الجزائر والخريف الكولومبي

الجزائر والخريف الكولومبي

22 اغسطس 2017
تساؤلات حول ما إذا كانت التغييرات صادرة عن بوتفليقة(الأناضول)
+ الخط -
صحيح أن الجزائر تجنّبت الربيع العربي ولم تمسك تلك الموجة بتلابيبها، ليس فقط بسبب نجاح النظام في الانحناء حتى مرور العاصفة عبر تعهدات بإصلاحات دستورية سياسية لم يف بها كما العادة، لكن أيضاً بسبب مخاوف شعبية من الانخراط في مسارات غير محسوبة العواقب، والعودة إلى مربع الفوضى، لا سيما أن البلد كان يخرج لتوه من أزمة دم عميقة. لكن الجزائر التي تجنبت الربيع العربي سقطت أخيراً في الخريف الكولومبي، إذ إن الدولة الآن مجرد رسم وهيكل متداخل تتدافعها مراكز النفوذ ورجال المال، والقانون والدستور مجرد رسم على ورق يخضع تطبيقه لاعتبارات سياسية وظرفية، والمؤسسات الرسمية هياكل بلا روح، ذلك أن وجود المقرات الحكومية لا يعني وجود منظومة حكم تخطط بالعلم والحكمة المطلوبة لإدارة شؤون الدولة في خضم تحدياتها، وتعديل أوضاع المجتمع المختلة واستشراف آفاقه، تماماً كما وجود المحاكم لا يعني بالضرورة وجود العدل، ووجود مباني الجامعات لا يعني بالضرورة وجود العلم أيضاً.
الخريف الكولومبي في الجزائر ليس دليله الإخفاقات السياسية والعطب الاقتصادي المستمر فقط والإحباط الاجتماعي المتزايد، وهيمنة قوى المال على أطراف الإزار السياسي واقتصاد البلد، لكن دليله انكشاف "حرب الكواليس" والصراع العنيف بين مجموعات النفوذ ومجموعات المال، على الطريقة الكولومبية في حرب الشوارع بين عصابات المخدرات والمافيا. وتماماً كما في الحالة الكولومبية، يستفيد الشارع من بعض الفرجة الدامية من دون أن يفهم أي تفاصيل، وحين تنتهي الفرجة الدامية تفرض العصابة الرابحة منطقها على الشارع والحي وكل حي فيه، وتنصّب أي حاكم يدين لها بالولاء، ولو كان من الأرشيف.
ودليل الخريف الكولومبي في الجزائر حالة الفوضى في مستوياتها القياسية والطريقة الكاريكاتورية الساخرة التي تدار بها شؤون البلد، والمشاهد الدراماتيكية التي تنتجها النخب الحاكمة في الجزائر، كان آخرها طريقة تعيين وإقالة الوزراء والحكومة، وبلادة الاتصال الرسمي مع الرأي العام، وفجاجة المبررات السياسية التي تستدعيها النخب الحاكمة والموالية لها، في تصريف كل ما حدث خلال الأسبوع الماضي بعد إقالة حكومة وتعيين أخرى بديلة من طرف الرئاسة، من دون أن يتأكد الرأي العام من أن كل تلك القرارات الانقلابية المتسارعة صادرة فعلياً عن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
شيئاً فشيئاً يتآكل ذلك الرصيد الثوري للبلد الذي عرف بثورته، ويتراجع وهجه الديمقراطي وقد كان سباقاً في الوطن العربي إلى التعددية السياسية، ويتحول إلى "سخرية في القنوات" بسبب وضع سياسي فريد ومستفز.