إحياء الحرب الأفغانية: محاورة طالبان وتهديد باكستان وإغراء الهند

ولادة جديدة للحرب الأفغانية: محاورة طالبان وتهديد باكستان وإغراء الهند

23 اغسطس 2017
2500 قتيل أميركي في حرب أفغانستان حتى الآن(ون مكنامي/Getty)
+ الخط -
سجل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تراجعاً جديداً عن أحد وعوده الانتخابية الخاصة بالسياسة الخارجية الأميركية، فقرر مواصلة الحرب في أفغانستان وتوسيعها عبر إرسال آلاف الجنود الإضافيين، وفتح الباب أمام تصعيد محتمل في الملف الأفغاني ضد باكستان وتوسيع لدور الهند، غريمة باكستان الرئيسية في المنطقة والعالم ربما. استراتيجية سارعت روسيا إلى الإعراب عن انزعاجها منها، رغم أن ترامب شاء ألا يصوب اتهاماته ضد موسكو وطهران، المتهمتين على صعيد واسع بتقديم دعم ضمني لحركة "طالبان" التي توعدت بدورها باستعادة ذكريات "المقبرة الأفغانية" بالنسبة للقوات الأميركية. وكان ترامب قد خصص أيام الأسبوع الماضي للتناقش مع مساعديه العسكريين والسياسيين لاتخاذ أحد القرارات الثلاث في ما يتعلق بمصير الوجود الأميركي في أفغانستان، حيث انطلقت الحرب العالمية ضد "الإرهاب" في عهد جورج بوش الابن غداة اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001.


وكان أمام ترامب إما قرار توسيع الوجود الأميركي العسكري هناك، وهو ما فضله على خياري الانسحاب الفوري بناء على وعده الانتخابي، أو خصخصة الحرب من خلال استبدال الجنود الأميركيين بقوات أمنية خاصة، بناء على نصيحة من مؤسس شركة المرتزقة "بلاك ووتر"، إريك برنس. وبهذا القرار، يكون ترامب قد واصل عملياً سياسة سلفه باراك أوباما، التي لطالما حاربها، ويكون قد سلم ملف أفغانستان لمستشاريه من الجنرالات، على غرار ما يفعله في سورية وفي العراق وفي بقية المناطق الساخنة. كل ذلك رغم تأكيد ترامب أن الاستراتيجية الجديدة في أفغانستان تختلف عن الخطة التي اعتمدتها الإدارات السابقة خلال الأعوام الـ16 الماضية في حرب خاسرة كلفت الخزينة الاميركية أكثر من تريليون دولار (ألف مليار) والجيش الاميركي أكثر من 2500 قتيل وعشرين ألف جريح.

لكن ربما يكون الأبرز في الخطاب الأفغاني الذي وجهه ترامب، فجر الثلاثاء بتوقيت القدس المحتلة، إلى الشعب الأميركي عبر شاشات التلفزيون على مدى 30 دقيقة، هو التصعيد الذي أطلق بموجبه النار السياسية على باكستان بصفتها حاضنة لحركة حقاني المتحالفة مع "طالبان" و"موئلاً للمتسببين بالفوضى"، على حد تعبيره، والطلب من نيودلهي، الخصم الرئيسي لإسلام آباد، توسيع دورها الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي في الملف الأفغاني، من دون أن يتطرق بكلمة إلى الدور المزعوم لروسيا وإيران في هذا البلد الذي يعيش حرباً أهلية من بين الأطول في العالم. وقال ترامب إن قرار إرسال قوات أميركية إضافية، لم يحدد عددها، "لا يعني إعطاء شيك على بياض للحكومة الأفغانية" التي دعاها إلى القيام بواجباتها ومضاعفة جهودها لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها حركة طالبان. لكنه ترك  الباب مفتوحا أمام احتمال إجراء حوار بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان من أجل إيجاد تسوية سياسية دائمة للأزمة الأفغانية. وترك ترامب مهمة تحديد عديد القوات الإضافية لوزير الدفاع جيمس ماتيس ولقيادة القوات العسكرية الاميركية في أفغانستان.

وقد أعلنت مصادر رسمية في "البنتاغون" أن العدد الذي سيتم إرساله يقدر بأربعة آلاف جندي يضافون إلى القوات البالغ عددها 8400 جندي حالياً. كما غمز الرئيس الاميركي من مخاطر احتمال انتقال السلاح النووي الذي تملكه باكستان "إلى مجموعات إرهابية". غير أن ترامب لم يورد تفاصيل تذكر عن الكيفية التي يعتزم من خلالها إقناع باكستان بوقف إيواء شبكة حقاني و"طالبان باكستان". ورأى مايكل كوغلمان من "مركز ولسون" أنه "مهما وجهت واشنطن من تهديدات وفرضت من عقوبات على باكستان فإنها لن تغير هذه المصالح الاستراتيجية الراسخة في أفغانستان". وتابع أنه "كلما دعا رئيس أميركي الهند إلى زيادة حضورها في أفغانستان، فإنه يدق ناقوس الخطر في باكستان". وعن باكستان، قال ترامب إنها "ستكسب الكثير إن تعاونت مع جهودنا في افغانستان. وستخسر كثيراً إذا واصلت إيواء مجرمين وإرهابيين"، مضيفا "يجب أن يتغير هذا، وسيتغير على الفور". وكان الجيش الباكستاني استبق خطاب ترامب مترقبا أن تشدد واشنطن اللهجة من جديد، فأكد قبل ساعات من عرض الاستراتيجية الأميركية أن باكستان لن تؤوي "أي بنية تحتية لأي منظمة إرهابية". وعلقت وزارة الدفاع الأميركية الشهر الماضي مساعدات عسكرية بقيمة 50 مليون دولار لباكستان، معتبرة أن إسلام اباد لا تبذل جهودا كافية لمكافحة شبكة حقاني المتحالفة مع حركة طالبان الأفغانية.

ولم يقدم ترامب تفاصيل عن الكيفية التي سيعجل من خلالها بنهاية أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة، سوى بإشارته إلى أنه "سيوسع نطاق الصلاحيات" للقادة العسكريين من أجل استهداف الشبكات المتطرفة". واعترف ترامب بأنه تراجع عن قرار الانسحاب السريع لتفادي ترك فراغ "يستفيد منه الإرهابيون".  

غير أن ترامب امتنع عن تحديد طول الفترة التي ستبقاها القوات الأميركية القديمة والجديدة هناك، بما أن "الظروف على الأرض لا الجداول الزمنية المتعسفة هي التي سيتم الاسترشاد بها في تحديد مدة الدور العسكري". في المقابل، اعتبر البروفسور جيمس در ديريان من مركز دراسات الأمن الدولي في جامعة سيدني أنه "لا يمكن سد الفراغ إلا بإرسال 300 ألف جندي وليس 4 آلاف". ورأى أن "التناقض الرئيسي (في الخطاب) هو الزعم بأننا تعلمنا من الماضي في حين ليس بين الإجراءات والسياسات المعلنة ما لم تتم تجربته في الماضي والحكومة الأفغانية بالكاد تسيطر على نصف أراضي البلاد". ووصف الخطة الجديدة بأنها مجرد "خطة طوارئ لا استراتيجية طويلة المدى"، متوقعا أن ترد حركة طالبان "بالعنف المتوقع ومن موقع قوة نسبيا". وبالفعل، قال المتحدث باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد في بيان إنه "اذا لم تسحب الولايات المتحدة جنودها من أفغانستان، فإن أفغانستان ستصبح قريبا مقبرة أخرى لهذه القوة العظمى في القرن الواحد والعشرين".



وعلق جيمس دوبينز، وهو الممثل الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان خلال رئاسة باراك أوباما، على قرار ترامب بالقول إن سيد البيت الأبيض "كان أمام خيار الخسارة وعدم الخسارة. فالفوز في الواقع ليس خياراً مطروحاً". أما سكوت ووردن من المعهد الأميركي للسلام فاعتبر أن إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان قد "يكسب وقتا للحكومة الأفغانية لزيادة شرعيتها وكسب تأييد الأفغان وهو ما سيفيدها في التفاوض على إنهاء الصراع مع أن زيادة القوات وحدها لن تلحق الهزيمة بطالبان، فلا بد من اقتران الشق العسكري لهذه الاستراتيجية بالتركيز بدرجة مساوية إن لم تكن أكبر على إدارة الجوانب السياسية في أفغانستان والمنطقة". وسبق لأوباما أن حاول الاتكال على الحل العسكري لوحده وفشل، فخلال ولايتيه الرئاسيتين، بلغ عدد القوات الأميركية في أفغانستان 100 ألف جندي وتم تخصيص قوة نيران جوية كبيرة وتنفيذ عشرات من الضربات بطائرات دون طيار لحساب المخابرات المركزية في باكستان وإنفاق مليارات الدولارات من أجل الإعمار وبرامج نشر الديمقراطية. حتى إن أوباما كرس جهدا دبلوماسيا كبيراً لإنهاء الحرب وعين مبعوثا خاصاً لتنسيق المفاوضات، قبل أن يعود ترامب ويلغي هذا المنصب ويخفض ميزانية وزارة الخارجية بنحو 30 في المئة ويترك عشرات المناصب العليا شاغرة.

وتسارعت الردود المرحبة بالخطة الأميركية الحربية، بدءاً من حكام كابول، إذ أعرب الرئيس الأفغاني أشرف غني عن تقديره "لالتزام الرئيس الأميركي نحو أفغانستان"، معلناً أنه "ستكون هناك زيادة في تدريب واستشارة ومساعدة قوات الأمن الأفغانية فضلا عن القوات الجوية والقوات الخاصة للبلاد"، مع أن ترامب أوضح في كلامه أن "لدى الحكومة الأفغانية الكثير كي تقوم به إذا ما تحقق الاستقرار في أفغانستان". وحث القائم بالأعمال في السفارة الاميركية في كابول هوغو لورنس في بيان، الحكومة الأفغانية على "التعامل مع الفساد المستشري والوفاء بوعدها بإجراء انتخابات برلمانية العام المقبل وإجراء إصلاحات اقتصادية وتنحية الخلافات العرقية والتعاون سوياً". وقال لورنس إن الولايات المتحدة "ستواصل الضغط على طالبان للانضمام إلى عملية السلام مع الحكومة الافغانية لإنهاء الحرب". وعن هذا الموضوع، أشار ترامب إلى أنه "ربما يكون من الممكن إيجاد حل سياسي يشمل جزءاً من طالبان أفغانستان، لكن لا أحد يعلم ما إذا كان هذا سيحصل ومتى قد يتحقق". وأوضح وزير الخارجية ريكس تيلرسون بعد الخطاب الرئاسي أن الولايات المتحدة "مستعدة لدعم محادثات سلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بلا شروط مسبقة". ورحبت ألمانيا والهند وحلف شمال الأطلسي بمضمون خطاب ترامب بينما نقلت وكالة إنترفاكس الروسية عن مصدر في وزارة الخارجية الروسية، لم تذكره بالاسم، قوله أمس الثلاثاء إن بلاده لا تعتقد أن استراتيجية ترامب الجديدة بشأن أفغانستان ستؤدي إلى إحداث تغييرات إيجابية كبيرة في هذا البلد. 


المساهمون