأزمة، فإن إخفاقه في إعادة دور الدبلوماسية الجزائرية، يكشف أن الجزائر التي كانت تتمتع بثقل سياسي وإقليمي، مستندة إلى ثقل تاريخي كبير، لم تعد منذ فترة جزءاً فاعلاً في المشهد العربي وابتعدت عن مستوى التأثير الإقليمي والعربي، وتجاوزتها الأحداث على أكثر من صعيد، خصوصاً منذ غياب بوتفليقة عن المشهد السياسي في الجزائر، بعد مرضه منذ إبريل/نيسان 2013. ويفسر ذلك سلسلة القرارات التي فرضتها دول عربية في اجتماعات الجامعة العربية، بما فيها تلك التي تخص ليبيا، التي تُعتبر جزءاً من الامتداد الأمني والسياسي الحيوي بالنسبة للجزائر.

ورأى المحلل السياسي الجزائري نصر الدين بن حديد، أن جولة مساهل على دول الخليج هي لتسجيل حضور لا أكثر، معتبراً أن "الهامش المتاح للجزائر في الأزمة الخليجية كما في الكثير من أزمات المنطقة لا يزيد عن التهدئة والعمل ضمن التقاطعات الدولية الكبرى، ذلك أن الأوراق والمفاتيح بيد الأميركيين، الذين من مصلحتهم دوام أزمة تحت السيطرة"، مضيفاً: "على هذا الأساس سيكون الحكم مبكراً بإخفاق دور جزائري محتمل في الأزمة الخليجية".

أما الأستاذ في معهد العلوم السياسية أحمد عظيمي، فلفت إلى أن التصريح الأخير الذي أدلى به مساهل خلال لقائه وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح في الكويت، وأعلن فيه "دعم الجزائر للجهود التي يبذلها أمير الكويت في سبيل تسوية عاجلة لهذه الأزمة وحل الخلافات القائمة"، يوضح أن المسعى الجزائري لم يكن يحمل أية مبادرة سياسية على صعيد الأزمة، أو على الأقل أخفق في إيجاد نوافذ للمرور إلى مربع حلحلة الأزمة أو تخفيف حدتها.

وفي السياق يسود إجماع سياسي وإعلامي في الجزائر، على أن الجزائر ابتعدت كثيراً عن الدور الدبلوماسي الملائم، بسبب جملة من العوامل تتعلق بوضعها الداخلي الغامض من جهة، وافتقادها لوسائل الضغط الممكنة، إذ لا تشكّل الجزائر ثقلاً اقتصادياً مؤثراً في المنطقة العربية، ويُعدّ اقتصادها من أضعف الاقتصاديات تأثيراً، في ظروف بات فيها التأثير السياسي مرتبطا بالثقل الاقتصادي. كذلك هي لا تمثّل قوة نفوذ سياسي مؤثر، كما أدى تمسكها بمستوى كبير من الحياد السياسي والسكون إلى استبعادها من خضم الأزمات وخضم الحلول أيضاً، بدليل تأخرها الكبير في الإمساك بخيوط الأزمة في ليبيا كدولة جارة.


ورأى المحلل السياسي محمد الصغير، أن "الدبلوماسية الجزائرية تمر منذ أكثر من عقد من الزمن بأسوأ أوضاعها، وتؤدي أسوأ أدوارها أيضاً"، بدليل غياب أي اهتمام إعلامي عربي بجولة مساهل على تسع دول عربية. فعدا الإعلام الجزائري الذي أعاد نسخ بيانات وزارة الخارجية والتوسع فيها، لم يلقَ الإعلام العربي اهتماماً للتحرك الدبلوماسي الجزائري، ولم تشغل الزيارة المكوكية لمساهل حيزاً كبيراً في الإعلام العربي والغربي، ولم تكن جزءاً من نقاشات إعلامية، باستثناء مجرد تصريحات لوزراء خارجية دول أخرى، تكون في العادة محل نقاش في القنوات العربية والغربية المهتمة بالشأن العربي.

ويفسر ذلك بحسب مراقبين، ثلاثة مستويات من الإخفاق بالنسبة للجزائر، يتعلق الأول بضعف إعلامها الخارجي واستمرار حالة الانكفاء واللغة البالية في التعاطي الإعلامي مع الأنشطة الرسمية والدبلوماسية، وهو أمر له علاقة بطبيعة النظام السياسي في الجزائر، ويتعلق المستوى الثاني بفقر التسويق الإعلامي وضعف الاتصال المؤسساتي الجزائري، بدليل أن وزير الخارجية الجزائري وخلال جولته في تسع دول عربية، لم يُشاهَد في أي حوار في قنوات حكومية أو غير حكومية، وثالثاً يشير ذلك إلى تباعد كبير بين الدبلوماسية الجزائرية والواقع السياسي الراهن في العالم العربي.

وقال المحلل السياسي جلال بوعاتي إنه "في الوقت الذي يحاول فيه الإعلام في قطر التركيز على الدور الجزائري وغيره لجمع كل الأطراف حول طاولة الحوار والبحث عن الحلول، نجد أن إعلام الطرف الآخر (دول الحصار)، غير مكترث بتفاصيل جولة وزير الخارجية الجزائري، وهذا ينم عن إرادة في التعاطي بحذر مع أي مبادرة للحوار ما لم يكن محورها الرئيسي انتزاع تنازلات من قطر، بالتالي تلبية المطالب المعلنة في بداية الأزمة، وأهمها إبعاد قادة حماس الفلسطينية وإغلاق قناة الجزيرة".

وخلال 11 يوماً، يكون وزير الخارجية الجزائري قد طاف على تسع دول عربية في جولة شملت دول الحصار الأربع، السعودية ومصر والإمارات والبحرين، إضافة إلى قطر، والكويت باعتبارها دولة تؤدي دور الوساطة، إضافة إلى عُمان والعراق والأردن. وأعلنت الخارجية الجزائرية أنها تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين هذه الدول، ومناقشة أزمة الخليج والأزمة في اليمن وليبيا. وبغض النظر عن التخمينات التي ذهبت إلى أن مساهل يحمل مبادرة سياسية جزائرية لتوسيع الوساطة العربية لحل الأزمة، أو تسجيل الحضور الدبلوماسي برأي مراقبين، فإن جولة الوزير الجزائري اصطدمت بالأبواب المغلقة في دول الحصار الأربع من جهة، وبضعف هامش تحرك الدول الأخرى التي شملتهم الجولة أيضاً، ما يعني ضعف الموقف الدبلوماسي الجزائري من جهة، ورغبة دول الحصار في أن يأتي الحل من جهة أكثر تأثيراً في المنطقة وتفاصيلها.

وفي نظر كثيرين، فإن مساهل يحاول أن يعمل في ظروف وواقع الأزمة الخليجية، لتقديم نفسه إلى المشهد الدبلوماسي العربي والخليجي، بعدما ظل نشاطه كوزير منتدب مكلف بالشؤون المغاربية والأفريقية منذ عام 2002، وبعدما ظل تواصله الدبلوماسي محصوراً في المنطقة الأفريقية وبعض الدول العربية في القارة الأفريقية، مقارنة بوزير الخارجية السابق رمضان لعمامرة المعروف دولياً، من دون أن يكون لذلك جهد مساند على الصعيد السياسي والإعلامي، ما يفرض على المؤسسة الرسمية في الجزائر، بحسب كثيرين، مراجعة أدوات عمل الجهاز الدبلوماسي.