الأزمة الخليجية تفتح احتمالات لدور دبلوماسي كويتي إقليمي

الأزمة الخليجية تفتح احتمالات لدور دبلوماسي كويتي إقليمي

06 اغسطس 2017
استقبلت الكويت مسؤولين عديدين لبحث الأزمة الخليجية (كيهان أوزير/الأناضول)
+ الخط -
تشكّل أزمة حصار دول محور الرياض-أبو ظبي لدولة قطر فرصة تاريخية للكويت لاستعادة دورها التاريخي في المنطقة كقوة سياسية ودبلوماسية قوية، بعد أن أعلنت الوقوف على الحياد في الأزمة ورفضت سياسة حصار قطر ودعت إلى الجلوس على طاولة المفاوضات برعايتها من دون تدخّل أي طرف غير خليجي فيها. وتضع دوائر صنع القرار في الكويت خططاً ومشاريع لتنشيط الدبلوماسية الكويتية بما لا يقتصر على دور الوساطة في الأزمة الخليجية الحالية.

وفور تصاعد أزمة حصار قطر، سافر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى الدوحة ودبي وجدة، حيث التقى أطراف الأزمة محاولاً تقريب وجهات النظر. كما دعا إلى الحفاظ على مجلس التعاون الخليجي وذلك في محاولة من الكويت لوقف استبداد دولة واحدة بالرأي داخل هذه المنظومة. وحصل أمير الكويت بفضل رصيده السياسي في المنطقة كوزير للخارجية طوال 40 عاماً بالإضافة إلى كونه الأكبر سناً في دول مجلس التعاون الخليجي (89 عاماً) على دعم إقليمي من قِبل عُمان وتركيا وإيران، ودولي من الولايات المتحدة الأميركية على لسان وزير خارجيتها ريكس تيلرسون ووزراء خارجية بريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي. كما أكد وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أثناء لقائه نظيره وزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو في الدوحة أخيراً، أن الوسيط الرئيسي لحل الأزمة هو أمير الكويت، وهو من يحدّد مسار العمل.

لكن القيادة السياسية في الكويت مستفيدة من أزمة حصار قطر وبتعاون أميركي وبريطاني، تحاول القيام بدور أكبر في الدبلوماسية الخليجية وإعادة الكويت إلى الواجهة الدبلوماسية والقوة السياسية في منظومة مجلس التعاون الخليجي التي اخترعت هي بنفسها فكرة إنشائها، بعد أن توارت خلف الأنظار عقب غزو النظام العراقي السابق لها عام 1990.
وقال دبلوماسي سابق في الخارجية الكويتية لـ"العربي الجديد"، إن "سياستنا بعد الغزو العراقي مع الخليجيين كانت صامتة وخجولة، لكن هذه الأمور ستتغير عقب أزمة حصار قطر، إذ إن الدول التي كانت تُقدّم نفسها للغرب كدول دبلوماسية وقيادية فقدت رصيدها بعد تدخّلاتها المتهورة في المنطقة وآخرها ضد قطر، فيما ارتفع الرصيد الدبلوماسي الكويتي خصوصاً عند المؤسسات الأميركية الرسمية". وأشار إلى أن "وزارة الخارجية بدأت بالتوسع في قبول الدبلوماسيين الشباب، كما أننا الدولة الخليجية الوحيدة التي لديها أربعة قياديين في الخارجية، أولهم أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، ووزير الخارجية الحالي الشيخ صباح الخالد الصباح، ووكيل وزارة الخارجية خالد الجارالله، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد العبدالله الصباح، الذي أصبح مبعوث الكويت إلى الولايات المتحدة في ما يخص الأزمة الخليجية".
وبدأت الكويت في التوسع في قبول الدبلوماسيين لديها وفتح المجال أمام الإناث للدخول في السلك الدبلوماسي، وذلك في محاولة لزيادة أعداد وفود الدولة الخارجية تمهيداً للمرحلة السياسية المقبلة والتي تتمثل بالقيام بدور وساطات أكبر والتدخّل في حل مشاكل إقليمية داخل العراق وسورية ودول الخليج.

وأطلقت الحكومة الكويتية اتصالات دبلوماسية في مسعى لحشد دعم الدول المانحة لمؤتمر إعادة إعمار العراق بعد إجلاء تنظيم "داعش" من مناطقه، ومن المتوقع أن تبدأ أعمال المؤتمر في العاصمة الكويتية مطلع العام المقبل برعاية دولية وحضور أكثر من 60 دولة. كما قامت الكويت العام الماضي بدور الوساطة في حرب اليمن بين الانقلابيين الحوثيين والسلطة الشرعية برئاسة عبدربه منصور هادي، لكن المؤتمر تعرض "للإفشال" بحسب دبلوماسيين كويتيين. لكن الموقف الكويتي الحقيقي الذي أكد أن الكويت بدأت بالفعل انتهاج سياسة خليجية مستقلة من جديد، هو رفضها إرسال قوات "درع الجزيرة" إلى البحرين أثناء تصاعد موجة الاحتجاجات ضد النظام الحاكم عام 2011 والاكتفاء بإرسال قوة بحرية مراقبة، كما أرسلت كتيبة مدفعية واحدة للحرب في اليمن.


وقال الكاتب والأكاديمي السياسي عبدالرحمن المطيري لـ"العربي الجديد"، إن "هناك أمرين لا بد من معرفتهما حتى نفهم سبب رغبة الكويت بتعظيم قوتها الدبلوماسية، السبب الأول هو موقع الكويت الجغرافي الذي حتّم عليها الإمساك بورقة السياسة الخارجية مع الدول الثلاث المحيطة بها وهي العراق وإيران والسعودية، حتى لا تقع تحت هيمنة أحد خصوصاً مع وجود برلمان منتخب ومساحة حرية هامشية قد تُستغل في التخريب والتشويش". وأضاف أن "السبب الثاني هو أن القيادة السياسية لا تريد تكرار أزمة حصار قطر معها، إذ إن فشل قطر في الصمود أمام مطالب الإمارات والسعودية يعني أن الدور لا بد أن يكون على الكويت، بسبب اختلاف سياساتها الخارجية عنهما في ما يخص ملفات اليمن والعراق وإيران، وخصوصاً مصر، فيما البحرين مطابقة في مواقفها للسعودية بشكل تام بسبب ظروفها وموقعها الجغرافي".

واعتمدت الكويت منذ ستينيات القرن الماضي سياسة خارجية مستقلة تمثّلت في دعم حركات التحرر من الاستعمار في المنطقة، كما رعت إنشاء حركة "فتح" التي كان أفرادها يعيشون في الكويت، وإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، ودفعت في اتجاه توحيد اليمن، وعلاقاتها مع الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى دعمها اللامحدود للعراق أثناء الحرب العراقية-الإيرانية، وهو ما تسبّب في فترة الثمانينيات السوداء في الكويت حين تعرضت البلاد لتفجيرات عدة من قبل موالين لإيران، أبرزها كانت محاولة اغتيال أمير البلاد آنذاك الشيخ جابر الأحمد الصباح على يد أفراد حزب "الدعوة" العراقي.

وتسبّبت السياسات الكويتية المستقلة آنذاك بغضب من قبل دول إقليمية على رأسها السعودية. لكن الغزو العراقي للبلاد أدى بحسب البروفيسورة في علم الاجتماع السياسي في كلية لندن للعلوم السياسية والاقتصادية، مضاوي الرشيد، إلى وضع قيود على حركة الكويت الخارجية بسبب الدَيْن السياسي الذي تراكم عليها نتيجة العدوان العراقي.