"المصلحة"... مبرر الدنمارك لدعم أنظمة عربية قمعية

"المصلحة"... مبرر الدنمارك لدعم أنظمة عربية قمعية بأجهزة مراقبة وأسلحة

20 اغسطس 2017
توجه لعقد جلسات استماع برلمانية لكشف الحقائق (ناصر السهلي)
+ الخط -
بعد صمت استمر لنحو شهرين، اضطر وزير الخارجية الدنماركي، أندرس صموئيلسن، للتعليق على بيع بلاده "أجهزة حساسة وأسلحة" لدول خليجية وعربية أخرى "تساهم في زيادة القمع ومراقبة المعارضين والمجتمع المدني وحركة تصفح الشبكة العنكبوتية". واعترف صموئيلسن، أول من أمس، بأن بلاده صدرت بالفعل هذه الأنظمة الحساسة إلى السعودية والإمارات وتونس وغيرها من دول المنطقة. تبرير المسؤول عن علاقة بلاده مع الدول الأخرى جاء تحت عنوان أنه "من مصلحة الدنمارك محاربة تنظيم داعش والمقاتلين الأجانب في صفوفه وتمويل الإرهاب، وعليه يمكن تصدير تقنيات أنظمة مراقبة إلى السعودية، حتى لو انطوى الأمر على مخاطر انتهاك حقوق الإنسان".

غضب واسع ومستمر سببه كشف صحيفة "إنفورماسيون"، في يونيو/ حزيران الماضي، عن قيام الدنمارك "بمساعدة أنظمة تقمع شعوبها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". وبالرغم من محاولات "استنطاق" الدبلوماسية الدنماركية خلال الفترة الماضية، بطلب من أحزاب اليسار ومنظمات حقوقية، بقي الموقف الرسمي غامضاً، إلى أن اعترف صموئيلسن بصحة ما قدمته الصحيفة الدنماركية. المحرج في تصرفات كوبنهاغن أن "إنفورماسيون" ربطت الأمر بين التصدير و"قمع الأنظمة للربيع العربي، من خلال ملاحقة النشطاء الذين كافحوا لأجل حرية شعوبهم. فهذه الأنظمة الشمولية استخدمت مداخيلها القومية لأجل أن تضمن، من خلال وسائل قمعية ورقابية شاملة صنعت في الدنمارك، عدم تكرار الربيع العربي".

وتصف خبيرة القضايا الخليجية، هيلي لوكا نيلسن، تصدير معدات وأنظمة حساسة إلى السعودية والإمارات، بأنه "رغبة استخباراتية غربية بأن يستطيع النظام الأمني السعودي، في حربه ضد داعش، استخدامها لمواجهة الإرهاب حقاً"، لكنها تضيف "إن الثمن بالتأكيد ستدفعه القوى الديمقراطية التي تسعى الدنمارك، في جانب آخر، لتعزيز مكانتها في المنطقة". ويقول عضو قيادة حزب اللائحة الموحدة اليساري، والداعم للقوى الديمقراطية العربية، هانس يورن، لـ"العربي الجديد"، إنه "ما من شك أن هذه الأنظمة التقنية الحساسة تستخدم في السعودية وتونس والإمارات وغيرها من الدول لقمع القوى الديمقراطية، ورصد كل من يبدي وجهة نظر، وهو ما شهدناه أخيراً في ملاحقة معارضين سياسيين وحقوقيين. تلك فضيحة سيكون ثمنها باهظاً، إذا تكشّف أن الاعتقالات والملاحقة، لمن أبدوا وجهات نظر معارضة، جاءت عبر استخدام أنظمة صنعت في الدنمارك". وتصف نيلسن التصرفات الغربية بأنها "تدور في حلقة مفرغة، فبطريقة ما يجلب انخراط الغرب في دعم أنظمة القمع مزيداً من غضب الشعوب العربية على الغرب". وكانت منظمة العفو الدولية (أمنستي) انتقدت بشدة، من خلال السكرتير العام للقسم الدنماركي، ترينا كريستيانس، تصدير "أدوات حساسة لأنظمة قمعية"، معتبرة أنها "تصرفات لا يمكن تقبلها أو تحملها".


ويوجه ساسة يساريون نقداً لاذعاً إلى الحكومتين، يسار الوسط السابقة، ويمين الوسط الحالية، لأنهما لم تدرسا رسائل وجهتها الاستخبارات البريطانية "تحذر من خلالها من تصدير أنظمة باي الحساسة للدول الخليجية وشمال أفريقيا، ولم تصل هذه التحذيرات إلى جهاز الاستخبارات الدنماركي الذي كان يمكن أن يقيم خطورة التصدير على المصالح الأمنية للبلد"، بحسب ما يضيف هانس يورن لـ"العربي الجديد". وما يزيد من غضب المنظمات الحقوقية وساسة اليسار، وبعض المحافظين المعارضين لتصدير برامج حساسة للسعودية والإمارات ربطاً بملفات حقوق الإنسان، أن مصادر أمنية تونسية، من عهد الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، كشفت لـ"إنفورماسيون" و"بي بي سي"، في يونيو/ حزيران الماضي، كيف "جرى استخدام أنظمة المراقبة الدنماركية بشكل أساسي لاعتقال وتعذيب نشطاء ومعارضين منذ العام 2007، حيث أصبح كل شيء تحت السيطرة والمراقبة. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فكل السياسيين في تونس كانوا مراقبين، والأمر مستمر حتى يومنا"، بحسب ما تنقل الصحيفة عن مصدرها الأمني. ونظام "باي" للمراقبة تنتجه شركة "ETI" الدنماركية، في جزيرة غوتلاند من خلال 250 خبيراً، ويصدر منه إلى مصانع الأسلحة البريطانية. ويعترف المُلّاك الجدد للشركة بأن التصدير إلى تونس استمر حتى بعد 2011، و"كذلك إلى دولة الإمارات والسعودية من خلال موافقات صادرة عن مجلس التجارة"، بحسب ما تكشف عنه "إنفورماسيون".

منظمة العفو الدولية، بلسان كريستيانس، تعقب على اعتراف الوزير الدنماركي بتصدير معدات مراقبة شاملة بأن "الأمر (تصدير تكنولوجيا المراقبة) مستمر حتى في 2017، وهو أمر يدعو للاكتئاب. فرغم كل ما أثير عن مخاطر دعم الأنظمة القمعية والكشف عنها، فإن عملية منح رخص التصدير مستمرة بشكل غير مسؤول". وتذهب الشركة الدنماركية المصدرة إلى تعليق واحد على الكشف الأخير، بالقول "ما قمنا به تجارة مسؤولة".
وبحسب مصادر برلمانية يسارية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن الأمر لم يتوقف عند حكومة اليمين، ففي عام 2014، وفي ظل حكومة يسار الوسط، "الاجتماعي الديمقراطي" المتحالفة مع حزب "راديكال"، في فترة وزير الخارجية السابق، مارتن ليدغوورد، جرى تخفيف شروط تصدير أسلحة ومعدات حساسة إلى الأنظمة القمعية ذاتها، ومن دون إبلاغ البرلمان، أو الأخذ بتشديد قوانين الاتحاد الأوروبي بمنع تصدير هذه الأسلحة والمعدات لاستخدامات يقصد منها ملاحقات داخلية بحق المواطنين والتحكم الشامل بحركاتهم على شبكة الإنترنت وفي الفضاء العام. وترى المصادر أن "هناك توجهاً لعقد جلسات استماع برلمانية، والعمل على كشف كل الحقائق ووقف كل تصدير يضر بالمجتمعات التي تكافح من أجل الديمقراطية. فالأمر مخزٍ، إذ كيف نتحدث عن حقوق الإنسان ودعمنا للديمقراطية، وفي الوقت ذاته ندعم الأنظمة القمعية ونزرع الكراهية بين الشعوب في المنطقة ضد الغرب نفسه؟ إنها ازدواجية أخلاقية مكلفة جداً".