العراق: دعوات سعودية لزعماء عشائر و"تمويل" الإعلام تثير الجدل

العراق: دعوات سعودية لزعماء عشائر ومنح مالية لوسائل إعلام تثير الجدل

31 اغسطس 2017
تحاول السعودية فتح منفذ تسويقي في العراق(فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -

أعلن مسؤولون عراقيون في بغداد، أمس الأول، أن ما لا يقل عن 50 زعيماً قبلياً، غالبيتهم من عشائر جنوب ووسط العراق، تلقوا دعوات لزيارة السعودية، ولقاء مسؤولين وشخصيات قبلية واجتماعية ودينية هناك، ضمن ما أطلق عليه "تعزيز العلاقات الأخوية"، وذلك بالتزامن مع الكشف عن تقديم السلطات السعودية منحاً مالية لعدد من وسائل الإعلام المحلية العراقية، بينها قناة فضائية تحظى بتأثير واسع داخل الشارع العراقي.

وقال عضو مجلس عشائر بغداد، الشيخ مالك الخزعلي، لـ"العربي الجديد"، إن "دعوات سعودية وصلت أخيراً إلى عدد كبير من زعماء العشائر لزيارة المملكة. نرحب بذلك، لكن طبيعة انتقاء الشخصيات غير صحيحة، ويبدو أنها ناجمة عن جهل القائم على هذه الدعوات" وفقاً لقوله. وأضاف "تم توجيه دعوات إلى شخصيات خلافية لا تحظى بإجماع المشيخة داخل العشيرة ذاتها، وتم إهمال شيوخ آخرين، وتم إرسال دعوة إلى شيخ فخذ (فرع من العشيرة) وأهمل شيخ عموم العشيرة بذاته، وتكرر ذلك في أكثر من عشيرة"، مشيراً إلى "دعوات وجهت إلى شيوخ من محافظات البصرة وبابل والنجف وذي قار والمثنى والقادسية، فضلاً عن بغداد وديالى والأنبار وصلاح الدين". وأعلن الخزعلي أن "الدعوة مفتوحة"، لكنه أعرب عن اعتقاده بأنها قد تؤجل لما بعد عطلة عيد الأضحى، مضيفاً إن "الدعوة تفسر من قبلنا على أنها لإذابة الجليد الطائفي وتطبيع العلاقات بشكل أكبر ضمن نهج جديد للسعودية مع العراق".

من جانبه، قال مسؤول بارز في الحكومة إن "الدعوات السعودية لزعماء العشائر العراقية تمت بعلم من الحكومة، وهناك فئات أخرى وجهت لها دعوات، مثل رجال الأعمال العراقيين ورجال الدين الذين يتواجدون حالياً في مكة بدعوة رسمية، وعددهم نحو 200 رجل دين من فئة خطباء مساجد وحسينيات وطلاب علم ومدرسين في الحوزة العلمية في النجف". ووفقاً للمسؤول فإن "دعوة السلطات السعودية أخيراً لعلماء المساجد وخطباء المنابر بعدم الدعاء على ما يسمونه الرافضة والتحريض عليهم تعتبر خطوة إيجابية ممتازة، وبداية تغيير كبير في العلاقات بين البلدين" على حد وصفه. وتوقع أن تتم زيارات "لمسؤولين سعوديين على مستوى رفيع المستوى إلى العراق نهاية سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول المقبل".

إلى ذلك، قالت مصادر إعلامية عراقية في بغداد إن خمس وسائل إعلام عراقية محلية تلقت هدايا مالية من السعودية، لتطوير ما وصفته المصادر بالخطاب الإعلامي الإيجابي والهادف. وتتخذ أغلب وسائل الإعلام العراقية من عمّان ولندن وإسطنبول مقرات رئيسية لها، إضافة إلى مكاتبها الأم الموجودة في بغداد وأربيل. وقال أكثر من مصدر مطلع إنه سمح لإحدى وسائل الإعلام، وهي محطة فضائية عراقية ذائعة الصيت، للمرة الأولى، بتغطية مناسك الحج لهذا العام، عبر بث مباشر من مكة، وإجراء لقاءات مع الحجاج العراقيين. وتمر المؤسسات الإعلامية العراقية بضائقة مالية كبيرة أسفرت عن تسريح العشرات من العاملين فيها، وإغلاق عدد منها. ويرجع ذلك إلى إيقاف الكونغرس الأميركي برنامج دعم عدد كبير من وسائل الإعلام العراقية التي ظهرت بعد الاحتلال الأميركي للعراق، ضمن ما أطلق عليه حينها برنامج دعم الديمقراطية في البلاد. وقال عضو في مجلس إدارة إحدى تلك الفضائيات، لـ"العربي الجديد"، إن "الدعم المالي يهدف إلى تبني خطاب معتدل ضد الطائفية والإرهاب وتوحيد العراقيين"، نافياً أن يكون هناك أي إملاءات أو شروط قبيل تلقيهم المنحة السعودية. ويحظر القانون العراقي الخاص بتنظيم وسائل الإعلام العراقية للعام 2005 تلقي أي مؤسسة إعلامية مبالغ مالية خارجية من دون موافقة حكومية.


خلال ذلك، يستعد وفد من تجار ورجال أعمال عراقيين لبدء زيارة إلى السعودية، نهاية الأسبوع المقبل تستمر عدة أيام، للقاء نظرائهم والاطلاع على أهم المنتجات السعودية التي يمكن أن تلقى رواجاً في السوق العراقية، وهو ما اعتبره مستشار السوق العراقي للأوراق المالية ببغداد، أحمد السعدي، محاولة سعودية لتعويض شركاتها المتذمرة من حصار قطر بسبب تكبدها خسائر مالية كبيرة، وذلك عبر فتح منفذ تسويقي جديد لهم، غير قطر، يتمثل بالسوق العراقية. وكان عضو مجلس محافظة البصرة (الحكومة المحلية)، غانم المياحي، اتهم، في تصريح صحافي الأسبوع الماضي، السعودية بالتواصل مع "شخصيات محسوبة زوراً على العشائر". وأوضح أن "السعودية تتدخل في الشأن الداخلي للمحافظة، كونها تتواصل مع بعض المحسوبين على وجهاء العشائر، وتقوم بدفع أموال لهم منذ مدة، وهذا لا يخدم الاستقرار في البصرة". من جهته، أكد عضو مجلس عشائر البصرة، الشيخ منذر المياحي، أنّ "النزاعات العشائرية التي تتأجج بشكل مستمر في المحافظة، تخرج عن سيطرة القوات الحكومية وكأنّها معارك بين جيشين". وتشهد محافظات العراق، خصوصاً البصرة، نزاعات عشائرية مستمرة، تستخدم فيها كافة أنواع الأسلحة، وكثيراً ما تتسبب بوقوع عشرات القتلى والجرحى، في وقت لم تستطع الحكومة وضع حد لتلك النزاعات.

واعتبر القيادي في "التحالف الوطني" الحاكم في العراق، عبد الرزاق الحيدري، أن بغداد سترحب بأي خطوة سعودية إيجابية اتجاه العراق، لكن قبل ذلك نحتاج إلى شروط إثبات حسن النوايا، ومنها منع فتاوى التكفير التي تعتبر المغذي الأول للإرهاب من داخل أراضيها، مبيناً أن "ذلك لا يعني أيضاً أن الانفتاح سيكون على أساس دخول العراق في محور معين ضد الآخر". ويؤكد مراقبون سياسيون أن الخطوات الكبيرة أحادية الجانب من قبل السعودية تجاه العراق تأتي ضمن مشروع أميركي واسع لمنافسة إيران، التي تحتل النفوذ الأكبر في العراق. وقال أستاذ العلاقات العامة في كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد، الدكتور محمد الجنابي، لـ"العربي الجديد"، إنه "بشكل عام فإن سياسة العراق لم تتغير، لذا لا يمكن القول إن هناك تغيرا عراقيا قابله آخر سعودي أدى إلى عودة العلاقات بهذا الشكل. لكن عندما نسمع تشجيع المسؤولين الأميركيين، في زياراتهم المتكررة إلى بغداد، للحكومة بضرورة الانفتاح على الخليج العربي والأردن، وقيام تلك الدول ذاتها بخطوات مماثلة، يمكن التأكد أن الموضوع عبارة عن مشروع أميركي يهدف إلى تخفيف القبضة الإيرانية في العراق" وفقاً لقوله.

المساهمون