أجواء "صفقة قرن" سورية

أجواء "صفقة قرن" سورية

07 اغسطس 2017
هل يبقى حجاب منسقاً لـ"هيئة المفاوضات"؟ (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
تحوم فوق الأطياف السورية المعارضة، أجواء قلق، إزاء ما يمكن أن يكون في طور التحضير للإجهاز على الثورة السورية وعلى قضيتها. وكأن التوجس مما يسمى أخيراً "صفقة القرن"، لتصفية ملفات القضية الفلسطينية، قد وصل إلى سورية، للتخلص تدريجياً أيضاً من كل ما يمت لشعارات الثورة هناك، بدءاً من تغيير النظام في مرحلة انتقالية، بحسب ما نصت عليه قرارات دولية عديدة، صارت منسية فعلياً، نتيجة قرار أميركي يسير فيه حلفاء واشنطن الغربيون والعرب، لحصر المعركة ضد "إرهاب داعش"، والتغاضي عن "إرهاب النظام". آخر مؤشرات القلق تلك، ظهرت من أجواء التحضير لمؤتمر الرياض 2 المقرر في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لإعادة هيكلة صفوف الهيئة العليا للتفاوض، بشكل ترغب الرياض في أن يدخل فيه ممثلو منصتي القاهرة وموسكو، المحسوبون على المعارضة المرضيّ عنها من دمشق ومن معسكرها، إلى صفوف الهيئة العليا للتفاوض، تمهيداً لإجراء تعديلات جذرية في الخطاب السياسي للممثل الأوسع عن المعارضة السورية. تعديل قد يطاول الموقف من بقاء النظام ورأسه بشار الأسد من جهة، وربما يصل إلى العناوين التي يرغب الاتفاق الأميركي ــ الروسي حول سورية في تثبيتها، لحصر المشكلة في تنظيمات مثل "داعش" و"جبهة النصرة"، وصرف النظر عن مسببات ظهور هذه الكيانات في سورية.

ورغم نفي الرياض فضلاً عن شخصيات من "هيئة المفاوضات العليا" ما تردد عن إبلاغ السعودية لها، لتقبل بقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال الفترة الانتقالية، فإن مؤتمر الرياض المقبل للمعارضة السورية، والذي تتكثف الاتصالات والتحركات السياسية التحضيرية للأطراف المعنية فيه، يبدو أنه سيكون مثقلاً بملفاتٍ وبنود بالغة الحساسية للمعارضة السورية.

وأوضح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية "عدم دقة ما نسبته بعض وسائل" لوزير الخارجية عادل الجبير عن أن رئيس النظام بشار الأسد باقٍ.
وأكد "المصدر"، في تصريح نشرته وكالة الأنباء السعودية، على "موقف المملكة الثابت من الأزمة السورية، وعلى الحل القائم على مبادئ إعلان جنيف 1 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي ينص على تشكيل هيئة انتقالية للحكم تتولى إدارة شؤون البلاد، وصياغة دستور جديد لسورية، والتحضير للانتخابات لوضع مستقبلٍ جديدٍ لسورية لا مكان فيه لبشار الأسد".
كما أكد المصدر "دعم المملكة للهيئة التنسيقية العليا للمفاوضات، والإجراءات التي تنظر فيها لتوسيع مشاركة أعضائها، وتوحيد صف المعارضة".

كذلك نفى أعضاءٌ بـ"الهيئة العليا للمفاوضات"، ما ذكرته مواقع إخبارية، عن أن السعودية، وعبر وزير خارجيتها عادل الجبير، أبلغت المعارضة السورية، لتقبل بقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في المرحلة الانتقالية. وكانت قناة روسيا اليوم قد نقلت عمن سمته مصدراً في المعارضة السورية أن الجبير أبلغ الهيئة العليا للمفاوضات، يوم الخميس الماضي، في الرياض، أن الأسد باق، وأن "على الهيئة الخروج برؤية جديدة، وإلا ستبحث الدول عن حل لسورية من غير المعارضة"، منوها إلى أن "الوقائع تؤكد أنه لم يعد ممكنا خروج الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، ويجب أن نبحث مدة بقائه في المرحلة الانتقالية وصلاحياته في تلك المرحلة". كما نقلت القناة عن مصدر في المعارضة السورية أن مؤتمر الرياض المقبل سيعلن نهاية دور رياض حجاب. وقال عضو "هيئة التفاوض العليا"، أحمد العسراوي، لـ"العربي الجديد"، إن الجبير "لم يقل ما نُسب إليه" خلال اجتماعه بأعضاء ومنسق "الهيئة العليا للمفاوضات"، لافتاً إلى أن الهيئة العليا هي من طلبت عقد مؤتمر "الرياض 2" في العاصمة السعودية، لـ"يضم أوسع أطياف المعارضة السورية، خصوصاً التي لم تشارك في مؤتمر الرياض 1، علّنا نصل إلى رؤية مشتركة للمعارضة السورية الفعلية في البلاد"، وفق العسراوي. وأضاف العسراوي أن رياض حجاب كرر أكثر من مرة اعتذاره عن عدم تمكنه من المشاركة المستمرة في جولات جنيف وما حولها لأسباب صحية، وأنه قد لا يستطيع متابعة عمله لنفس الأسباب، وهذا يعود لتقدير الأطباء في المرحلة المقبلة"، متوقعا أن يكرر الطلب ذاته في الاجتماع المرتقب في الرياض.


في نفس السياق، أوضح مصدرٌ من "الهيئة العليا"، حضر لقاء الرياض الأخير مع الوزير السعودي، الأسبوع الماضي، أن الاجتماع الذي ضم شخصياتٍ من "الهيئة العليا" ومنسقها العام، مع الوزير الجبير، لم يتطرق إلى ما ذكرته مواقع إخبارية، عن أن السعودية أبلغت المعارضة عن بقاء رئيس النظام بشار الأسد في الحكم خلال المرحلة الانتقالية. وقال المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "الاجتماع بحث في ترتيبات انعقاد مؤتمر الرياض 2 المزمع قريباً"، والذي "كانت الهيئة العليا أساساً قد طرحته على الجانب السعودي، من أجل توسيع قاعدة التمثيل، لأكبر شرائح ممكنة من السوريين في هيئة التفاوض العليا". وأكد المصدر أنه "لم يثر في الاجتماع ما يتم إشاعته عن أن الرياض أبغلتنا أن بشار الأسد سيبقى في المرحلة الانتقالية". لكن، وبحسب مصدر في المعارضة السورية، فإن "المناخ السياسي العام السائد حالياً، مع جملة ما نفهمه من رسم التحالفات في المنطقة، يوحي بأن مؤتمر الرياض المقبل، سيكون مثقلاً بتحدياتٍ كبيرة تواجهها الهيئة العليا، من بينها القضية القديمة ــ الجديدة حول ضم منصتي القاهرة وموسكو لها، وهي قضية جدلية جداً بين المنصتين والهيئة العليا"، في إشارة إلى واقع أن وجهتي نظر (المنصتين) و"الهيئة" بعيدتان حول شكل ومضمون الحل السياسي، بما أن معظم رموز المنصتين المذكورتين، يرفضون علناً رحيل بشار الأسد.

ويتزامن ذلك مع ما كانت ذكرته مصادر مطلعة على مجرى الاتصالات الحالية بين شخصياتٍ في المعارضة السورية والرياض، عن أن الأخيرة تدفع باتجاه ضم كل من منصتي القاهرة وموسكو وشخصيات أخرى، لوفد المعارضة المفاوض في جنيف. وكان رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني السوري، أحمد رمضان، أكد لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق، أن هناك قراراً مسبقاً من الهيئة العليا "بعقد اجتماع موسع لها"، مشيراً إلى أن "الرياض وافقت على استضافة الاجتماع"، متوقعاً أن "يُعقد بداية أكتوبر/تشرين الأول المقبل". وأوضح أن الهدف من الاجتماع المقبل "هو تعزيز التمثيل، ومراعاة التطورات الميدانية في تمثيل القوى العسكرية". ومساء السبت، أصدرت الهيئة العليا بياناً جاء فيه أنها طلبت من السعودية استضافة "اجتماع موسع لها مع نخبة مختارة من القامات الوطنية السورية ونشطاء الثورة، من أجل توسيع قاعدة التمثيل". وأوضح البيان أن الرياض وافقت على الطلب، وأنه تم تشكيل لجنة للتحضير لهذا الاجتماع "بمشاركة أوسع طيف من الشخصيات الوطنية السياسية والعسكرية والثورية ومن ممثلي المجتمع المدني، وتشمل كافة أطياف الشعب السوري".

ومنذ انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي التسريبات عن الحديث السوري بين الملك سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، على هامش قمة الرياض الإسلامية ــ الأميركية، في مايو/أيار الماضي، ظهر كأن قراراً سعودياً قد اتُخذ بالفعل لصرف النظر بالكامل عن الثورة السورية وعن دعمها. وخلال دردشة بين العاهل السعودي والرئيس الأميركي، سُمع الملك سلمان يقول لترامب ما مفاده أن "السوريين خربوا بلدهم وراحوا يتقاتلون"، وهو موقف يزيل عن الثورة السورية القراءة التي كانت الرياض تقول إنها تتبناها، حيال ثورة شعبية تحولت إلى حرب أهلية نتيجة تعاطي النظام دموياً معها. ومنذ اندلاع الأزمة الخليجية، أعرب سوريون كثيرون عن خشيتهم من أن تخصص المملكة جهودها لمحاصرة قوى سياسية محسوبة على الثورة من داخل الائتلاف السوري أو من خارجه، تحت شعار أن هذه الشخصية أو هذا الطرف يمكن أن يكون محسوباً على قطر.