مصر: تحريك متوقع لملفات شفيق وعنان لمنع منافسة السيسي

مصر: تحريك متوقع لملفات شفيق وعنان لمنع منافسة السيسي

02 اغسطس 2017
من الانتخابات الرئاسية المصرية عام 2014 (مروان النعماني/فرانس برس)
+ الخط -
تصدّرت معضلة عودة المرشح الرئاسي، رئيس الوزراء المصري الأسبق، أحمد شفيق، الواجهة مرة أخرى بعد تسريب معلومات من داخل مجموعته الحزبية في مصر، عن نيته الترشح لرئاسة الجمهورية، قبل نحو 7 أشهر من الموعد المفترض لبدء إجراءات الانتخابات الرئاسية في مصر، وبعد أيام فقط من حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن ضرورة مشاركة المصريين في الانتخابات الرئاسية المقبلة لانتخابه، من دون تحديد موعد رسمي لذلك، على الرغم من أن الموعد المفترض هو العام المقبل.

في هذا السياق، وعلى الرغم من أن التصريحات المنقولة عن شفيق لم تزد المشهد إلا غموضاً، بسبب تمسكه بعدم تأكيد أو نفي نيته للترشح، وبالتالي استمرار غموض مسألة عودته لمصر، إلاّ أن أمرين لافتين للنظر شابا التعامل الإعلامي مع مسألة شفيق هذه المرة؛ الأول، هو أن الإعلامي عمرو أديب المقرّب من السيسي، تحدث صراحة للمرة الأولى عن "احتمال وجود موانع تعوق عودة شفيق إلى مصر للإعلان عن ترشحه من مطار القاهرة". الأمر الثاني هو أن النظام الحاكم أصدر تعليمات مشددة للصحف ووسائل الإعلام الأخرى، بعدم التعاطي مع أنباء ترشح شفيق وعدم نقل تصريحات عنه، بهدف دفن هذه الشائعات وعدم منحها فرصة الانتشار، بحسب مصادر إعلامية نافذة.

بدوره، كشف مصدر واسع الاطلاع بوزارة الداخلية عن أن "شفيق ما زال موضوعاً على قوائم الترقب والوصول، على الرغم من صدور حكم من محكمة الجنايات بإلغاء قرار النيابة العامة بإدراجه على هذه القوائم، على ذمة اتهامه في قضية (أرض الطيارين)، التي كان متهماً فيها مع علاء وجمال نجلي الرئيس المخلوع حسني مبارك وعدد من رجال الأعمال الآخرين، ارتباطاً بواقعة الحصول على قطعة أرض وتجميدها وبيعها بالمخالفة للقانون وتقسيمها بما يخالف الغرض المعتمد لها".

وذكر المصدر، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الجهة التي ما زالت تضع شفيق على قوائم الترقب وتتسبب في منعه من العودة إلى مصر، هي النيابة العسكرية التي ما زالت تحقق في اتهامات موجهة لشفيق بإهدار المال العام خلال فترة توليه وزارة الطيران بين عامي 2002 و2011". ولفت إلى أن "القضاء العسكري أمامه وقائع تُشكل قضية الكسب غير المشروع، التي أحالها رئيس جهاز الكسب غير المشروع الأسبق بوزارة العدل (والذي عين وزيراً في ما بعد) إبراهيم الهنيدي، عام 2013 إلى النيابة العسكرية، تنفيذاً لقانون صدر في عهد المجلس العسكري يجعل القضاء العسكري مختصاً بقضايا الفساد المالي للضباط السابقين بالقوات المسلحة".



وشدّد على أن "القضاء العسكري لم يحفظ هذه القضية، ولم ينه التحقيق فيها، لأن التحقيق يتطلب حضور شفيق بنفسه وسؤاله، وهو ما لم يحدث حتى الآن"، موضحاً أن "شفيق ما زال في انتظار ضوء أخضر يمنحه النظام إياه باتصالات مباشرة أو عبر وسطاء إماراتيين حتى يتمكن من العودة سالماً إلى مصر، لأنه على المستوى الشخصي متشكك في وجود موانع أخرى من قبل القضاء العسكري أيضاً تتمثل في قضايا مختلفة عبارة عن بلاغات أو مخالفات مالية".

ورجّح المصدر "ألا يسمح السيسي بعودة شفيق وإعطاء ضمانات لأصدقاء الأخير بدولة الإمارات بعدم المساس به، إلا في حالة تعهّد شفيق (76 عاماً) بالتوقف عن ممارسة السياسة، أو في حالة إصابته بمرض مزمن أو قربه من الوفاة. ومنذ إحالة قضية شفيق إلى النيابة العسكرية لم يصدر القضاء العسكري أي بيان حولها، ويحيطها بتعتيم شديد، بينما يمتنع محامو شفيق عن الإدلاء بأي تصريحات حول هذه القضية، تخوفاً من إثارتها أو تسريب معلومات بشأنها للصحف المصرية".

وكانت مصادر بوزارة العدل قد كشفت، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، عن أن "قضية الكسب غير المشروع التي تم التحقيق فيها بمعرفة خبراء الوزارة لمدة عامين، قبل إحالتها للقضاء العسكري تتضمن 7 وقائع فساد، اثنتان منها فقط حققت فيهما النيابة العامة من قبل، أما الباقي فلم يتم التحقيق فيه إلا بمعرفة جهاز الكسب غير المشروع، وهي خاصة بأراضٍ وعقارات امتلكها شفيق مستفيداً من مناصبه الوزارية والعسكرية، باسمه وبأسماء بناته".

وأضافت المصادر أن "ملف القضية أحيل إلى القضاء العسكري قبل ورود جميع التقارير التي طلبها محققو جهاز الكسب من الخبراء الفنيين، المتخصصين في حساب الربح غير المشروع المتحقق عن عمليات التخصيص. ما يطرح احتمالات أن تكون هذه الإحالة قد تمت بقرار سياسي، لا لاعتبارات قانونية، لأنه من المفترض ألا يتم تحويل ملف يحقق فيه الجهاز إلى أي جهة تحقيق أو محاكمة دون استيفائه بالكامل". ونقل هذا القرار ملف عودة شفيق بالكامل من ساحة القضاء المدني إلى القضاء العسكري، الخاضع لإمرة وزير الدفاع، وغير متمتع بالاستقلال الكامل بحسب التشريعات المنظمة له، فتحريك الاتهامات وصدور الأحكام في حاجة إلى تصديق وزير الدفاع بنفسه.



ولم تستبعد مصادر تحدثت مع "العربي الجديد" لجوء الدائرة المحيطة بالسيسي إلى "إثارة قضية اختارت هي في وقت سابق إخمادها سريعاً، بعد أن لوّحت بها فجأة، حين تم تسريب، ما وصفته وقتها بشائعة، ضلوع شفيق في الإعداد لمحاولة الانقلاب على حكم السيسي، بالتنسيق مع ضباط بالجيش المصري؛ وهو ما تم تسريبه في صورة رسالة للمشتركين بخدمة الرسائل لموقع جريدة الوطن، المقرّبة من دوائر النظام، تحمل هذا المضمون، ثم الخروج بعد ساعات بقصة اختراق الخدمة". وهي القصة التي شكك فيها كثيرون. ومن الواضح أن باب المنافسة في الانتخابات الرئاسية لن يكون مغلقاً أمام شفيق وحده، بل أمام الفريق سامي عنان، الذي كان رئيس هيئة أركان الجيش الأسبق وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقت اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

في هذا الصدد، كشفت مصادر سياسية على اتصال دائم بعنان، عن أنه "ما زال يفكر في منافسة السيسي في الانتخابات المقبلة، وتسيطر عليه مشاعر بأن السيسي يخشاه شخصياً، على خلفية حركة التصفية الأخيرة في صفوف سلاح الدفاع الجوي". التصفية التي كشفت تفاصيلها "العربي الجديد" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إثر "إحالة عدد كبير من ضباط السلاح إلى التقاعد بسبب صلاتهم المحتملة بعنان، الذي يتمتع بشعبية كبيرة في هذا السلاح، ثم تكللت الحركة بإحالة قائد السلاح، الفريق عبد المنعم التراس، إلى التقاعد ليتم السيسي بذلك استبعاد جميع القادة الأقدم منه في الجيش".



وأوضحت هذه المصادر أن "عنان يحاول حالياً تحقيق اختراق في الدوائر القريبة من السيسي، والمسيطرة على القضاء العسكري والمخابرات الحربية، للتأكد من وجود أو عدم وجود قضايا أو بلاغات مقدمة ضده قد تتحرك، وتظهر للواجهة في أي لحظة، إذا ما قرر خوض انتخابات الرئاسة، فهو من الناحية النظرية خال من أي موانع للترشح، لكنه يخشى الملفات المخفية".

وأضافت المصادر أنه "قبل الانتخابات الرئاسية الماضية تعرّض عنان للتخويف والضغوط من قبل العديد من الإعلاميين والسياسيين الذين كانوا يتظاهرون بقربهم منه وخوفهم على مصلحته، ومن ضمن الأوراق التي تم الضغط عليه بها بصورة غير مباشرة وجود بلاغات قديمة ضده منذ كان عضواً بالمجلس العسكري، بشأن وقائع فساد مالي واتجار في أراضي الدولة وتربّح من عمليات بيع أراضٍ مميزة، كانت قد خصصت له بصفته الوظيفية".

وأكدت المصادر أن "السيسي لا يرغب في منافسة شفيق أو عنان لأسباب تتعلق بعلاقتهما الشخصية به والخالية من الود تماماً والمفعمة بالمنافسة، لا سيما أن الأول سبق أن أثار غضب السيسي وقائده المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الأسبق، بسبب اتهاماته للمجلس بإهداء منصب رئيس الجمهورية عام 2012 لمرشح جماعة الإخوان محمد مرسي والتواطؤ في تزوير تلك الانتخابات، والتي حاول مراراً إثارة الشكوك حول نزاهتها، إلى أن أصدر السيسي تعليماته بغلق هذا الملف قضائياً، بعدما كاد الأمر يصل لاحتمال إصدار قرارات من قاضٍ للتحقيق بسجن بعض أعضاء اللجنة العليا المشرفة على تلك الانتخابات".

أما عنان فتسيطر خلافات الماضي على علاقته بالسيسي، لكونه يعتقد بأنه "كان الأجدر والأحق بمنصب وزير الدفاع بعد الإطاحة بطنطاوي"، ويرى أن "الأخير أدى دوراً سلبياً لتمكين السيسي من السيطرة على الجيش بعدما كان هو صاحب الكلمة الأولى عملياً فيه. كما أن السيسي لا يطمئن كثيراً لتحركات عنان واستعداده للتواصل مع تيارات ترى أنها تعرضت للظلم والاستبعاد بعد الإطاحة بحكم أول رئيس تم انتخابه ديمقراطياً، المعزول محمد مرسي.